السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

كشكول ٣٠٠: هل تناقض الحاكم -رحمه الله- صاحب المستدرك على الصحيحين؟



هل تناقض الحاكم -رحمه الله- صاحب المستدرك على الصحيحين؟ 

نصَّ الحاكم النيسابوري -رحمه الله- على أن الشيخين يَعُدَّان تفسير الصحابيِّ من قبيل المسند المرفوع)، فقال: «ليعلم طالب هذا العلم: أن تفسير الصحابيَّ الذي شهد الوحي والتنزيل عند الشيخين حديثٌ مسندٌ»اهـ.(المستدرك (2/645، عقب الحديث رقم: 3075 علوش)). 

فإن قيل: اختلف كلام الحاكم حيث قال -رحمه الله- في كتابه (معرفة علوم الحديث)(ص: 148-149 -السلوم، باختصار وتصرُّف يسير.): «ومن الموقوف الذي يُستدلُّ به على أحاديث كثيرة ما [جاء] عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قول الله -عز وجل-: {لوَّاحة للبشر}. (المدَّثِّر:29)، 

قال: «تَلْقَاهُمْ جَهَنَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَلْفَحُهُمْ لَفْحَةً، فَلَا تَتْرُكُ لَحْمًا عَلَى عَظْمٍ إِلَّا وَضَعَتْ عَلَى الْعَرَاقِيبِ». 

قال: وأشباهُ هذا من الموقوفات تعدُّ في تفسير الصحابة. 

فأمَّا ما نقول في تفسير الصحابي: مسند، 

فإنما نقوله في غير هذا النوع، فإنه كما [جاء] عن جابر قال: «كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: «مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ»؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عز وجل-: {نساؤكم حرث لكم}. (البقرة: من الآية 223)».

قال الحاكم: هذا الحديث وأشباهُه مسندةٌ عن آخرها، وليست بموقوفة؛ فإن الصحابيَّ الذي شهد الوحي والتنزيل، فأخبر عن آية من القرآن أنها نزلت في كذا وكذا، فإنه حديث مسند»اهـ. 

فكلامه هذا يبيِّن أن قول الصحابي في التفسير موقوف عليه! وهو خلاف قوله المتقدم أنه مرفوع!

فالجواب: 

مراد الحاكم بما أورده في كتابه معرفة علوم الحديث، بيانُ ما يدخل في كتب المساند، فإن ما انتهى إلى الصحابي في تفسير الآية، هو موقوف سندًا، وما انتهى إلى ذكر الصحابي لسبب نزول، أو أمر حدث في زمن النبيِّ هذا مرفوع سندًا؛ فيورَد في كتب المساند. 

والشيخان يعُدَّان كل ذلك مسندًا، فهو مرفوع حقيقة أو حكمًا

فليس في كلام الحاكم اختلافٌ أو تعارض؛ 

لأن الجهة منفكَّة؛ ففي كلامه الأول في كتابه (المستدرك) نظرُه إلى معنى ما يجيء عن الصحابي في تفسير القرآن، فهو من المسند (=المرفوع سندًا أو حكمًا).

وفي كلامُه في كتابه (معرفة علوم الحديث) نظرُه إلى كتب المساند (جمع مسند) وطريقة المصنِّفين فيها، 

فإنها تورد ما انتهى إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- (قولًا أو فعلًا أو تقريرًا)، 

ولا تورد ما انتهى إلى الصحابيِّ، إلا ما كان في حكم التقرير، وهو ما حدث في زمنه -صلى الله عليه وسلم- كأسباب النزول. 

ويؤكِّد هذا أنه أورد أثرًا عن أبي هريرة مما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه، وقال: إنه من الموقوف، 

وعبارته: «ومن الموقوف الذي يُستدَلُّ به على أحاديث كثيرة: ما [جاء] عن أبي هريرة -رضي الله عنه- في قول الله -عز وجل-: {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَر}، قال: «تَلْقَاهُمْ جَهَنَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَلْفَحُهُمْ لَفْحَةً، فَلَا تَتْرُكُ لَحْمًا عَلَى عَظْمٍ إِلَّا وَضَعَتْ عَلَى الْعَرَاقِيبِ». 

قال: وأشباهُ هذا من الموقوفات تُعدُّ في تفسير الصحابة»اهـ، 

فلم يكن مقصوده نفس كلام الصحابي، إنما مقصوده هنا ذكر طريقة التصنيف في كتب المساند.

وقال ابنُ تيمية -رحمه الله-: «وقد تنازع العلماء في قول الصاحب: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند كما يذكر السبب الذي أُنزلت لأجله، أو يجري مجرى التفسير منه الذي ليس بمسند؟ 

فالبخاريُّ يُدخله في المسند، 

وغيرُهُ لا يدخلُهُ في المسند، 

وأكثر المساند على هذا الاصطلاح كمسند أحمد وغيره؛ بخلاف ما إذا ذكر سببًا نزلت عقبه، فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند»هـ(مقدمة أصول التفسير مع شرحها لمحمد بازمول: (ص88).). 


فلم يتناقض كلام الحاكم -رحمه الله- كما يظهر، والله أعلم.