لفت نظري:
قول بعضهم : فتوى المفتي غير ملزمة؛ أقول: هذه العبارة غير صحيحة في إطلاقها، فإن فتوى المفتي تكون ملزمة في أحوال :
الحال الأول : إذا استفتاه العامي الذي يعتقده أورع واعلم واتقى من غيره، فهنا فتوى المفتي له ملزمة، لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل:43)، فالعامي الذي يرجع للمفتي، يجب عليه أن يأخذ بفتوى المفتي، و لا يجوز له مخالفتها، بل ولا الانتقال لغيرها إلا إذا تبين أن المفتي خالف نصاً صحيحا صريحاً، أو إجماعا صحيحاً، أو قياساً صحيحاً.
الحال الثانية : إذا كانت فتوى المفتي مبنية على دليل لا تجوز مخالفته. يعني ليست مسألة اجتهادية يتجاذبها النظر.
الحال الثالثة : إذا كانت فتواه في مسألة خلافية اجتهادية، واختياره من باب اختيار ولي الأمر، في هذه النازلة العامة، التي اختيار ولي الأمر يرفع فيها الخلاف.
وفي غير هذه الأحوال لا يسوغ إطلاق القول بأن فتوى المفتي غير ملزمة، لأن ذلك إنما يسوغ في المسائل الاجتهادية، وليس ذلك لأي أحد إنما للعالم المجتهد، والله الموفق .
ويظهر من تأمل كلام أهل العلم أن مرادهم بأن الفتوى غير ملزمة يعني قضاء، فليست فتوى المفتي مثل حكم القاضي، لأن القاضي يحكم وينفذ بولايته التي هو فيها نائب عن ولي الأمر، والله الموفق.