البارحة مساء السبت 14 / 5 / 1438هـ، كنت في صحبة فضيلة الشيخ أبي عثمان محمد العنجري، ومعه مجموعة من المشايخ وطلاب العلم، من الكويت، ومعهم فضيلة الشيخ عادل منصور، وفضيلة الشيخ خالد عبد الرحمن، وفضيلة الشيخ أحمد بازمول، وفضيلة الشيخ عبد اللطيف بن أحمد مصطفى الكردي، في آخرين.
وكانت جلسة حافلة بالمسائل العلمية، والدعوية، والمرح البريء.
واطلعني الشيخ أبو عثمان العنجري حفظه الله، على كتاب باللغة الانجليزية بعنوان (ترامب هل هو وحش أو بطل).
وأقام الكتاب على رصد حقائق اقتصادية بالأرقام الموثقة، فلفت الأنظار إلى أمور عجيبة وخطيرة.
ثم أهداني نسخة من كتابه ووعد أنه إذا تمت الترجمة بالعربية سأتحصل على نسخة بالعربية.
وطرحت أثناء الجلسة جملة من القضايا، أذكر منها :
- تقرير أهمية احترام أهل العلم، وتقديرهم وحفظ حقهم، مع اجتناب تقديس الأشياخ، إلى درجة تجعل لكلام الشيوخ كما الكهنوت، فإن العالم لا يحتج بكلامه إنما يحتج له.
- تقرير أن من مسؤولية العالم تنبيه الطلاب دائماً إلى التفريق بين المسائل الاجتهادية التي ليس فيها دليل يلزم اتباعه، وبين غيرها ، وعدم الزام الطالب بالأخذ باجتهاد العالم فيها.
وذكر في هذا الصدد كلمة المزني في أول مختصره لكتاب الأم حيث قال: "اخْتَصَرْت هَذَا الْكِتَابَ مِنْ عِلْمِ مُحَمَّدِ بْنِ إدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ لِأُقَرِّبَهُ عَلَى مَنْ أَرَادَهُ مَعَ إعْلَامِهِ نَهْيَهُ عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ لِيَنْظُرَ فِيهِ لِدِينِهِ وَيَحْتَاطَ فِيهِ لِنَفْسِهِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ"اهـ
- التنبيه على أنه قد يقع من العالم بالجرح إطلاق عبارات توهم الجرح وهو لا يريده؛
= قول بعضهم عن الصحابي الأعرابي الذي لا تعرف له رواية : "مجهول"؛
ففي ترجمة (مدلاج بن عمرو السلمي)، من لسان الميزان (8/ 23): "عن الرماني ويقال: الزماري. لا يدرى من هو. انتهى.
وهذا صحابي ذكره ابنُ حِبَّان، وَغيره في الصحابة , زاد ابن حبان: حليف بني عبد شمس , مات سنة خمسين.
وقال ابن سعد: شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها , وذكر وفاته كما تقدم.
والمصنف رحمه الله تبع ابن الجوزي في ذكره في الضعفاء لكن صنيع ابن الجوزي أخف فإنه قال: قال أبو حاتم: مجهول , وكذا هو في كتاب ابن أبي حاتم لكنه عده من جملة الصحابة في الأفراد من حرف الميم.
وكذا يصنع أبو حاتم في جماعة من الصحابة يطلق عليهم اسم الجهالة لا يريد بها جهالة العدالة وإنما يريد أنه من الأعراب الذين لم يرو عنهم أئمة التابعين"اهـ
=ومن ذلك لفظ : "كذب فلان"؛ . فقد يطلقها المحدث ويريد أخطأ، ومن ذلك في البخاري تحت رقم (122)، من طريق سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: إن نوفا البكالي يزعم أن موسى ليس بموسى بني إسرائيل، إنما هو موسى آخر؟ فقال: كذب عدو الله... .
وفيه تحت رقم (1002)، من طريق عاصم، قال: سألت أنس بن مالك عن القنوت، فقال: قد كان القنوت قلت: قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، قال: فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع، فقال: «كذب إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا، ... ".
