من الناس الذين أثروا فيّ علمياً:
الشيخ عمر بن هادي بن محفوظ -رحمه الله-.
هذا الرجل كان يلقي مواعظ في مسجد بن ملوح في العتيبية بمكة المكرمة. وكنت أستمع فيه له.
كان في موعظته يهدر بغضب ، فيذكرني بما جاء في صفة خطب النبي صلى الله عليه وسلم، من أنه كان يخطب كمنذر جيش يقول صبحكم ومساكم.
كنت استمع لمواعظه في المسجد يقوم بعد صلاة العصر وأحيانا بعد صلاة المغرب.
كنت امتلئ فرحاً بسماعي لموعظته.
كان كلامه مفهوماً، ومواضيعه سهله، فهو يتكلم عن التوحيد، وعن الأخلاق، أمور مر علي أصلها في دراستي، فكانت موعظته تنعش الذاكرة، وتعمق الفكرة، وتكسبها حيوية، بما يطرحه من تطبيقات للمعلومة من واقع حياتنا!
تقربت إليه، وعرفت أنه عم للتاجر الكبير اليوم مرعي بن مبارك بن هادي بن محفوظ، الذي كان يومذاك صاحب محل لمواد البناء وأدوات السباكة في حي البياري، على الزاوية.
فرحت بالشيخ عمر، لم يكن كثير العلم، لكنه كان كبير الأثر في النفس.
تواضعه الجم رغم كبر سنه آنذاك، وصغر سني كان في حدود الخمسين وأنا في السادسة عشرة من عمري تقريباً، أقول: تواضعه الجم فتح لي آفاقاً واسعة في العلم؛
كان يقول لي : قرأت تفسير ابن كثير مرتين، وأنا أعيد قراءته للمرة الثالثة، وفي كل مرة أقف على فوائد ومعلومات كأني لأول مرة أقرأها.
فكان بهذا ينشطني ويحركني لقراءة الكتب الكبيرة، ويحمسني بصورة غير مباشرة.
وكان يذكر لي جلوسه في حلقة سماحة الشيخ عبدالله بن حميد، وجلوسه بعد ذلك في حلقة سماحة الشيخ ابن باز رحمهم الله جميعاً، فيذكر لي : أنه لم يسمع الشيخ ابن حميد يقول في مسألة: لا أدري، وأنه كان يسمعها كثيراً من الشيخ ابن باز، رحمهم الله.
فكان يرغبني في الحضور على الشيخ ابن حميد، ثم بعده عند الشيخ ابن باز رحمهم الله.
ثم بعد فترة صار يقرأ في فتح الباري، فكان يعجب لغزارة علم ابن حجر رحمه الله، وتحريراته واستنباطاته وتصرفه في العلوم.
كانت طريقة الشيخ أنه يأتي عند ابن أخيه مرعي في مكة لمدة ستة أشهر، أو أقل قليلاً أو أكثر، ويرجع بقية السنة في حضرموت.
وكان يذكر لي عن جهاده في الدعوة إلى التوحيد ومحاربة أصحاب القبور والبدع الصوفية بل والشركية، ومقاومته المستمرة لهم .
كنت أسمع قصصه وأرغب في تعلم التوحيد، وقرأت كل ما وقع في يدي من كتب أئمة الدعوة النجدية، الذين كان الشيخ عمر يزكيهم ويمدح جهادهم في نشر التوحيد والدعوة.
وكان يسمي بعض العوائل في حضرموت التي تؤيد البدع والقبور بـ (البعاليل).
هذا الرجل له فضل علي في توجهي لتعلم التوحيد والقراءة وحب الخطابة والمواعظ.
ليست له مؤلفات و لا كتابات.
لكنه كان يريني أوراقاً يكتب فيها الفوائد والأسئلة التي يحتاج إلى بحثها، فتعلمت منه هذا الأمر، فكنت أدون فوائدي، وأسئلتي، منها ما أطرحه عليه ومنها إذا لم أجده أطرحها على غيره .
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وحفظه في عقبه وولده بخير.