السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 22 أبريل 2015

كشكول ٨٦٠: إلى دعاة التغيير...



إلى دعاة التغيير...
التغيير سنة كونية مرتبطة بحال النفس.
يقول الله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}. (الرعد: 11).
والتغيير سنة كونية تحدث في كل شيء؛ فسبحان الذي يغير ولا يتغير!
حتى الدين عرضة للتغيير إذا بعد الناس عن السنة والاهتداء بها؛ فيبعث الله من يجدده؛
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»( أخرجه أبو داود فِي كتاب الْمَلاحم, باب: مَا جَاءَ فِي قرن الْمِائة، حديث رقم: (4291).).
والْمُرَاد مِنْ التَّجْدِيد -كما بيَّنه فِي عون الْمَعبُود-: إِحْيَاء مَا اِنْدَرَسَ مِنَ الْعَمَل بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة، وَالأَمْر بِمُقْتَضَاهُمَا، وَإِمَاتَة مَا ظَهَرَ مِنْ الْبِدَع وَالْمُحْدَثَات.
ويطالب بالتغيير بعض الناس؛ وليس كل من يطلب التغيير محق؛ فقد قص الله -جل وعلا- قصة القرية التي بارك فيها، وكان أهلها يسيرون ليالي وأياما آمنين فطلبوا التغيير إلى المباعدة بين الأسفار!
قال الله -تبارك وتعالى- في سورة سبأ : {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (18)  فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ(20)}.
هل رأيت؟!
وقص الله علينا قصة بني إسرائيل، لما طالبوا بتغيير نعمة الله عليهم من المن والسلوى قال -جل وعلا- : {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}. (البقرة: 61).
وهذا فيه بيان أنه ليست كل مطالبة بالتغيير حق!
وفيه بيان أن المطالبة بالتغيير ينبغي أن تكون إلى الذي هو خير.
وقص الله -جل وعلا-، قصة قرية رفضت التغيير إلى الحق الذي أرسل به المرسلون، قال -جل وعلا-:  {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}. (النحل: 112).
وقال -جل وعلا- في سورة سبأ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ(17)}.
وفي ذلك بيان أن التغيير إلى الحق والاهتداء بهدى الله هو الصحيح، وهو الخير!
وبعض الناس نظرتهم محدودة الأفق؛
فهو يطالب بالتغيير ويسعى إليه، ولكن ما هي حدوده؟
تعجب إذا سمعت مطالباتهم بالتغيير؛
المطالبة بالتغيير من أجل الوصول إلى كرسي الحكم.
المطالبة به من أجل تغيير النظام الحاكم.
المطالبة به من أجل الحياة الدنيا... لتغيير أوضاع اقتصادية أو صحية أو حضارية أو نحو ذلك!
والمسلم يعلم أن التغيير سنة كونية!
ويعلم أن التغيير ينبغي أن يكون إلى الذي هو خير!
ويؤمن بأن الخير خير الآخرة.
فالدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم!
فكل شيء في الدنيا يبعد عن الله إلا هذه المذكورات!
فهو يتخذ الدنيا معبراً إلى الآخرة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ»(( ) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»، حديث رقم: (6416).).
وليس معنى ذلك أن ينسى نصيبه منها، فهو فيها كمن يستظل بظل شجرة.
{وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ}. (القصص: 77).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا لِي وَلِلدُّنْيَا إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَاٍٍ». (أخرجه أحمد ((7/ 259)، (الرسالة تحت رقم: 4208).).
حتى المساجد بيوت الله نهينا عن زخرفتها وتشييدها، ولذا لما بنى الرسول -صلى الله عليه وسلم- مسجده كان يقول: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة»، تذكيراً بحقيقة الدنيا، وأن ليست هم المسلم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى المَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ، وَيُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ: «يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا»، قَالُوا: «لاَ وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ»، فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ قُبُورُ المُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ وَفِيهِ نَخْلٌ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ، فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُمْ، وَهُوَ يَقُولُ: 
«اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ»( أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، بَابٌ: هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مَسَاجِدَ، حديث رقم: (418)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب ابتناء مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- رقم: (524).).
والمسلم لا يغره ما بلغ إليه الكافرون في الدنيا؛ فهو متاع زائل.
قال -جل وعلا-: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ} (آل عمران: 196 – 198).
ومن هذه النظرة التي علمنا إياها ديننا جاءت أمور؛
- أن لا نسعى للتغيير بإثارة الفوضى والاضطرابات والاعتصامات؛ لأن التغيير يبدأ من النفس.
- أن التغيير ينبغي أن يكون للذي هو خير، وما خفي علينا حاله نظرنا في مآله.
- أن لزوم الجماعة والسمع والطاعة في المعروف، والصبر على أئمة الجور خير من السعي إلى تغيير يسبب إراقة الدماء أو الفوضى العارمة أو الاضطراب الاجتماعي.
- أن الدعوة إلى التغيير ليست دائمًا إلى حق وهدى وخير.
- أن التغيير إلى الحق والهدى والخير بالرجوع إلى الدين ولزوم سنته -صلى الله عليه وسلم-.