العود الهندي (القسط البحري)
عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ فَقَالَ: «احْتَجَمَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ
صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ». وَقَالَ: «إِنَّ أَمْثَلَ مَا
تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ». وَقَالَ: «لَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ
بِالْغَمْزِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ».». (أخرجه البخاري في كتاب
الطب، باب الحجامة من الداء، حديث رقم: (5696).).
وعَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ قَالَتْ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ
يُسْتَعَطُ بِهِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ». (أخرجه البخاري
في كتاب الطب، باب السعوط بالقسط الهندي والبحري، حديث
رقم: (5693).).
وجاء في شرح الحديث:
قَوْله: «عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُود الْهِنْدِيّ». أَخْرَجَ أَحْمَد وَأَصْحَاب السُّنَن
مِنْ حَدِيث جَابِر مَرْفُوعًا: «أَيّمَا اِمْرَأَة أَصَابَ وَلَدهَا عُذْرَة أَوْ وَجَع
فِي رَأْسه فَلْتَأْخُذْ قُسْطًا هِنْدِيًّا فَتَحُكّهُ بِمَاءٍ ثُمَّ تُسْعِطهُ إِيَّاهُ».
وَفِي حَدِيث أَنَس: «إِنَّ أَمْثَل مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَة وَالْقُسْط
الْبَحْرِيّ» وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ وَصْف لِكُلِّ مَا يُلَائِمهُ، فَحَيْثُ
وُصِفَ الْهِنْدِيّ كَانَ لِاحْتِيَاجٍ فِي الْمُعَالَجَة إِلَى دَوَاء شَدِيد الْحَرَارَة،
وَحَيْثُ وُصِفَ الْبَحْرِيّ كَانَ دُون ذَلِكَ فِي الْحَرَارَة؛ لِأَنَّ الْهِنْدِيّ أَشَدّ
حَرَارَة مِنْ الْبَحْرِيّ. وَقَالَ اِبْن سِينَا: الْقُسْط حَارّ فِي الثَّالِثَة، يَابِس
فِي الثَّانِيَة.
قَوْله: «فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَة أَشْفِيَة». جَمْع شَفَاء كَدَوَاءٍ وَأَدْوِيَة.
قَوْله: «يُسْتَعَطُ بِهِ مِنْ الْعُذْرَة، وَيُلَدّ بِهِ مِنْ ذَات الْجَنْب» كَذَا وَقَعَ الِاقْتِصَار فِي الْحَدِيث مِنْ السَّبْعَة عَلَى اِثْنَيْنِ،
فَإمَّا أَنْ يَكُون ذَكَرَ السَّبْعَة فَاخْتَصَرَهُ الرَّاوِي أَوْ اِقْتَصَرَ عَلَى الِاثْنَيْنِ لِوُجُودِهِمَا حِينَئِذٍ دُون غَيْرهمَا.
قوله: «ويلد به من ذات الجنب» اللَّدُود: بِفَتْحِ اللَّام وَبِمُهْمَلَتَيْنِ:
هُوَ الدَّوَاء الَّذِي يُصَبّ فِي أَحَد جَانِبَيْ فَم الْمَرِيض. وَاللُّدُود بِالضَّمِّ
الْفِعْل. وَلَدِدْت الْمَرِيض فَعَلْت ذَلِكَ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاء مِنْ مَنَافِع
الْقُسْط: أَنَّهُ يُدِرّ الطَّمْث وَالْبَوْل. وَيَقْتُل دِيدَان الْأَمْعَاء. وَيَدْفَع
السُّمّ وَحُمَّى الرِّبْع وَالْوِرْد. وَيُسَخِّن الْمَعِدَة. وَيُحَرِّك شَهْوَة
الْجِمَاع. وَيُذْهِب الْكَلَف طِلَاءً. فَذَكَرُوا أَكْثَر مِنْ سَبْعَة،
وَأَجَابَ بَعْض الشُّرَّاح: بِأَنَّ السَّبْعَة عُلِمَتْ بِالْوَحْيِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا
بِالتَّجْرِبَةِ، فَاقْتَصَرَ عَلَى مَا هُوَ بِالْوَحْيِ لِتَحَقُّقِهِ.
وَقِيلَ ذَكَرَ مَا يُحْتَاج إِلَيْهِ دُون غَيْره؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْعَث بِتَفَاصِيل ذَلِكَ.
