هل تعلم أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه هو صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه غيره.
أخرج البخاري ، تحت رقم (3742)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّأْمَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَيَسَّرَكَ لِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، قَالَ: أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمْ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالوِسَادِ، وَالمِطْهَرَةِ، وَفِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، - يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَلَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ غَيْرُهُ".
قال ابن حجر في (فتح الباري 7/ 92): "وَالْمُرَادُ بِالسِّرِّ مَا أَعْلَمَهُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ"اهـ.
أمّا الذي أجاره الله من النار، فهو عمار كما أشار إليه البخاري في تبويبه فإنه بوب على الحديث (مناقب عمار وحذيفة).
قال ابن حجر (فتح الباري 7/ 92): "قَوْلُهُ : "الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ"، يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ يَعْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ.
وَزَادَ فِي رِوَايَة شُعْبَة : "يَعْنِي عمارا".
وَزعم ابن التِّينِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : "عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ"، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "وَيْحَ عَمَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ"؛
وَهُوَ مُحْتَمَلٌ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ حَدِيثَ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: "مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا" أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَلِأَحْمَدَ من حَدِيث ابن مَسْعُودٍ مِثْلُهُ أَخْرَجَهُمَا الْحَاكِمُ ؛
فَكَوْنُهُ يَخْتَارُ أَرْشَدَ الْأَمْرَيْنِ دَائِمًا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الْأَمْرُ بِالْغَيِّ.
وَرَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: "مَلِيء إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ يَعْنِي عَمَّارًا" وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَلِابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَأَخَذْتُ قِرْبَتِي وَدَلْوِي لِأَسْتَقِيَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيَأْتِيكَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنَ الْمَاءِ فَلَمَّا كُنْتُ عَلَى رَأْسِ الْمَاءِ إِذَا رَجُلٌ أَسْوَدُ كَأَنَّهُ مُرْسٌ فَصَرَعْتُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ذَاكَ الشَّيْطَانُ" فَلَعَلَّ ابن مَسْعُودٍ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ تكون الْإِشَارَة بالاجارة الْمَذْكُورَةِ إِلَى ثَبَاتِهِ عَلَى الْإِيمَانِ لَمَّا أَكْرَهَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ فَنَزَلَتْ فِيهِ: (الا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان)،
وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ : "إِنَّ عَمَّارًا مَلِيء إِيمَانًا إِلَى مُشَاشِهِ" أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ . وَالْمُشَاشُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَمُعْجَمَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ وَهَذِهِ الصّفة لاتقع إِلَّا مِمَّنْ أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ"اهـ.
المشاش رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها . انظر النهاية في غريب الأثر (4/ 333) .