من النفائس بحث كتبه أخونا الدكتور خالد بن ضحوي الكويتي -سلمه الله ورعاه- عن عبد العزيز بن عبد السلام -رحمه الله- الملقب بسلطان العلماء. قرأته في موقع سحاب قديمًا، ورأيته على الواتساب؛ فرأيت اتحافكم به.
قال -حفظه الله-:
حقيقة العز بن عبدالسلام وموقف شيخ الإسلام ابن تيمية منه.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
-أما بعد-
فإني لما رأيت كثرة الثناء على العز بن عبدالسلام وذكره في مصاف الأئمة الكبار، كأحمد بن حنبل وغيره، كما فعل سلمان العودة في كتابه عن الإمام أحمد، اضطرني ذلك إلى تبيين عقيدته للناس، وتبيين ما هو منهجه الحقيقي، وهل يستحق هذه المنزلة، وما هو موقفه من أهل السنة في عصره.
والعز بن عبدالسلام قد ترجمه عدد من المؤرخين والكتاب، ومن أوسع من رأيت ترجم له هو السبكي في طبقات الشافعية، وما ذلك إلا لأنه يعتبره من أئمة الأشاعرة وممن كانت له صولة وجولة ضد أهل السنة، والسبكي معروف موقفه العدائي من أهل السنة، وخاصة ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله تعالى-.
وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- على العز بن عبد السلام، وناقشه في بعض ما جاء في عقيدته التي نقلها السبكي في طبقاته من اتهام لأهل السنة بالحشو والتشبيه [مجموع الفتاوى (4/144-164)].
وفي ثنايا رده على العز وصفه شيخ الإسلام ابن تيمية بعدة أوصاف منها:
(1) قلة خبرة العز بن عبدالسلام بمقالات الناس من أهل السنة والبدعة. (4/153).
(2) أن كثيراً من أصحاب العز بن عبدالسلام يصرحون بمخالفة السلف في مثل مسألة الإيمان، ومسألة تأويل الآيات والأحاديث. (4/156).
(3) ووصف العز بن عبدالسلام وأمثاله بأنهم جهمية كلابية. (4/158).
(4) أن العز بن عبدالسلام وأمثاله قد سلكوا مسلك الملاحدة الذين يقولون: إن الرسول لم يبين الحق في باب التوحيد، ولا بين للناس ما هو الأمر عليه في نفسه، بل أظهر للناس خلاف الحق، والحق: إما كتمه، وإما أنه كان غير عالم به. (4/195).
وسأتناول شيئًا من المسائل المؤخوذة على العز بن عبدالسلام وأوضح لكم موقفه من أهل السنة ومدى حربه لهم.
فأقول مستعينًا بالله:
(1) بيان انتساب العز إلى الأشعرية:
يعد العز بن عبدالسلام من كبار أئمة الأشاعرة فهو قد وقف في وجه أهل السنة في مسألة القرآن, ومسألة الحرف والصوت، وذمهم أشد الذم واتهمهم بالتشبيه والتجسيم على طريقة الأشاعرة، بل كان له دور كبير في انقلاب الملك الأشرف إلى المذهب الأشعري بعد أن أعز الله به أهل السنة ونصر به المذهب السلفي، وقد ذكر هذه القصة مفصلة السبكي في طبقاته (8/218-238).
وانتساب العز إلى المذهب الأشعري ظاهر في كتبه وتصنيفاته، فمن ذلك:
1- تقريره بأن القرآن قديم أزلي قائم بذاته، وأن القرآن الذي في المصحف هو دليل على كلام الله، وليس هو كلام الله.
يقول العز في عقيدته المشهورة التي نقلها السبكي في طبقاته: «متكلم بكلام أزلي ليس بحرف ولا صوت… ثم تكلم عن المصحف والمداد… فقال: ويجب احترامها؛ لدلالتها على كلامه». الطبقات(8/219)
ويقول: «ومذهبنا أن كلام الله سبحانه قديم أزلي قائم بذاته». وهذا هو عين مذهب الأشاعرة.
2- إنكاره لمسألة الحرف والصوت التي يثبتها أهل السنة؛ لدلالة النصوص عليها، فهو انطلاقًا من مذهبه الأشعري الذي يعتقد أن القرآن قديم أزلي قائم بذاته، أنكر مسألة الحرف والصوت، وشنع على أهل السنة بسببها، وقلب الملك الأشرف على أهل السنة، وكان السبب في إذلال أهل السنة من قبل الملك الأشرف والملك الكامل، يقول العز في عقيدته: «والعجب ممن يقول: القرآن مركب من حرف وصوت». الطبقات(8/224).
