السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

السبت، 7 فبراير 2015

كشكول ٦٧٢: كلام قيم لابن القيم عن قيام الحجة



كلام قيم لابن القيم:

قال ابن القيم -رحمه الله- في كلام له عن حكم من مات من الأطفال، وقيام الحجة، فذكر أنه ينبني على هذه الأصول:
«أربعة أُصول:
أحدها: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نبعث رَسُولاً}. (الإسراء: 15)، وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}. (النساء: 165)، وقال تعالى: {كُلَّمَا أَلْقِى فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزْنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ}. (الملك: 8- 9)، وقال تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ}. (الملك: 11)، وقال تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىَ أَنْفُسِنَا وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ}. (الأنعام: 130)، وهذا كثير فى القرآن، يخبر أنه إنما يعذّب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة، وهو المذنب الذي يعترف بذنبه، وقال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} (الزخرف: 76)، والظالم من عرف ما جاءَ به الرسول أو تمكن من معرفته، وأما من لم [يكن عنده من الرسول خبراً أصلاً ولا يمكن من معرفته بوجه] وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟
الأصل الثاني: أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة، وعدم [إرادة العلم] بها وبموجبها. الثاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها. فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد. وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل.
الأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأشخاص؛ فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان، وفي بقعة وناحية دون أُخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب، ولم يحضر ترجمان يترجم له. فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئاً ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم فى حديث الأسود وأبي هريرة وغيرهما.
الأصل الرابع: أن أفعال الله سبحانه وتعالى تابعة لحكمته التي لا يخل بها [سبحانه]، وأنها مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة. وهذا الأصل هو أساس الكلام فى هذه الطبقات [الذي عليه نبنى مع تلقى أحكامها من نصوص الكتاب والسنة لا من آراء الرجال وعقولهم ولا يدرى عدد الكلام فى هذه الطبقات]، إلا من عرف ما في كتب الناس، ووقف على أقوال الطوائف فى هذا الباب والنهى إلى غاية مراتبهم ونهاية إقدامهم، والله الموفق للسداد الهادى إلى الرشاد. وأما من لم يثبت حكمة ولا تعليلاً، ورد الأمر إلى محض المشيئة التى ترجح أحد المثلين على الآخر بلا مرجح، فقد أراح نفسه من هذا المقام الضنك واقتحام عقبات هذه المسائل العظيمة، وأدخلها كلها تحت قوله: {لا يَسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}. (الأنبياء: 23)، وهو الفعال لما يريد، وصدق الله وهو أصدق القائلين: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}. (الأنبياء: 23) لكمال حكمته وعلمه ووضعه الأشياءَ مواضعها، وأنه ليس في أفعاله خلل ولا عبث ولا فساد يسأل عنه كما يسأل المخلوق، وهو الفعال لما يريد، ولكن لا يريد أن يفعل إلا ما [هو] خير ومصلحة ورحمة وحكمة، فلا يفعل الشر ولا الفساد ولا الجور ولا خلاف مقتضى حكمته، لكمال أسمائه وصفاته، وهو الغنى الحميد العليم الحكيم»اهـ.