دردشة ... مع أبي عثمان العنجري سلمه الله.
جلست في المختصر مع فضيلة الشيخ أبي عثمان محمد العنجري حفظه الله، وكان مما تكلم به معي أنه قال: نحن نحتاج إلى عالم يعايش الناس، ليست القضية يا شيخ محمد مجرد أن تلقي الدرس، وتدخل بيتك وتغلق الباب عليك، لم يكن هذا حال الرسول صلى الله عليه وسلم، لابد من معايشة أمور الناس، والطلاب، ومن خلال هذه المعايشة تأتي الأسئلة ويأتي البيان.
أما هذا الوضع فإنه بعيد عن المعايشة التي كان عليها الرسول صلى الله عليه وسلم.
كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ الأمة الرسالة؟
وهذا الكلام من أبي عثمان حفظه الله أريد أن أقعده وأشرحه: فأقول:
كان للرسول صلى الله عليه وسلم مجلسه في المسجد، وله كتبة يكتبون الوحي، ويقصد مجلسه صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم ليتعلمون منه الدين.
وفي صحيح البخاري في كتاب العلم بَابُ التَّنَاوُبِ فِي العِلْمِ، تحت رقم (89) بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ".
فكان يتناوب مع جاره في حضور مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم .
لكن هل هذا كل شيء ؟
الواقع أن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم كان مجلس علم، ومجلس حكم، ومجلس قضاء ، ومجلس مشورة، ومجلس حرب إذا لزم الأمر؛
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان مجلسه فيه معايشة للصحابة في حياتهم، ففي وقت إقراء للقرآن، وفي وقت أسئلة في العلم، وفي وقت حكم في حد ، وهكذا ...
في صحيح البخاري في كتاب الأطعمة باب أكل الجمار، حديث رقم (5444 ) بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ إِذَا أُتِيَ بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسْلِمِ» فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يَعْنِي النَّخْلَةَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ التَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ فَسَكَتُّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ النَّخْلَةُ»
الشاهد : أن هذه القصة في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا جانب من معايشة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وحديث جبريل الطويل كان في مجلسه صلى الله عليه وسلم.
وحديث المسيء الصلاة وتعليمه الصلاة كان في مجلسه صلى الله عليه وسلم في المسجد.
وفي صحيح البخاري في كتاب الحدود، بَابُ مَنْ أَمَرَ غَيْرَ الإِمَامِ بِإِقَامَةِ الحَدِّ غَائِبًا عَنْهُ، حديث رقم (6835 ) بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِكِتَابِ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا ... الحديث .
فهذه كله في مجلسه صلى الله عليه وسلم.
والمقصود أن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن فقط في درس يقرأ متنا ويشرحه، بل كان فيه معايشة لواقع الناس وحياتهم، ومن خلال هذه المعايشة يأتي البيان والتشريع منه صلى الله عليه وسلم للأمة!
وهذه القضية كما يقول أبو عثمان العنجري سلمه الله قضية مهمة .
وسادات العلماء اليوم هم الذين في مجالسهم هذه المعايشة ؛
فيذكر هذا عن مجلس ابن إبراهيم رحمه الله
ومجلس ابن باز رحمه الله.
وغيرهم رحم الله الأموات وغفر لهم، وحفظ الأحياء بصحة وعافية وسلامة.