وغير ذلك مما وافق فيه العز الأشاعرة، كنفي كثير من صفات الله -عز وجل- التي جاءت بها الآيات والأحاديث، وإنما هو سائر على منهج الأشاعرة من إثبات الصفات السبع، ومعلوم أن الأشاعرة حتى في إثباتهم هذه الصفات السبع لا يثبتونها على طريقة أهل السنة، ولا يثبتونها على حقيقتها.
(2) انتساب العز بن عبدالسلام إلى الصوفية.
كان ابن عبدالسلام مفتونًا بالرقص والوجد على طريقة الصوفية، وله مصنفات في تأييد التصوف والرقص والسماع، بل قد لبس الخرقة على طريقة المتصوفة على يد الصوفي الكبير السهروردي.
قال الإمام الذهبي -رحمه الله-: «قال قطب الدين: كان مع شدته فيه حسن محاضرة بالنوادر والأشعار. يحضر السماع ويرقص». العبر (3/299).
وقال السيوطي -رحمه الله تعالى- في ترجمة العز:
«له كرامات كثيرة، ولبس خرقة التصوف من الشهاب السهروردي.
وكان يحضر عند الشيخ أبي الحسن الشاذلي، ويسمع كلامه في الحقيقة ويعظمه». [حسن المحاضرة (1/273) دار الكتب العلمية]
ويقول السبكي: «وذكر(أي القاضي عز الدين الهكاري) أن الشيخ لبس خرقة التصوف من شهاب الدين السهروردي، وأخذ عنه، وذكر أنه كان يقرأ بين يديه (رسالة القشيري) فحضره مرة الشيخ أبو العباس المرسي لما قدم من الأسكندرية إلى القاهرة، فقال له الشيخ عز الدين: تكلم على هذا الفصل. فأخذ الشيخ المرسي يتكلم والشيخ عز الدين يزحف في الحلقة ويقول: اسمعوا هذا الكلام الذي هو حديث عهد بربه.
وقد كانت للشيخ عز الدين اليد الطولى في التصوف وتصانيفه قاضية بذلك». الطبقات(8/214-215).
أما عن السماع والرقص الذي كان يفعله الشيخ عز الدين، فيقول ابن شاكر الكتبي: «يحضر السماع، ويرقص، ويتواجد». فوات الوفيات(2/350-352)
وقد جعل اليافعي رقص وسماع الشيخ عز الدين دليلاً على جواز ذلك؛ لأن فعله حجة، فهو من كبار العلماء، وأطال في ذلك. [انظر مرآة الجنان لليافعي(4/154)].
وإليك مقولة من أقواله التي تظهر ما له من التصوف الغالي، يقول في كتابه قواعد الأحكام (1/118-119): (فصل وما يثاب عليه من العلوم).
وذكر منها:
الثالث: علوم يمنحها الأنبياء والأولياء بأن يخلقها الله فيهم من غير ضرورة ولا نظر... إلى أن قال: الضرب الثاني: علوم إلهامية يكشف بها عما في القلوب، فيرى من الغائبات ما لم تجر العادة بسماع مثله، وكذلك شمه ومسه ولمسه، وكذلك يدرك بقلبه علوماً متعلقة بالأكوان، وقد رأى إبراهيم ملكوت السموات والأرض. ومنهم من يرى الملائكة، والشياطين، والبلاد النائية، بل ينظر إلى ما تحت الثرى. ومنهم من يرى السموات، وأفلاكها، وكواكبها، وشمسها، وقمرها، على ما هي عليه، ومنهم من يرى اللوح المحفوظ، ويقرأ ما فيه، وكذلك يسمع أحدهم صرير الأقلام، وأصوات الملائكة والجان، ويفهم أحدهم منطق الطير. فسبحان من أعزهم وأدناهم، وأذل آخرين وأقصاهم، ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء». فنعوذ بالله من الضلال.
(3) طعن العز بن عبدالسلام على أهل السنة، ونسبتهم إلى الحشو والتجسيم.
