السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الثلاثاء، 6 يناير 2015

هل تعلم ٤٤: أن التصحيح على المعنى وعلى الباب عند المحدثين، نقطة التقاء بين المحدثين والفقهاء


هل تعلم:

أن التصحيح على المعنى وعلى الباب عند المحدثين، نقطة التقاء بين المحدثين والفقهاء، حيث يصحح بهذه الطريقة معنى الحديث، بالنظر إلى شواهده.
ولذلك يحسن العلماء أحاديث ضعيفة من جهة السند لا تتقوى، ولكن جاءت لها شواهد تقويها ولأضرب مثالاً على ذلك:
قال ابن قيم في كتابه: (الوابل الصيب من الكلم الطيب، (ص: 82).)، في ذكره فوائد ذكر الله، فذكر الفائدة (الثالثة والسبعون) وقال: «وهي التي بدأنا بذكرها، وأشرنا إليها، فنذكرها ههنا مبسوطة؛ لعظيم الفائدة بها، وحاجة كل أحد بل ضرورته إليها، وهي أن الشياطين قد احتوشت العبد وهم أعداؤه، فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه المحنقون عليه غيظاً وأحاطوا به، وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشر والأذى، ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله -عز وجل-.
وفي هذا الحديث العظيم الشريف القدر الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه، فنذكره بطوله لعموم فائدته، وحاجة الخلق إليه.
وهو حديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة بن جندب قال: «خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوماً وكنا في صفه بالمدينة، فقام علينا فقال: «إني رأيت البارحة عجباً: 
رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره والديه فرد ملك الموت عنه.
ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك.
ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله -عز وجل- فطرد الشيطان عنه.
ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب، فجاءته صلاته، فاستنقذته من أيديهم.
ورأيت رجلاً من أمتي يلهب -وفي رواية يلهث- عطشاً، كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاءه صيام شهر رمضان فأسقاه وأرواه.
ورأيت رجلاً من أمتي ورأيت النبيين جلوساً حلقاً حلقاً كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاءه غسله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي.
ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن يساره ظلمة، ومن فوقه ظلمة، ومن تحته ظلمة، وهو متحير فيها، فجاءه حجه وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النور.
ورأيت رجلاً من أمتي يتقي بيده وهج النار وشرره، فجاءته صدقته فصارت سترة بينه وبين النار وظللت على رأسه.
ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين ولا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المسلمين، إنه كان وصولاً لرحمه فكلموه، فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم.
ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الزبانية، فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذه من أيديهم وأدخله في ملائكة الرحمة.
ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه وبينه وبين الله -عز وجل- حجاب، فجاءه حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله -عز وجل-.
ورأيت رجلاً من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من الله -عز وجل- فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه.
ورأيت رجلاً من أمتي خف ميزانه فجاءه أفراطه.
ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه في الله -عز وجل- فاستنقذه من ذلك ومضى.
ورأيت رجلاً من أمتي قد أهوى في النار، فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله فاستنقذته من ذلك.
ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف، فجاءه حسن ظنه بالله -عز وجل- فسكن رعدته ومضى. ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحياناً، فجاءته صلاته علي فأقامته على قدميه وأنقذته.
ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة، فغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة».
رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتاب الترغيب في الخصال المنجية، والترهيب من الخلال المردية، وبنى كتابه عليه وجعله شرحاً له، وقال: «هذا حديث حسن جداً رواه عن سعيد بن المسيب عمرو بن ذر وعلي بن زيد بن جدعان وهلال أبو جبلة».
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يعظم شأن هذا الحديث»اهـ.
قلت: هذا الحديث الذي كان يعظمه ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله-، ويعلمان أنه معلول من جهة سند الرواية، فقد قال ابن القيم في كتاب الروح (ص: 83) عن هذا الحديث: «وراوي هذا الحديث عن ابن المسيب هلال أبو جبلة مدنى لا يعرف بغير هذا الحديث، ذكره ابن أبى حاتم عن ابيه هكذا ذكره الحاكم أبو أحمد والحاكم أبو عبد الله أبو جبل بلا هاء، وحكياه عن مسلم ورواه عنه الفرج بن فضالة وهو وسط في الرواية ليس بالقوي ولا المتروك، ورواه عنه بشر ابن الوليد الفقيه المعروف بأبى الخطيب كان حسن المذهب جميل الطريقة وسمعت شيخ الإسلام يعظم أمر هذا الحديث، وقال: «أصول السنة تشهد له وهو من أحسن الأحاديث».»اهـ.
وكذا أورده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة تحت رقم: (7129)، وقال: «منكر جداً. اضطرب فيه الرواة سنداً ومتناً، واتفق الحفاظ المتقدمون ومن سار سيرهم من المتأخرين على استنكاره وتضعيفه. وخالفهم بعض المتأخرين ضاربين بذلك القواعد العلمية التي منها: (أن الحديث لا يتقوى بالطرق الواهية، ولا بالمضطرب إسناداً ومتناً)، مع أوهام متنوعة كثيرة وقعت لبعضهم؛ يستقل بعضهم بها، ويقلدهم آخرون في بعضها»اهـ.
فالحديث لا يصح من جهة سند الرواية، ومع ذلك انظر ماذا كان يقول ابن تيمية وابن القيم عنه!
ووجه ذلك أن التصحيح والتحسين لا ينتهي عند سند الرواية، وهو ما أشار إليه ابن تيمية بقوله: «أصول السنة تشهد له، وهو من أحسن الأحاديث»اهـ.

وهذه طريقة خارجة عن أسانيد الرواية، يجري عليها الفقهاء فيما يسمى بالتصحيح على الباب، أو تصحيح المعنى، والله الموفق.