السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 15 ديسمبر 2014

تجديد الدين وعلومه ٨: المقال كاملاً




ويشتمل على: 






6– 6 تجديد علم علوم الحديث.


1- 6 معنى تجديد الدين وعلومه:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا أَعْلَمُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا». (أخرجه أبو داود فِي كتاب الْمَلاحم, باب: مَا جَاءَ فِي قرن الْمِائة، حديث رقم: (4291)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود باختصار السند).
والْمُرَاد مِنْ التَّجْدِيد -كما بيَّنه فِي عون الْمَعبُود (دار الكتب العلمية 11/ 259): «إِحْيَاء مَا اِنْدَرَسَ مِنَ الْعَمَل بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَالأَمْر بِمُقْتَضَاهُمَا، وَإِمَاتَة مَا ظَهَرَ مِنْ الْبِدَع وَالْمُحْدَثَات»اهـ.
وعليه فإن تجديد علوم الدين المراد منه:
- إحياء ما اندرس منها،
- وإزاحة ما أدخل فيها وليس على قاعدتها.
وليس معنى تجديد العلوم الإسلامية؛ الخروج عن أصولها، وهدم ما انبى منها؛ 
كمن يحرف مدلول الإجماع الذي هو أحد الأدلة الأصلية عند أهل السنة، فبدلاً من أن يكون: (اتفاق الصحابة على قول) يجعله (إرادة جماهير الشعب في الدولة) أو (اختيار الأغلبية من الشعب) ويسمي هذا تجديداً لأصول الفقه.
أو كمن يأتي فيوجب ويلزم اتباع مذهب من المذاهب الإسلامية، ولا يجيز الخروج عليه، فإن هذا أمر حادث أدخل على الدين وليس منه!
أو كمن يدعو إلى إعادة كتابة علوم الحديث، وأن كتاب ابن الصلاح وما جاء بعده من الكتب في علم الحديث لا يمثل ما عليه الأئمة في هذا الباب؛ 
فليس من التجديد في شيء هدم ما شيده أهل العلم في باب من أبواب العلوم، وهدر كلامهم فيه.
ومن إحياء علوم الدين وتجديدها إعادة صياغتها، وعرضها بصورة ميسرة تقرب فهمها للناس، تقرب فيه المعاني، وتوضح فيه المصطلحات العلمية المتعلقة بكل علم من العلوم.
بل الرد على أهل البدع والمخالفين وأصحاب الاتجاهات الخارجة عن الصراط المستقيم في العلوم الدينية هو من تجديد الدين، ومقصد من مقاصده.


فتجديد الدين تخلية وتجلية، يحصل بهما إحياء معالمه وعلومه، للعمل بها وتربية الناس عليها.



2- 6 تجديد علم العقيدة: 
فتجديد علم العقيدة؛ يحصل بالدعوة إلى:
- ما عليه الرسول -صلى الله عليه-،
- والصحابة -رضوان الله عليهم-،
وإحياء الآثار في ذلك،
وإبراز منهجهم؛ بتطبيق سلوكهم وأخلاقهم.
وإظهار قواعدهم وأصولهم. وما كانوا عليه.
والرد على أهل البدع المخالفين،
والتحذير منهم ومن بدعهم.
وإظهار محاسن الدين كما جرى عليه السلف الصالح،
وإبطال الشبه وما جاء به أهل الباطل،
كما قال أحمد ابن حنبل -رحمه الله- في مقدمة كتابه الرد على الجهمية والزنادقة: «الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم.
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عقال الفتنة فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن الضالين»اهـ.
ومن تجديد العقيدة ذكر ما استجد من فرق وديانات ومذاهب وبدع؛
فتذكر ضمن مسائلها للتحذير منها،
فتذكر الحزبية وجماعاتها كالإخوان والتبليغ والتحرير وغيرها،
وتذكر المذاهب الهدامة كالماركسية والشيوعية والرأس مالية،
وتذكر الاتجاهات المخالفة كالميكافيلية والديكارتية والديمقراطية والليبرالية وغيرها،
ونحو ذلك من المسائل الحادثة التي لم تذكر في كتب العقيدة والفرق والأديان في السابق.


