لفت نظري:
أن بعض الناس ينكر دخول الجني في بدن الإنسي، لأنه لم يجد على ذلك دليلاً من القرآن العظيم أو السنة النبوية الصحيحة؛ وهذا الذي قاله هؤلاء فيه نظر لأمور؛
الأمر الأول : ليس من أصول الفقه عدم التفريق بين الشرعيات والعاديات، بل الصحيح التفريق بينهما ؛ فالأولى لا تثبت إلا بدليل من القرآن أو السنة أو الإجماع أو القياس، لأن الأصل فيها أنها توقيف. وأمّا العاديات فيكفي فيها أن لا تخالف الشرع، لأن الأصل فيها الجواز والإباحة، بشرط أن لا يأتي في الشرع ما يدفعها ويخالفها.
الأمر الثاني : أن قضية دخول الجني في الإنسي ليست مسألة شرعية يطلب فيها الحكم الشرعي حتى تحتاج إلى دليل من القرآن أو السنة أو الإجماع أو القياس، بل هي من العاديات التي الأصل فيها الجواز و لا تحتاج إلا إلى تقرير أنها لا تخالف الشرع.
فمثلا لا نحتاج إلى دليل شرعي من الكتاب والسنة، لإثبات جواز دخول الميكروبات والفيروسات إلى جسد الإنسان، فإنه إذا تقرر بحسب كلام أهل الاختصاص أن هذا حاصل وأن لديهم من الأدلة ما يثبت ذلك ، وليس فيه ما يخالف الشرع قبلناه واكتفينا بذلك، و لا نحتاج إلى دليل من القرآن أو السنة في إثبات ذلك.
وكذا إذا جئنا إلى أمور العلاج بالرقية أو العلاجات الطبية فلا نحتاج إلى دليل من القرآن العظيم والسنة النبوية، أن هذه الرقية تنفع في كذا، يكفي أنها جربت فنفعت بشرط أن لا تكون مخالفة للشرع.
لأنها من العاديات وليست من الشرعيات.
وكذا مسألة دخول الجني في الإنسي هي من هذا القبيل، لا يطلب لها الدليل من القرآن العظيم أو من السنة، إذا أثبتها الناس واشتهرت وأقروها، فإن ذلك يكفي في ثبوتها، خاصة وأنه لم يرد في الشرع ما ينفيها؛ ولذلك تجد العلماء يشيرون إلى أنه ورد عن السلف التصريح بدخول الجني في الإنسي، وكذا حال الناس في كل عصر حوادث متكررة مشهودة بذلك، وهذا كاف في إثباتها، خاصة وقد ثبت في الشرع إيذاء الجني للإنسي بالمس، وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق.
فطلب الدليل من القرآن العظيم والسنة المطهرة في العاديات هو من التكلف!