وقال ابن حبان في الثقات (6/ 114) في ترجمة برد مولى سعيد بن الْمسيب الْقرشِي من أهل الْمَدِينَة قال: "يروي عَن سعيد بن الْمسيب روى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة كَانَ يخطىء وَأهل الْحجاز يسمون الْخَطَأ كذبا"اهـ وكذا في فتح الباري - ابن حجر (1/ 294): "وأهل الحجاز يطلقون لفظ كذب في موضع أخطأ"اهـ
ومنه ما جاء في صحيح البخاري حديث رقم (5684)، عن أبي سعيد: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال: «اسقه عسلا» ثم أتى الثانية، فقال: «اسقه عسلا» ثم أتاه الثالثة فقال: «اسقه عسلا» ثم أتاه فقال: قد فعلت؟ فقال: «صدق الله، وكذب بطن أخيك، اسقه عسلا» فسقاه فبرأ.
=ومن ذلك لفظ : "فلان يسرق الحديث" ؛ فقد نبه في قواعد في علوم الحديث ص418.إلى أنه قد يقع وصف الراوي بسرقة الحديث لمجرد أنه أبدل ـ غلطاً ووهماً ـ راوياً مشهوراً بحديث براوٍ آخر في طبقته، فهنا الوصف بالسرقة غير مطابق على الاصطلاح الذي ذكره ابن دقيق العيد والذهبي والسخاوي؛ لأنه وقع الإبدال وهماً لا عمداً، فينتج بناء على هذه المغايرة في استعمال المصطلح: نوع إبهام في الجرح بالسرقة في كلام أئمة الجرح و التعديل لا بد من السعي لكشفه قبل الحكم على الراوي بأنه كان يتعمد سرقة الحديث، وهي تساوي متروك الحديث، وقريبة إن لم تكن في درجة الوصف بوضع الحديث، كما تراه في كلام السبط بن العجمي (ت841هـ) رحمه الله!
وفي الرواة 1ـ عبدالملك بن الصباح الصنعاني، من رجال البخاري (ت256هـ) و مسلم (ت261هـ) رحمهما الله، قال الخليلي (446هـ) رحمه الله: "روى عن مالك (ت179هـ) ويتهم بسرقة الأحاديث"اهـ(الإرشاد في معرفة علماء الحديث (1/280)). قال ابن حجر (ت852هـ) رحمه الله في ترجمة عبدالملك هذا، متعقباً كلمة الخليلي: "هذا جرح مبهم، ولم أر له في البخاري (ت256هـ) سوى حديث واحد"اهـ(هدي الساري ص421). وقال أيضاً: "كذا قال؛ ولم أر في الرواة عن مالك (ت179هـ) للخطيب (ت463هـ) و لا الدارقطني (ت385هـ) أحداً يقال له عبدالملك بن الصباح فإن كان محفوظاً فهو غير المسمعي"اهـ(تهذيب التهذيب (6/399).). قلت: المهم أنه وصف الجرح بسرقة الحديث بكونه: جرحاً مبهماً!
2ـ قطن بن نسير أبوعباد الغبري.م.د.ت.كان أبوزرعة الرازي (ت264هـ) يحمل عليه.
قال ابن عدي (ت365هـ) رحمه الله: "يسرق الحديث ويوصله"اهـ قال في التقريب: "صدوق يخطئ". قلت : فهذا لعله كان يخطئ و لا يتعمد فظُن أنه يتعمد فوصف بالسرقة، أو أنهم ما كانوا يفرِّقون بين مصطلح (القلب) و (السرقة) بالتعمد وعدمه!
- وتقرير أن السلفية ليست مسألة، من وافقها صار سلفيا، ومن خالفها خرج عن السلفية.
- وتقرير أن مسائل الجرح والتعديل لم يضبطها بعض الأخوة الذين يتكلمون في هذا الباب، على طريقة أهل الحديث.
- ودار في الجلسة كلام عن النظم البلاغي، بمناسبة المنشور على صفحتي في الفيس.
وبالله التوفيق.