ومن التجديد في العقيدة ما صنعه الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في كتابه (التوحيد حق الله على العبيد) حيث عرض مسائل الاعتقاد، في تبويبات تنتظم حياة المسلم، فجعل التوحيد واقعاً يعيشه في الحياة اليومية.



3- 6 تجديد علم التفسير:

والتجديد في التفسير؛ يكون بـ:
- إحياء معاني الآيات بما ورد عن السلف الصالح،
ورد التفسيرات الحديثة التي خالفت مخالفة تضاد هذه المعاني،
وإبطال التفسيرات التي جعلت من القرآن العظيم كتاب علوم تطبيقية، وسلبته هدايته وما فيه من يقين وحق.
- وبإبراز أصولهم في ذلك،
واتباع أفضل طرق التفسير، وتوضيحها وتطبيقها.
وإخراج الدخيل على معاني القرآن والتفسير.
وصياغته بصورة سهلة ميسرة تقرب معاني القرآن للناس.
- ومن التجديد فيه: الكلام على المناهج الحادثة في التفسير مثل البنيوية في التفسير، والتفكيكية، والهرمنطوقيا، والألسنية (الأنسنية)، ونحوها من المذاهب الحادثة في التفسير، المبنية على مناهج بعيدة عن الشرع.
- ومن صور التجديد في عرض التفسير: عرضه على أساس الموضوعات، وهو المسمى بـ (التفسير الموضوعي). إذ تفسير القرآن الكريم لها طريقان في عرضه:
الأولى: عرضه على أساس ترتيب السور والآيات في المصحف. 
الثانية: عرضه على أساس الموضوعات.
والتجديد في الموضوعات بأن لا يقتصر في دراسة الموضوعات على الآيات الصريحة الظاهرة، بل يستنبط من كل القرآن ما يمكن أن يساعد في بناء الموضوع وتجليته.


- ومن التجديد في الدراسات القرآنية: إفراد أصوله بأبحاث تجمع مفرداتها بحيث يضبط الأصل، وقد حاول شيئاً من ذلك الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة -رحمه الله- في كتابه (دراسات لأسلوب القرآن الكريم).



4 – 6 تجديد علم الفقه:

تجديد الفقه الإسلامي؛ بإحياء الاجتهاد الفقهي المنظم عن طريق توسيع دائرته بما نستطيع أن نسميه بـ (الفقه الشمولي)؛
- فيعرض على أساس الاستفادة من جميع المذاهب الصحيحة بدون اقتصار على مذهب واحد منها،
- والاستفادة من القواعد الفقهية لدى الجميع وتوظيفها في الاستنباط والترجيح. فإن الإلزام باتباع مذهب واحد مما أدخل في الفقه وليس على قاعدته.
- ويدخل في ذلك تتبع أقوال الصحابة -رضوان الله عليهم- ومتابعتها، وتحريرها؛ فإن هذا وإن فعله علماء المذاهب واعتمده أئمتها، إلا أن إبراز أقوالهم وإيضاحها من أهم ما ينبغي؛ حتى تظهر وجوه الأقوال، وطرائق الاستنباط والفهم
والمجامع الفقهية تحقق -بإذن الله- طرفاً من ذلك، أسأل الله للقائمين عليها العون والتوفيق والهدى والسداد.
- وتقريب الفقه بأسلوب عرض عصري مناسب ييسر أمر تبليغ الدين ويقربه للناس، فإنه لا يضر عرض الفقه على هيئة القوانين كما حاول ذلك ابن جزي -رحمه الله- في كتابه (القوانين الفقهية)، أو كما صنعه أصحاب (مجلة الأحكام الشرعية).


- ومن تجديده: النظر في المسائل المستجدة وتكييفها على أصول الشرع فقهاً وأصولاً، وهو المسى بـ (فقه النوازل).



