جزى الله خيراً حكامنا آل سعود... أقاموا منار السنة، وأماتوا البدعة...
كانت راية أهل البدعة والمذاهب غير المرضية قائمة في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- في القرن السادس الهجري.
انظر إلى ما يصفه الرحالة ابن جبير مما شاهده في المسجد النبوي أثناء خطبة جمعة!
وكيف أن الخطيب يجلس بين الخطبتين ولا يقوم للثانية حتى يجمع أتباعه الصدقات والعطاءات من الناس.. في أشنع صورة من صور الكدية (الاستجداء وطلب التبرعات).
قال ابن جبير في رحلته: «وفي يوم الجمعة المذكور، وهو السابع من محرم، شاهدنا من أمور البدعة أمراً ينادى له الإسلام: يالله يا للمسلمين.
وذلك أن الخطيب وصل للخطبة، فصعد منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على ما يذكر، على مذهب غير مرضي، ضد الشيخ الإمام العجمي الملازم صلاة الفريضة في المسجد المكرم. فذلك على طريقة من الخير والورع، لائقة بإمام مثل ذلك الموضع الكريم.
فلما أذن المؤذنون قام هذا الخطيب المذكور للخطبة،
وقد تقدمته الرايتان السوداوان وقد ركزتا بجانبي المنبر الكريم،
(لاحظ السوداوان رايات داعش)
فقام بينهما،
فلما فرغ من الخطبة الأولى،
جلس جلسة خالف فيها جلسة الخطباء المضروب بها المثل في السرعة،
وابتدر الجمع مردة من الخدمة يخترقون الصفوف، ويتخطون الرقاب، كدية على الأعاجم والحاضرين لهذا الخطيب القليل التوفيق،
فمنهم من يطرح الثوب النفيس،
ومنهم من يخرج الشقة الغالية من الحرير فيعطيها،
وقد أعدها لذلك،
ومنهم من يخلع عمامته فينبذها،
ومنهم من يتجرد عن برده فيلقي به،
ومنهم من لا يتسع حاله لذلك فيسمح بفضلة من الخام،
ومنهم من يدفع القراضة من الذهب،
ومنهم من يمد يده بالدينار والدينارين غير ذلك،
ومن النساء من تطرح خلخالها وتخرج خاتمها فتلقيه،
ما يطول الوصف له من ذلك.
والخطيب في أثناء هذه الحال كلها، جالس على المنبر يلحظ هؤلاء المستجدين المستسعين على الناس بلحظات يكرها الطمع ويعيدها الرغبة والاستزادة، أن كاد الوقت ينقضي، والصلاة تفوت،
وقد ضج من له دين وصحة من الناس، وأعلن بالصياح وهو قاعد ينتظر اشتفاف صبابة الكدية وقد أراق عن وجهه ماء الحياء،
فاجتمع له من ذلك السحت المؤلف كوم عظيم أمامه، فلما أرضاه قام وأكمل الخطبة و-صلى الله عليه وسلم- بالناس. وانصرف أهل التحصيل باكين على الدين، يائسين من فلاح الدنيا متحققين أشراط الآخرة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد!»اهـ.