السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

علمني ديني ٣٥: أن الدين يسر



علمني ديني: أن الدين يسر.

ومعنى هذا: أن ما ثبت أنه من الدين، فهو يسر.

فلا يصح أن نتخير من أقوال العلماء أيسرها ونقول: «الدين يسر»؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقل: اليسر دين، أو الأيسر من كلام العلماء هو الدين، إنما قال: «الدين يسر». فما ثبت أنه دين فهو يسر.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ، وَالرَّوْحَةِ، وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ». (أخرجه البخاري في (كتاب الإيمان)، باب: الدين يسر، حديث رقم (٣٩)، ومسلم في (كتاب صفة القيامة، والجنة والنار)، باب: «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ بَلْ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى»، حديث رقم ( ٢٨١٦).).

«وَالْمُشَادَّة بِالتَّشْدِيدِ: الْمُغَالَبَة، يُقَالُ: شَادَّهُ يُشَادُّهُ مُشَادَّة إِذَا قَاوَاهُ. وَالْمَعْنَى لَا يَتَعَمَّق أَحَد فِي الْأَعْمَال الدِّينِيَّة وَيَتْرُك الرِّفْق، إِلَّا عَجَزَ، وَانْقَطَعَ؛ فَيُغْلَب.

قَوْله: «فَسَدِّدُوا»، أَيْ: اِلْزَمُوا السَّدَاد: وَهُوَ الصَّوَاب، مِنْ غَيْر إِفْرَاط، وَلَا تَفْرِيط. قَالَ أَهْل اللُّغَة: السَّدَاد: التَّوَسُّط فِي الْعَمَل.

قَوْله: «وَقَارِبُوا»، أَيْ: إِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوا الْأَخْذ بِالْأَكْمَلِ، فَاعْمَلُوا بِمَا يُقَرِّب مِنْهُ.

قَوْله: «وَأَبْشِرُوا»، أَيْ: بِالثَّوَابِ عَلَى الْعَمَل الدَّائِم وَإِنْ قَلَّ، وَالْمُرَاد: تَبْشِير مَنْ عَجَزَ عَنِ الْعَمَل بِالْأَكْمَلِ، بِأَنَّ الْعَجْز إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ صَنِيعه، لَا يَسْتَلْزِم نَقْص أَجْره، وَأَبْهَمَ الْمُبَشَّر بِهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَتَفْخِيمًا.

قَوْله: «وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ»، أَي: اِسْتَعِينُوا عَلَى مُدَاوَمَة الْعِبَادَة بِإِيقَاعِهَا فِي الْأَوْقَات الْمُنَشِّطَة. وَالْغَدْوَة بِالْفَتْحِ: سَيْرُ أَوَّل النَّهَار. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: «مَا بَيْن صَلَاة الْغَدَاة، وَطُلُوع الشَّمْس». وَالرَّوْحَة بِالْفَتْحِ: السَّيْرُ بَعْد الزَّوَال. وَالدُّلْجَة بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْحه وَإِسْكَان اللَّام: سَيْرُ آخِر اللَّيْل. وَقِيلَ: سَيْر اللَّيْل كُلِّه. وَلِهَذَا عَبَّرَ فِيهِ بِالتَّبْعِيضِ؛ وَلِأَنَّ عَمَل اللَّيْل أَشَقُّ مِنْ عَمَل النَّهَار.

وَهَذِهِ الْأَوْقَات أَطْيَب أَوْقَات الْمُسَافِر، وَكَأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - خَاطَبَ مُسَافِرًا إِلَى مَقْصِد فَنَبَّهَهُ عَلَى أَوْقَات نَشَاطه؛ لِأَنَّ الْمُسَافِر إِذَا سَافَرَ اللَّيْل وَالنَّهَار جَمِيعًا، عَجَزَ وَانْقَطَعَ. وَإِذَا تَحَرَّى السَّيْر فِي هَذِهِ الْأَوْقَات الْمُنَشِّطَة أَمْكَنَتْهُ الْمُدَاوَمَة مِنْ غَيْر مَشَقَّة. وَحُسْن هَذِهِ الِاسْتِعَارَة: أَنَّ الدُّنْيَا فِي الْحَقِيقَة دَار نُقْلَة إِلَى الْآخِرَة، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَات بِخُصُوصِهَا أَرْوَح مَا يَكُون فِيهَا الْبَدَن لِلْعِبَادَةِ». (من (فتح الباري، (١/ ٩٤-٩٥)).). 

وفيه: قَالَ اِبْن الْمُنيِّر: «فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة؛ فَقَدْ رَأَيْنَا، وَرَأَى النَّاس قَبْلنَا: أَنَّ كُلّ مُتَنَطِّع فِي الدِّين يَنْقَطِع. وَلَيْسَ الْمُرَاد مَنْع طَلَب الْأَكْمَل فِي الْعِبَادَة؛ فَإِنَّهُ مِنْ الْأُمُور الْمَحْمُودَة، بَلْ مَنْع الْإِفْرَاط الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَلَال، أَوْ الْمُبَالَغَة فِي التَّطَوُّع الْمُفْضِي إِلَى تَرْك الْأَفْضَل، أَوْ إِخْرَاج الْفَرْض عَنْ وَقْته؛ كَمَنْ بَاتَ يُصَلِّي اللَّيْل كُلّه، وَيُغَالِب النَّوْم، إِلَى أَنْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فِي آخِر اللَّيْل؛ فَنَامَ عَنْ صَلَاة الصُّبْح فِي الْجَمَاعَة، أَوْ إِلَى أَنْ خَرَجَ الْوَقْت الْمُخْتَار، أَوْ إِلَى أَنْ طَلَعَتْ الشَّمْس؛ فَخَرَجَ وَقْت الْفَرِيضَة» اهـ.).

والحديث نصٌّ في أن الدين يسرٌ.

و أن الدين قَصْدٌ، وأَخْذٌ بِالْأَمْرِ الْوسَط، فلا يفرط المرء على نفسه، ولا يفرِّط.