إيراد الحديث في الكتب المصنفة على الأبواب يعطيه قوة.
اعلم أن إيراد الحديث في الكتب المصنفة على الأبواب يدل على ثبوتها في الجملة، وصلاحيتها للاعتبار على أدنى الأحوال، فإن [أن ظاهر حال من يصنف على الأبواب أنه ادعى أن الحكم فِي المسألة الَّتِي بوب عليها ما بوب به، فيحتاج إلَى مستدل لصحة دعواه، والاستدلال إنَّما ينبغي أن يكون بِما يصلح أن يحتج به (أو يستشهد به).
وأمَّا من يصنف على المسانيد فإن ظاهر قصده جَمع حديث كل صحابِي على حدة، سواء أكان يصلح للاحتجاج به أم لا.
وهذا هو ظاهر من أصل الوضع بلا شك؛
لكن جَماعة من المصنفين فِي كل من الصنفين خالف أصل موضوعه فانْحط أو ارتفع؛ فإن بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة إمَّا لذهول عن ضعفها، وإمَّا لقلة معرفة بالنقد] (من كلام ابن حجر فِي النكت على ابن الصلاح (1/ 446 - 447)، وانظر: مقدمة تعجيل المنفعة (ص: 3).).
بل قال الحاكم النيسابوري -رحمه الله- في كتابه المدخل إلى كتاب الإكليل (ص: 30 - 31): «الفرق بين الأبواب والتراجم:
- أن التراجم شرطها أن يقول المصنف: ذكر ما روي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يترجم على هذا المسند، فيقول ذكر ماروى قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فيلزمه أن يخرج كل ما روى قيس عن أبي بكر صحيحاً كان أو سقيماً،
- فأما مصنف الأبواب فإنه يقول: ذكر ما صح وثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أبواب الطهارة، أو الصلاة أو غير ذلك من العبادات»اهـ.
- أن التراجم شرطها أن يقول المصنف: ذكر ما روي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يترجم على هذا المسند، فيقول ذكر ماروى قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فيلزمه أن يخرج كل ما روى قيس عن أبي بكر صحيحاً كان أو سقيماً،
- فأما مصنف الأبواب فإنه يقول: ذكر ما صح وثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أبواب الطهارة، أو الصلاة أو غير ذلك من العبادات»اهـ.
ونبه الحافظ ابن حجر -رحِمه الله- إلى أن: «بعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابِي فأخرج أصح ما وجد من حديثه، كما رُوِّينا عن إسحاق بن راهويه أنه انتقى فِي مسنده أصح ما وجده من حديث كل صحابِي، إلا أن لا يجد ذلك المتن إلا من تلك الطريق، فإنه يُخرجه. ونَحَا بقي بن مخلد فِي مسنده نَحو ذلك، وكذا صنع أبو بكر البزار قريبًا من ذلك.
وقد صرَّح ببعض ذلك فِي عدة مواضع من مسنده فيخرج الإسناد الذي فيه مقال ويذكر علته، ويعتذر عند تَخريْجه بأنه لَمْ يعرفه إلا من ذلك الوجه.
وأمَّا الإمام أحمد؛ فقد صنف أبو موسى المدينِي جزءًا كبيرًا ذكر فيه أدلة كثيرة تقتضي أن أحمد انتقى مسنده، وأنه كله صحيح عنده، وأن ما أخرجه فيه عن الضعفاء إنَّما هو فِي المتابعات؛ وإن كان أبو موسى قد ينازع فِي بعض ذلك، لكنه لا يشك منصف أن مسنده أنقى أحاديث وأتقن رجالاً من غيره، وهذا يدل على أنه انتخبه.
ويؤيد هذا: ما يحكيه ابنه عنه أنه كان يضرب على بعض الأحاديث الَّتِي يستنكرها.
وروى أبو موسى فِي هذا الكتاب من طريق حنبل بن إسحاق قال: وجمعنا أحمد وابناه عبد الله وصالِح، وقال: انتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخَمسين ألفًا، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فارجعوا إليه، فإن وجدتموه وإلا فليس بِحجة». (النكت 1/450).
تنبيه:
تعقب الحافظ العراقي فِي (التقييد والإيضاح)، (ص: 57).) ما نقل في وصف المسند، بقوله: «هذا ليس صريْحًا فِي أن جميع ما فيه حجة، بل فيه أنَّ ما ليس فِي كتابه ليس بِحجة، على أن ثَمَّ أحاديث صحيحة مُخرجة فِي الصحيح وليست فِي مسند أحمد منها حديث عائشة فِي قصة أم زرع»اهـ.
ونقل ابن حجر -رحِمه الله- فِي النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 450) عن بعضهم جوابًا على كلام العراقي فقال: «أجاب بعضهم عن هذا بأن الأحاديث الصحيحة الَّتِي خلا عنها المسند لابد أن يكون لَها فيه أصول، أو نظائر أو شواهد، أو ما يقوم مقامها. قلت (ابن حجر): فعلى هذا إنَّما يتم النقض إن لو وجد حديث مَحكوم بصحته سالِم من التعليل ليس هو فِي المسند وإلا فلا، والله أعلم»اهـ.