(15 – 16) الوصف المذكور في الآية أو الحديث في سياق الحكم الأصل اعتباره فيه، فله مفهوم مخالفة، خص منه الوصف إذا جاء في ستة مواضع:
أولاً: إذا خرج مخرج الغالب.
ثانياً: إذا خرج حكاية للواقع.
مثال إذا خرج مخرج الغالب: قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} (النساء: الآية23) فقالوا: الوصف خرج مخرج الغالب، فالربيبة سواء كانت في حجرك أو لم تكن في حجرك فإنها تحرم عليك بمجرد الدخول على أمها، ولذلك أدار الحكم على الدخول وعدمه في تمام الآية: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُم} (النساء: 23) وهذا المثال يصلح حكاية للواقع؛ لأن الصحابة سألوا عن الربائب وهن في حجورهم.
ثالثاً: إذا كان الحكم في غير محل الوصف أولى من الوصف. مثاله: قياس الأولى، فإذا تحقق الحكم خارج الوصف أولى من محل الوصف، فلا يكون للوصف مفهوم مخالفة، فيكون الوصف هنا ملغي، كما في قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} (الاسراء: من الآية23)، فلا يقال: يجوز ضرب الوالدين؛ لأنه ليس قول: (أف)، لأن النهي عن ضربهما أولى من النهي عن قول: (أف) لهما.
رابعاً: إذا كان جواباً لسائل. مثاله: كما في الحديث: «من صلى صلاتنا هذه - يعني صلاة الفجر في المزدلفة - ووقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجة»، لا يأتي واحد يقول: هذا فيه شرطية صلاة الفجر في مزدلفة، فمن فاتته لم يتم حجه. نقول: لا؛ لأن هذا الكلام من الرسول -صلى الله عليه وسلم- خرج جواباً لسؤال سائل سأله. مثال آخر: لما سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مياه الحياض التي تكون في البراري، وهي غالباً تكون قلتين أو أكثر، فقال: «إن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجسه شيء» ذكر القلتين خرج جواباً لسؤال السائل؛ لأنه ذكر الحياض، فلا مفهوم له في الحديث، فقالوا: ما خرج محاكاة لسؤال السائل لا مفهوم له من القيود، إنما يراد به مطابقة لسؤال السائل لا عليه الحكم.
خامساً: إذا جاء الوصف في الكلام لخوف. مثاله: إذا جاء الوصف لخوف كأن يكون رجل أسلم الآن فقال: أعط هذه الصدقة لفقراء مسلمين، قال العلماء: هو قال: (مسلمين) خوفاً من أن يظن المتكلم أنه لا زال يحب ويوالي الكفار والأصل أن الصدقة غير المفروضة يجوز إعطاؤها للكفار كما يجوز إعطاؤها للمسلمين إذا كانوا فقراء، فهو لم يقل (مسلمين) إلا خوفاً من أن يتهم.
سادساً: إذا جاء الوصف ويجهل المتكلم مفهومه ولم يخطر له على بال. مثاله: تكلم شخص وأتى بوصف في الكلام فقال: (أعط المساكين المشققة ثيابهم صدقة) هو لا يقصد ذلك ولا يعرف أن هذا وصف أو ليس بوصف فهو جاهل . وخامساً وسادساً لا يأتيان في خطاب الشرع.
هذه الأحوال الست التي لا يكون للوصف فيها أي مفهوم مخالفة، ويعبر عن الوصف فيها بأنه (وصف كاشف).