السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الجمعة، 29 يناير 2016

كشكول ١٢١٦: من جهة المشرق تخرج الفتن


من جهة المشرق تخرج الفتن، ويطلع قرن الشيطان، وبها تسعة أعشار الشر، والداء العضال.


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ: هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ"([1]).
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا "مَرَّتَيْنِ . فَقَالَ رَجُلٌ: وَفِي مَشْرِقِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ هُنَالِكَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ وبهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ"([2]).
وفي رواية : "إِنَّ مِنْ هُنَالِكَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، وَبِهِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْكُفْرِ، وَبِهِ الدَّاءُ الْعُضَالُ"([3]).
عن كعب قَال : "أراد عُمَر أن يأتي العراق فقال له كعب : إن بها عصاة الحق وكل داء عضال فقيل له : ما الداء العضال ؟ قَال : أهواء مختلفة ليس لها شفاء"([4]).
قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبدالبر رحمه الله: "إِشَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهِ أَعْلَمُ - إِلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ بِالْفِتْنَةِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ الْكُبْرَى الَّتِي كَانَتْ مِفْتَاحَ فَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ قَتْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ كَانَتْ سَبَبَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَحُرُوبِ صِفِّينَ كَانَتْ فِي نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ ثُمَّ ظُهُورُ الْخَوَارِجِ فِي أَرْضِ نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنَ الْمَشْرِقِ"اهـ([5]).
وقال رحمه الله: "وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَكْثَرَ الْبِدَعِ إِنَّمَا ظَهَرَتْ وَابْتَدَأَتْ مِنَ الْمَشْرِقِ وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ اقْتَتَلُوا بِالْجَمَلِ وَصَفِّينَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ وَقَعَتْ فِي نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ فَكَانَتْ سَبَبًا إِلَى افْتِرَاقِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَذَاهِبِهِمْ وَفَسَادِ نِيَّاتِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى الْيَوْمِ وَإِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"اهـ([6]).
وقال رحمه الله: "لَا مَدْحَ وَلَا ذَمَّ لِبَلْدَةٍ إِلَّا عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِهَا وَأَمَّا عَلَى العموم فلا؛ وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ وَالْفِتَنُ الْيَوْمَ فِي كُلِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الدُّنْيَا"اهـ([7]).
وَفيه أنه ﷺ كَانَ يحذر من ذَلِك وَيعلم بِهِ قبل وُقُوعه، وَذَلِكَ من دلالات نبوته ﷺ([8]).
وجهة المشرق بلاد كسرى؛
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هَلَكَ كِسْرَى، ثُمَّ لاَ يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وفي رواية: "قَدْ مَاتَ كِسْرَى، فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ، فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ"([9]).
قال النووي رحمه الله: "قال الشافعى وسائر العلماء: معناه: لا يكون كسرى بالعراق ولا قيصر بِالشَّامِ كَمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَّمَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِانْقِطَاعِ مُلْكِهِمَا فِي هَذَيْنِ الْإِقْلِيمَيْنِ؛ فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
فَأَمَّا كِسْرَى فَانْقَطَعَ مُلْكُهُ وَزَالَ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَتَمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ وَاضْمَحَلَّ بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا قَيْصَرُ فَانْهَزَمَ مِنَ الشَّامِ وَدَخَلَ أَقَاصِي بِلَادِهِ فَافْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمَا وَاسْتَقَرَّتْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَأَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا أَخْبَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذِهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ"اهـ([10]).
لكن ليس معنى هذا الركون إلى الدعة، بل لابد من أخذ الأسباب والاحتياطات التي تكف شر هؤلاء عن الإسلام والمسلمين، من باب أعقلها وتوكل. ولن يسلط الله على المسلمين عدواً من غيرهم يستأصل شأفتهم.



([1]) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الاستئذان، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ.
([2]) أخرجه أحمد (9/ 458، تحت رقم 5642، الرسالة)، وقال محققو المسند : "إسناده حسن"اهـ.
([3]) أخرجها الطبراني في المعجم الأوسط (2/ 249، تحت رقم 1889)، وقال: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ إِلَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ وَهْبٍ"اهـ. فزاد: "وبه الداء العضال"، قال الألباني غي سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت رقم (2246): "فعندي وقفة في ثبوت هذه الزيادة، لتفرد عبد الرحمن بها دون سائر الرواة"اهـ، فلم تثبت مرفوعة، وليس لها حكم الرفع، فإنها من كلام كعب الأحبار، فلعلها من الإسرائيليات.
([4]) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الاستئذان، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ، بلاغاً، وأسنده عبد الرزاق في المصنف (11/ 251، تحت رقم 20461)، قال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال : أراد عمر أن يسكن العراق ، فقال له كعب : لا تفعل ! فإن فيها الدجال ، وبها مردة الجن ، وبها تسعة أعشار السحر ، وبها كل داء عضال ، يعني الأهواء"، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 750 – 751)، قال الفسوي رحمه الله: "حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ ثنا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيِّ سَمِعْتُ ابْنَ مِينَاءَ الْيَمَامِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا وَاسْتَبْطَأَهُمْ فِي شَيْءٍ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ حَذَّرْتُكُمْ وَخَوَّفْتُكُمْ وَقِيلَ لِي تَقَدَّمْ عَلَى تِسْعَةِ أَعْشَارِ الشَّرِّ وَشَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَمَرَدَةِ الْجِنِّ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَأْتِيَ الْعِرَاقَ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: إِنَّ بِهَا عُصَاةَ الْحَقِّ وَكُلَّ دَاءٍ عُضَالٍ. فَقِيلَ لَهُ: مَا الدَّاءُ الْعُضَالُ؟ قَالَ: أَهْوَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ لَيْسَ لَهَا شِفَاءٌ"اهـ..
([5]) الاستذكار (8/ 519). وانظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/ 199).
([6]) الاستذكار (8/ 520).
([7]) الاستذكار (8/ 520-521).
([8]) انظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/ 199).
([9]) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، بَابٌ: الحَرْبُ خَدْعَةٌ، تحت رقم: (3027)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير باب جواز الخداع في الحرب تحت رقم: (1740، 2918).
([10]) شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 42).