في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ (آل عمران:182)، ومثلها في سورة (الأنفال:51)، وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ (الحج:10)، وقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾، (فصلت: 46)، وقوله تعالى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ (ق:29)، في جميع هذه المواضع جاء نفي الظلم عنه سبحانه وتعالى بصيغة (فعّال)، ﴿بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، والسؤال : نفي المبالغة لا ينفي أصل الفعل، فلم قال: ﴿بظلام﴾ ولم يقل: "بظالم"، والمقام مقام تنْزِيه، ونفي الأدنى أبلغ مِنْ نَفْيِ الأَعْلَى، فلِمَ عُبّر هنا بصيغة المبالغة ولَم يقل: ليس بظالم. أَو ليس بذي ظلم للعبيد؟
والجواب : من وجوه :
الوجه الأول: جرت العادة في القرآن أن بعض الآيات قد يكون فيها شبه إجمال وتبينه آيات أُخر، وقد أوضحت آيات أخر أن الله لا يظلم شيئاً، كقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ (النساء: الآية 40)، ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (يونس: الآية 44) فالآيات الواضحات بينت هذا وأوضحته غاية الإيضاح.
الوجه الثاني: أن المبالغة هنا لا يقصد بها أصل المبالغة؛ لأن التكثير نظراً إلى كثرة العبيد؛ لأن الظّلم لمّا تَعَلَّقَ بالعبيد وكان العبيد في كثرة هائلة كان الظلم كثيراً جدّاً لكثرة من هو منفي عنهم؛ ولذا كان نفيه نفيه من أصله؛ لأن الكثرة فيه والمبالغة بحسب العبيد الذين يقع عليهم الظلم.
الوجه الثالث : أن هذا العذاب الذي يعذبهم الله به هو عذاب فظيع هائل لا يُقَادر قدره ولا يُماثل مثله، فلو وقع منه ظلماً لكان مبالغاً في غاية الظلم مبالغة عظيمة، فنفى المبالغة بهذا الاعتبار، ومعناها نفي الفعل من أصله.
الوجه الرابع : أنه إذا نفي الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ضرورة. لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر، كان للظلم القليل المنفعة أترك.
الوجه الخامس : أن صيغة (فعّال) جاءت بدون إرادة الكثرة، وقد يراد بها النسب من قبيل (بزّاز) و (عطّار) لا للمبالغة، والمعنى لا ينسب إلى الظلم.
انظر تفسير القاسمي = محاسن التأويل (2/ 470)، العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (5/ 117 - 118).
.