أما كلام العز في ذلك فهو كثير، وخاصة في القصة التي جرت معه ومع الملك الأشرف، وفي خطابه للملك الأشرف كثير من هذا الطعن على أهل السنة في ذلك العصر؛ لإثباتهم كلام الله على حقيقته، ولإثباتهم الحرف والصوت في كلام الله، وأنقل لكم بعض طعونه:
أ –«والحشوية والمشبهة الذين يشبهون الله بخلقه ضربان: أحدهما لا يتحاشى من إظهار الحشو {ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون} والآخر يتستر بمذهب السلف لسحت يأكله أو حطام يأخذه». الطبقات(8/222)
ب- «فما الفرق بين مجادلة الحشوية وغيرهم من أهل البدع! ولا خبث في الضمائر وسوء اعتقاد في السرائر… وإذا سئل أحدهم عن مسألة من الحشو أمر بالسكوت عن ذلك، وإذا سئل عن غير الحشو من البدع أجاب فيه بالحق. ولولا ما انطوى عليه باطنه من التجسيم والتشبيه لأجاب في مسائل الحشو بالتوحيد والتنزيه لوم تزل هذه الطائفة المبتدعة قد ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادًا والله لا يحب المفسدين} لا تلوح لهم فرصة إلا طاروا إليها، ولا فتنة إلا أكبوا عليها». الطبقات(2/223).
ت- «وإنما أتي القوم من قبل جهلهم بكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وسخافة العقل، وبلادة الذهن». الطبقات(8/226).
ث- ويقول: «والكلام في مثل هذا يطول، ولولا ما وجب على العلماء من اعزاز الدين، وإخمال المبتدعين، وما طولت به الحشوية ألسنتهم في هذا الزمان من الطعن في أعراض الموحدين والإزراء على كلام المنزهين». الطبقات (8/226).
ج- «وبدعة الحشوية كامنة خفية، لا يتمكنون من المجاهرة بها، بل يدسونها على الجهلة العوام، وقد جهروا بها في هذا الأوان، فنسأل الله تعالى أن يعجل بإخمالها كعادته، ويقضي بإذلالها على ما سبق من سنته».
ح- بل إنه يدعوا السلطان إلى تعزير أهل السنة وتبديعهم فيقول: «الذي نعتقده في السلطان أنه إذا ظهر له الحق يرجع إليه، وأنه يعاقب من موّه الباطل عليه، وهو أولى الناس بموافقة والده السلطان الملك العادل -تغمده الله برحمته ورضوانه- فإنه عزر جماعة من أعيان الحنابلة المبتدعة تعزيراً بليغاً رادعاً وبدّع بهم وأهانهم». الطبقات (8/230)
(4) كون العز بن عبدالسلام السبب في انقلاب الملك الأشرف إلى المذهب الأشعري، وسبب في إذلال الملك الكامل لأهل السنة. نعوذ بالله من ذلك. الطبقات (2/238-239)
(5) العز بن عبدالسلام هو من قسم البدعة إلى خمسة أقسام، وانتشر ذلك عنه، ونقله عنه تلميذه القرافي. فلا تذكر هذه المسألة وإلا ويذكر العز كما ذكر ذلك العلامة الشاطبي في كتابه الاعتصام ورد عليهما.
(6) أما عن موقفه تجاه الحكام في عصره، فأكثره أولاً يحتاج إلى إثبات عنه، ولعل القارئ يستشف من تأليبه للحكام على أهل السنة الحنابلة -رحمهم الله- أن هناك علاقة وطيدة بينه وبين الحكام، وأن ما يذكر من صولته على الحكام والحراج عليهم في الأسواق لا يبعد أن يكون من أساطير وأكاذيب الصوفية، فهم قد ملأوا كتبهم بالأكاذيب والترهات.
-------------------------------------------------------------------
--------------------------------------------------------------------]
أحوال الناس تجاه مقالي (حقيقة العز بن عبدالسلام).
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن نزلت مقالي (حقيقة العز بن عبدالسلام، وموقف شيخ الإسلام منه) ونشرته في عدد من المنتديات، رأيت الناس والقراء تجاهه على قسمين:
القسم الأول: قوم غضبوا من مقالي، وكالوا لي بسببه السب والشتائم والطعون، وحاولوا أن يجدوا مخرجاً للعز مما أوردته عنه من طوام وضلالات، وفتشوا يمينًا ويسارًا لعلهم يجدون ملجأ يأوون إليه في ذبهم عن العز، وجاؤوا بمنهجهم المعروف وهو منهج الموازنات حتى يغمروا أخطائه وبدعه في حسنات فيعود سلفيًا نقياً.
وكان سبب هذه الهجمة الشرسة من هؤلاء القوم ضد مقالي عن العز، أنني تكلمت في مقالي عن شخصين من المقدسين عندهم.
