إعارة الكتب
قال عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي، أبو سعد (المتوفى: 562هـ) رحمه الله في أدب الإملاء والاستملاء( ) : "وَإِنْ فَاتَ لِبَعْضِ الطَّلَبَةِ شَيْءٌ مِنَ الْمَجْلِسِ فَيُعِيرُهُ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ كِتَابَهُ حَتَّى يَنْسَخَهُ مِنْهُ وَيَغْتَنِمَ الثَّوَابَ فِي ذَلِكَ؛
قال حُسَيْنُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ : سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ: أَوَّلُ بَرَكَةِ الْحَدِيثِ إِعَارَةُ الْكُتُبِ .
قال مُحَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ: أَوَّلُ بَرَكَةِ الْعِلْمِ إِعَارَةُ الْكُتُبِ.
وقال أَحْمَد بْنَ يَحْيَى بْنِ زَيْدٍ : أَتَى أَبَا الْعَتَاهِيَةِ بَعْضَ إِخْوَانِهِ فَقَالَ لَهُ: أَعِرْنِي دَفْتَرَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ ذَاكَ فَقَالَ لَهُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْمَكَارِمَ مَوْصُولَةٌ بِالْمَكَارِهِ فَدَفَعَ إِلَيْهِ الدَّفْتَرَ.
... ... ...
قال أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الشُّعَيْبِيُّ مِنْ أَهْلِ جَنْزَةَ لِنَفْسِهِ:
لَا تَمْنَعَنَّ الأَهْلَ كُتْبَكَ وَاغْتَنِمْ ... فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ تُعِيرَ كِتَابًا
فَمُعِيرُهَـا كَمُعِيرِ مَـاعُونٍ فَمَنْ... يَمْنَعُهُ لاقَى الْوَيْلَ وَالأَنْصَابَا
وَإِذَا أَعَارَهُ فَلا يَحْبِسُهُ عَنْهُ وَيَرُدُّهُ عَاجِلا؛
عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ: يَا يُونُسُ إِيَّاكَ وَغَلُولِ الْكُتُبِ! قَالَ: قُلْتُ: وَمَا غَلُولُ الْكُتُبِ؟ قَالَ: حَبْسُهَا عَنْ أَصْحَابِنَا.
... ... ...
أَنْشَدَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ السُّوَيْدِيُّ مِنْ أَهْلِ آذَرْبِيجَانَ لِنَفْسِهِ مِنْ لَفْظِهِ :
أَعِرْ صَدِيقَكَ مَا حَصَّلْتَ مِنْ كُتُبٍ ...تَفُزْ بِشُكْرِ أَرِيجِ النَّشْرِ عَنْ كَثَبِ
فَإِنْ أَعَــارُوكَ فَارْدُدْهَا عَلَى عَجَلٍ ... حَتَّى تُعَارَ بِلا مَنْعٍ وَلا نَصَبِِ
قال أَبو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدَ الْغَفَّارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقَزْوِينِيُّ بِحُلْوَانَ : حَبَسَ رَجُلٌ عَلَى الْحَمْدُونِيِّ كُتُبًا اسْتَعَارَهَا مِنْهُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
مَا بَالُ كُتْبِي فِي يَدَيْكَ رَهِينَةٌ ... حُبِسَتْ عَلَى كَرِّ الزَّمَانِ الأَوَّلِ
فَأْذَنْ لَهَا فِي الانْصِرَافِ فَإِنَّهَا... كَنْزٌ عَلَيْهِ إِذَا افْتَقَرْتُ مُعَوَّلِي
وَلَقَدْ تَعِنَتْ حِينَ طَالَ مُقَامُهَا ... طَالَ الثَّوَاءُ عَلَى رَسُومِ الْمَنْزِلِ
وَلأَجْلِ حَبْسِ الْكُتُبِ الْمُسْتَعَارَةِ امْتَنَعَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ إِعَارَتِهَا
عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ قَالَ: لَا تَأْمَنَنَّ قَارِئًا عَلَى دَفْتَرٍ وَلا حَمَّالا عَلَى حَبْلٍ.
قال عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: لَا تُعِرْ أَحَدًا كِتَابًا.
... ... ...
أَنْشَدَ الأَمِيرُ أَبُو سَعْدٍ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَاصِمِيُّ لِنَفْسِهِ:
لَا تَسْتَعِرْ شَيْئَيْنِ مِنِّي صَاحِ...وَسِوَاهُمَا فَاطْلُبْ تَفُزْ بِنَجَاحِ
أَمَّا الْكِتَابُ فَإِنَّهُ لِي مُؤْنِسٌ ... وَإِعَارَةُ الْمَرْكُوبِ فَهُوَ جَنَاحِي
أَنْشَدَنِي أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَرَّانِيُّ إِمْلاءً بِنَوَاحِي النُّعْمَانِيَّةُ عَلَى الْفُرَاتِ لِبَعْضِهِمْ
لَا تُعِيرَنَّ دَفْتَرًا لَا بِوَجْهٍ وَ لا سَبَبْ
كَمْ كِتَـــابٍ أَعَرْتُهُ زَعَمُوا أَنَّهُ ذَهَبْ
فَإِذَا مَا طَلَبْتُهُ أَوْجَبَ الصَّدَّ وَالْغَضَبْ
وَبَعْضُهُمُ اسْتَحْسَنَ أَخْذَ الرُّهُونِ عَلَيْهَا مِنَ الأَصْدَقِاءِ، وَقَالُوا الأَشْعَارَ فِي ذَلِكَ.
قال إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ثَنَا السَّكَنُ قَالَ: طَلَبْتُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْمُونٍ الصَّائِغُ كِتَابًا فَقَالَ: هَاتِ رَهْنًا قَالَ: فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ مُصْحَفًا رَهْنًا.
أَنْشَدَ مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ قَالَ :
أَعِرِ الدَّفْتَرَ لِلصَّاحِبِ بِالرَّهْنِ الْوَثِيقِ... إِنَّهُ لَيْسَ قَبِيحًا أَخْذُ رَهْنٍ مِنْ صَدِيقِ
... ... ...
أَنْشَدَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَنْزِيُّ لِنَفْسِهِ كَتَبْتُ عَنْهُ بِسَرْخَسَ:
إِذَا مَا أَعَرْتَ كِتَابًا فَخُذْ ... عَلَى ذَاكَ رَهْنًا وَخَلِّ الْحَيَاءَ
فَإِنَّكَ لَمْ تَتَّهِمْ مُسْتَعِيرًا... وَلَكِنْ لِتَذْكُرَ مِنْهُ الأَدَاءَ"اهـ
بتصرف واختصار