خطر في بالي:
إيضاح أنواع الخارجين؛
الأول: من خرج عن أقوال أهل السنة والجماعة الاعتقادية. فهو من أهل البدع، أو الأهواء بحسب حاله.
الثاني: من خرج بالسيف يقطع طريق المسلمين، فهو من الساعين في الأرض بالفساد.
الثالث: من خرج بسيفه يقتل المسلمين طالباً للحكم. فهذا خارجي.
الرابع: من خالف ولي الأمر في أمور يسوغ له المخالفة فيها، وكان يأوي إلى منعة، يستعملها في تأييد قوله ضد ولي الأمر، فهو باغي. إلا إذا استباح قتل المسلمين، أو طلب الحكم؛ فهو خارجي.
الخامس: الذين يكفرون الناس بفعل الكبائر. وهؤلاء خوارج.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: «وَالْخَارِجُونَ عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ، أَصْنَافٌ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: قَوْمٌ امْتَنَعُوا مِنْ طَاعَتِهِ، وَخَرَجُوا عَنْ قَبْضَتِهِ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، فَهَؤُلَاءِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، سَاعُونَ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ، يَأْتِي حُكْمُهُمْ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ.
الثَّانِي: قَوْمٌ لَهُمْ تَأْوِيلٌ، إلَّا أَنَّهُمْ نَفَرٌ يَسِيرٌ، لَا مَنَعَةَ لَهُمْ، كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْعَشَرَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَهَؤُلَاءِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ ابْنَ مُلْجَمٍ لَمَّا جَرَحَ عَلِيًّا، قَالَ لِلْحَسَنِ: إنْ بَرِئْتُ رَأَيْتُ رَأْيِي، وَإِنْ مِتُّ فَلَا تُمَثِّلُوا بِهِ. فَلَمْ يُثْبِتْ لِفِعْلِهِ حُكْمَ الْبُغَاةِ. وَلِأَنَّنَا لَوْ أَثْبَتْنَا لِلْعَدَدِ الْيَسِيرِ حُكْمَ الْبُغَاةِ، فِي سُقُوطِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ، أَفْضَى إلَى إتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ إذَا خَرَجُوا عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ.
الثَّالِثُ: الْخَوَارِجُ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ، وَيُكَفِّرُونَ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ، وَكَثِيرًا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا مَنْ خَرَجَ مَعَهُمْ، فَظَاهِرُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنَّهُمْ بُغَاةٌ، حُكْمُهُمْ حُكْمُهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَمَالِكٌ يَرَى اسْتِتَابَتَهُمْ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا قُتِلُوا عَلَى إفْسَادِهِمْ، لَا عَلَى كُفْرِهِمْ. وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّهُمْ كُفَّارٌ مُرْتَدُّونَ، حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ، وَتُبَاحُ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَإِنْ تَحَيَّزُوا فِي مَكَان، وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ، صَارُوا أَهْلَ حَرْبٍ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ، وَإِنْ كَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، اسْتَتَابَهُمْ، كَاسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلَّا، ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ، وَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فَيْئًا، لَا يَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ الْمُسْلِمُونَ. .... ....
الصِّنْفُ الرَّابِعُ: قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ، يَخْرُجُونَ عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ، وَيَرُومُونَ خَلْعَهُ لَتَأْوِيلٍ سَائِغٍ، وَفِيهِمْ مَنَعَةٌ يَحْتَاجُ فِي كَفِّهِمْ إلَى جَمْعِ الْجَيْشِ، فَهَؤُلَاءِ الْبُغَاةُ، الَّذِينَ نَذْكُرُ فِي هَذَا الْبَابِ (يعني باب قتال أهل البغي.) حُكْمَهُمْ.
وَوَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ مَعُونَةُ إمَامِهِمْ، فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ؛ .... وَلِأَنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوا مَعُونَتَهُ، لَقَهَرَهُ أَهْلُ الْبَغْيِ، وَظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ»اهـ. المغني لابن قدامة (الشاملة 19/ 111 - 114) باختصار وتصرف.