الأول: هو العز بن عبدالسلام. فهو مقدس عندهم غاية التقديس، ويعتبرونه قدوة، ويقتدون به، ويقيمون الندوات والمحاضرات من أجله، بل ويضيعون الأعمار في الكتابة عن جهوده، بل ويعتبرونه من طراز الإمام أحمد، وما ذلك إلا لأنه -بزعمهم واجه الحكام- فمن واجه الحكام عندهم فهو الإمام المقدس الذي لا يجوز التكلم عليه، وذلك لأنه يوافقهم على منهجهم التكفيري.
الثاني: هو سلمان العودة، فإني قد ذكرته في مقالي عندما ضربت مثلاً بمن يطري العز بن عبدالسلام ويقرنه بالإمام أحمد -رحمه الله-.
فلما رأوا أن كلامي قد تضمن بيان هذين الرجلين قاموا قومة المغضب، وهاجوا هيجان الثيران.
والطوائف الذي غضبوا من مقالي، عدد:
(1) القطبيون السروريون، وذلك لما ذكرت من لمس لمقدساتهم.
(2) الصوفية، وذلك لأنهم يعرفون تصوف العز، ويحتجون به، فكان الكلام عليه كلاماً على مشربهم وتصوفهم، حتى إن بعضهم ليقول عن قول العز بأن الأولياء يقرأون ما في اللوح المحفوظ قول صواب وصحيح، والعياذ بالله، ونسوا الآيات الدالة على اختصاص رب العالمين بالغيب.
(3) الأشاعرة؛ فقد نهضوا أيضًا في الذب عن إمامهم المبجل العز بن عبدالسلام، وذلك يؤكد لنا أشعرية العز، وما هو عليه من التمشعر، فنقلوا فتوى عن ابن رشد الجد المالكي في استتابت وإهانة من يتكلم على الأشاعرة، بل وقاموا يطعنون في شيخ الإسلام ابن تيمية من أجل العز بن عبدالسلام.
وهذه القومة الموحدة يؤكد لك أيها السلفي المخلص ما عليه أهل البدع من البغض لأهل السنة، ومن التكاتف وتناسي الخلافات التي بينهم من أجل محاربة أهل السنة، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومن أوضحها تكاتفهم واجتماعهم على حرب السلفيين في كنر، وقتل الشيخ جميل الرحمن -رحمه الله تعالى-.
فهنا نجد من ينتسبون إلى السنة من القطبيين لم يبالوا بطعن أولئك القوم في شيخ الإسلام ابن تيمية، بل استمروا في مواجهتي جنباً إلى جنب مع الصوفية والأشاعرة، ولو انضم إليهم الرافض والباطنية فإني أظن أن ذلك لا يثنيهم عن غيهمّ، فيا لله العجب.
ومن العجيب أنهم لا يزالون يهوشون ويريدون الجدال والمناقشة، لكن ليس بعد الحق إلا الضلال، والحق ظهر لمن له عينان. وما كان للسني أن يدخل مع قوم سوء أصحاب أغراض سيئة وهوى متبع.
القسم الثاني: وهم أهل السنة حقيقة، ومن عنده حمية وغيرة على عقيدته السلفية السنية النبوية، من كان يحب الله ويجله الإجلال العظيم، يحترم صفات الله وكلامه، فهؤلاء -رحمهم الله- فرحوا بمقالي، وشكروا جهدي، وأثنوا خيراً، واعترفوا بأنهم استفادوا، وعرفوا العز على حقيقته.
فهؤلاء حقًا هم أهل السنة، فأهل السنة إذا ذكرت عندهم الأهواء لم يتعصبوا لشيء منها.
سئل أبو بكر بن عياش -رحمه الله- عن السني فقال: «الذي إذا ذكرت عنده الأهواء لم يغضب لشيء منها».
فلله درهم، وجزاهم ربي عن الإسلام والمسلمين خيرا، فهم الذابون عن دينه، والحامون لحمى شريعته، الفاضحون لكل مبتدع ضال، والمبغضون لكل منحرف صاحب هوى.
فأسأل الله تعالى أن يحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة، وأن يثبتنا على الحق إلى أن نلقاه. إن ربنا لسميع الدعاء. [كتبه الدكتور خالد ضحوي الظفيري] (نسخه من موقع مجلة السنن والآثار، ونسقه ورتبه أبوعبدالرحمن المكي وقال) هذا هو العز بن عبدالسلام الذي يسميه الحماسيون الحزبيون مثل سلمان العودة ببائع الملوك وسلطان العلماء!!!
الجمعة 22/شوال/1434 - هجرية
خالد ضحوي - الكويت - الجهراء