5 – 6 تجديد علم أصول الفقه:

وتجديد (أصول الفقه)؛ يكون بـ:
- إحياء طرائق أهل العلم في الاستنباط، وإبرازها من خلال إيضاح أثرها تطبيقيًا على المسائل،
- وربطها بأقول السلف الصالح من الصحابة والتابعين؛ بحيث يتضح للناظر حجية هذه الطريق في الاستنباط، وتقرير الحكم الشرعي.
- وتخريج الفروع على الأصول صورة من صور هذا التجديد ولا شك، ويمكن إيضاح ما جروا عليه في الاحتجاج وفقد قوته عند تدوين الأصول بطريقة المتكلمين، التي نسب إليها الشافعي -رحمه الله- بغير حق، فقد كان شديداً على أهل الكلام، فكيف يكون كتابه على طريقتهم، بل أزعم أن كتابه (الرسالة) يصرخ في بيان تخريجه للأصول على الفروع التي وردت عن الصحابة -رضي الله عنهم-.
- ويدخل في تجديد أصول الفقه: إبراز ما يتعلق بالتصحيح والتضعيف من طرق سار عليها السلف لا تنحصر بمجرد أسانيد الرواية.
- والاستفادة من جميع كتب المذاهب في أصول الفقه؛ ليخرج أصول فقه شمولي بحسب الراجح فيها؛ ليتوازن مع ما تقدمت الإشارة إليه من الفقه الشمولي.


- ومن صور التجديد في أصول الفقه: ما صنعه الشاطبي -رحمه الله- في كتابه الفذ (الموافقات)؛ حيث مزج بين أصول أهل الحديث والأثر، وطرائق أهل الرأي والنظر؛ فوفق بينهما في كتابه (الموافقات)، مستعينًا بالاستقراآت الكلية، للأصول النقلية وأطراف من القضايا العقلية، في بيان مقاصد الكتاب والسنة، ونظم ذلك وجمعه إلى تراجم الأصول الفقهية.



6– 6 تجديد علم علوم الحديث:

وتجديد علوم الحديث؛ بـ:
- إكمال البحث في الجوانب التي ذكر العلماء أنها تحتاج إلى مزيد نظر، أعني في معرفة مراد بعض الأئمة من ألفاظ الجرح والتعديل التي يستعملونها، ومعرفة مرادهم من مصطلحاتهم في كلامهم في التعليل، ونقد الحديث.
وعرضه بأسلوب جديد؛ وهذا سبيل حاوله ابن حجر العسقلاني -رحمه الله-، حيث عرض علم الحديث بطريقة جديدة أراد فيها إخراجه بهيئة النظرية التي تتميز أطرافها بعضها عن بعض ولا تتداخل، فجعل لكل نوع تعريفاً يميزه عن غيره ولا يختلط به، ولم يخرج في ذلك عن ما جاء عن أهل الحديث في كل نوع، ولذلك سمى كتابه (نخبة الفكر) حيث انتخب من أقوالهم وتعاريفهم ما يحقق له العرض المناسب؛ فيتميز النوع ولا يختلط بغيره. 
وسلكه قبله ابن النفيس في رسالته (المختصر في علم أصول الحديث)، حيث بدأ الكتاب في عرض علم الحديث، فذكر المتواتر، ثم خبر الآحاد، ثم ما يتعلق به من ألقاب. ولا أدري هل وقف عليه ابن حجر أم لا؟!
- ومن تجديد علم الحديث: تفعيل ما ظهر من نتاج الدراسات العلمية الجادة المتعلقة بمناهج الأئمة، خاصة فيما يتعلق بمدلولات ألفاظهم في الجرح والتعديل ومراتبها، وأوجه العلل وقرائنها.
ومما جربته في هذا المجال عرض النوع من أنواع الحديث بإبراز كل ما يتداخل معه من الأنواع الأخرى والمصطلحات كما تراه في كتابي (شفاء القلوب في معرفة الحديث المقلوب) حيث عقدت فصلاً عرضت فيه أنواع ومصطلحات تتداخل مع الحديث المقلوب. وهي طريقة توضح النوع وتميزه وتبين للطالب محل التداخل والتباين بين الأنواع.
وفي كتابي (روافد حديثية) عرضت القضايا الحديثية على أساس المجالات التي يبحث فيها في علم الحديث؛ فذكرت أنها لا تخرج عن المجالات التالية:
المجال الأول: علوم وأنواع الحديث.
المجال الثاني: رجال الحديث.
المجال الثالث: التخريج ودراسة الأسانيد.
المجال الرابع: شرح الحديث.
فأي بحث تريد أن تكتبه في الحديث لا يخرج عن هذه المجالات، ثم أوضحت الخلفية العلمية التي يحتاجها الباحث في الحديث في هذه المجالات، بحيث يسهل عليه الكتابة فيما يريد من بحوث حديثية.

والحمد لله وصل اللهم على محمد وآله وسلم.