قُلْت: وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون السَّبْعَة أُصُول صِفَة التَّدَاوِي بِهَا؛ لِأَنَّهَا
إِمَّا طِلَاء
أَوْ شُرْب
أَوْ تَكْمِيد
أَوْ تَنْطِيل
أَوْ تَبْخِير
أَوْ سَعُوط
أَوْ لَدُود؛
فَالطِّلَاء يَدْخُل فِي الْمَرَاهِم وَيُحَلَّى بِالزَّيْتِ وَيُلَطَّخ، وَكَذَا التَّكْمِيد،
وَالشُّرْب يُسْحَق وَيُجْعَل فِي عَسَل أَوْ مَاء أَوْ غَيْرهمَا، وَكَذَا
التَّنْطِيل، وَالسَّعُوط يُسْحَق فِي زَيْت وَيُقْطَر فِي الْأَنْف، وَكَذَا
الدُّهْن، وَالتَّبْخِير وَاضِح. وَتَحْت كُلّ وَاحِدَة مِنْ السَّبْعَة مَنَافِع
لِأَدْوَاءٍ مُخْتَلِفَة وَلَا يُسْتَغْرَب ذَلِكَ مِمَّنْ أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلِم.
وَأَمَّا الْعُذْرَة فَهِيَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة وَجَع فِي
الْحَلْق يَعْتَرِي الصِّبْيَانِ غَالِبًا، وَقِيلَ: هِيَ قُرْحَة تَخْرُج بَيْن الْأُذُن
وَالْحَلْق أَوْ فِي الْخُرْم الَّذِي بَيْن الْأَنْف وَالْحَلْق. قِيلَ: سُمِّيَتْ
بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَخْرُج غَالِبًا عِنْد طُلُوع الْعُذْرَة: وَهِيَ خَمْسَة كَوَاكِب
تَحْت الشِّعْرَى الْعَبُور، وَيُقَال لَهَا أَيْضًا: الْعَذَارَى، وَطُلُوعهَا يَقَع
وَسَط الْحَرّ. وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ مُعَالَجَتهَا بِالْقُسْطِ مَعَ كَوْنه حَارًّا،
وَالْعُذْرَة إِنَّمَا تَعْرِض فِي زَمَن الْحَرّ بِالصِّبْيَانِ وَأَمْزِجَتهمْ حَارَّة وَلَا
سِيَّمَا وَقُطْر الْحِجَاز حَارّ؟! وَأُجِيبَ: بِأَنَّ مَادَّة الْعُذْرَة دَم يَغْلِب عَلَيْهِ
الْبَلْغَم، وَفِي الْقُسْط تَخْفِيف لِلرُّطُوبَةِ. وَقَدْ يَكُون نَفْعه فِي هَذَا
الدَّوَاء بِالْخَاصِّيَّةِ، وَأَيْضًا فَالْأَدْوِيَة الْحَارَّة قَدْ تَنْفَع فِي الْأَمْرَاض
الْحَارَّة بِالْعَرْضِ كَثِيرًا، بَلْ وَبِالذَّاتِ أَيْضًا. وَقَدْ ذَكَرَ اِبْن سِينَا فِي
مُعَالَجَة سُعُوط اللَّهَاة الْقُسْط مَعَ الشَّبّ الْيَمَانِيّ وَغَيْره. عَلَى
أَنَّنَا لَوْ لَمْ نَجِد شَيْئًا مِنْ التَّوْجِيهَات لَكَانَ أَمْر الْمُعْجِزَة خَارِجًا عَنْ
الْقَوَاعِد الطِّبِّيَّة. قَوْله: «تَدْغَرْنَ» خِطَاب لِلنِّسْوَةِ , وَهُوَ بَالْغَيْنِ
الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْمَلَة، وَالدَّغْر غَمْز الْحَلْق. انتهى كلام
الحافظ ابن حجر وقد لفقته من عدة مواضع من فتح الباري.
قلت: والعذرة المذكورة هنا هي ما يعرف اليوم -فيما يظهر لي-
بالتهاب اللوزتين، وقد كان الناس إذا جاءت الصبيان غمزوها
بخرقة ملفوفة على الأصبع، حتى تخرج ما فيها، والرسول لمّا
رأى ما يصنعنه أرشدهن إلى القسط فَقَالَ: «لَا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ
بِالْغَمْزِ مِنْ الْعُذْرَةِ وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ».
وطريقة العلاج من العذرة بالقسط هي السعوط به، ومعنى ذلك
أن يجعل القسط في قطرة، بأن يُحك عود القسط بسكين أو
بحديدة، ثم تؤخذ هذه البرادة (ما ينتج من الحك) ويوضع في ماء
أو زيت ولعل زيت الزيتون أفضل الزيوت، ثم يقطر به في الأنف،
قطرة أو قطرتين فقط ولا تزيد، في كل فتحة من الأنف، عند
النوم. هذا ما لزم، والله الشافي المعافي، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ
يَشْفِينِ}. (الشعراء: 80)، وصل اللهم على محمد وعلى آله
وأزواجه الطيبين الطاهرين، وبارك على محمد وعلى آله وأزواجه
الطيبين الطاهرين، كما صليت وباركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.