سؤال وجواب: «ماهي آية السيف؟ وهل نسخت أو ﻻ بعض الآيات؟ ولماذا؟».
الجواب:
آية السيف هي قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. (التوبة: 5).
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره/سلامة (4/ 112): «وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم: إنها نسخت كل عهد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين أحد من المشركين، وكل عهد، وكل مدة. ...
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: أمره الله تعالى أن يضع السيف فيمن عاهد إن لم يدخلوا في الإسلام، ونقض ما كان سمي لهم من العقد والميثاق، وأذهب الشرط الأول».اهـ باختصار.
وكثرت النقول في أنها ناسخة لآيات كثيرة، وتنوعت مواقف أهل العلم منها، فمنهم من رد دلالة الآية على النسخ. ومنهم من قبلها. وعندي أنه إذا فهم وعرف مقصود السابقين من النسخ زال الإشكال؛
قال ابن تيمية -رحمه الله- في «مجموع الفتاوىٰ» (13/29 - 30): «وكانوا (أي: السلف) يسمُّون ما عارض الآية ناسخًا لها؛ فالنسخ عندهم اسم عام لكل ما يرفع دلالة الآية علىٰ معنًىٰ باطل -وإن كان ذلك المعنىٰ لم يرد بها، وإن كان لا يدل عليه ظاهر الآية، بل قد لا يفهم منها، وقد فهمه منها قوم-، فيسمون ما رفع ذلك الإبِهام والإِفهام: نسخًا. وهذه التسمية لا تؤخذ عن كل واحد منهم.
وأصل ذلك من إلقاء الشيطان، ثم يحكم الله آياته؛ فما ألقاه الشيطان في الأذهان من ظن دلالة الآية علىٰ معنًىٰ لم يدل عليه؛ سمىٰ هؤلاء ما يرفع ذلك الظن نسخًا؛ كما سموا قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}. (التغابن: 16)؛ ناسخًا لقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}. (آل عمران: 102)، وقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}. (البقرة: 286)؛ ناسخًا لقوله: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}. (البقرة: 284)، وأمثال ذلك»اهـ. وانظر بسط ذلك في (الموافقات، (3/108 - 117).).
قال حذيفة -رضي الله عنه-: «إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: من يعلم ما نسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بدًّا، أو أحمق متكلف». (أسنده ابن الجوزي في نواسخ القرآن (ص 31) من طريق ابن أبي داود، وفي السند أبو عبيدة بن حذيفة. قال في «التقريب» (ص 656): «مقبول» يعني عند المتابعة، ولا متابع له هنا، لكن للمتن ما يشهد له عن غير حذيفة، ذكره ابن الجوزي في كتابه الآنف الذكر.).
قال ابن القيم معلقًا علىٰ كلام حذيفة -رضي الله عنه- في «إعلام الموقعين» (1/35).: «مراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة، وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، إما بتخصيص، أو تقييد، أو حمل مطلق علىٰ مقيد وتفسيره وتبيينه، حتىٰ إنهم يسمُّون الاستثناء والشرط والصفة نسخًا؛ لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه.
ومن تأمَّل كلامهم؛ رأي من ذلك فيه ما لا يحصىٰ، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم علىٰ الاصطلاح الحادث المتأخر»اهـ.
قال ابن العربي«أحكام القرآن» (1/205) -رحمه الله-: «إن علماء المتقدمين من الفقهاء والمفسرين كانوا يسمُّون التخصيص نسخًا؛ لأنه رفع لبعض ما يتناوله العموم، ومسامحة، وجرىٰ ذلك في ألسنتهم، حتىٰ أشكل ذلك علىٰ من بعدهم، وهذا يظهر عند من ارتاض بكلام المتقدمين كثيرًا»اهـ.
والله الموفق.