قال الشاطبي رحمه الله الاعتصام للشاطبي/ الهلالي (1/ 225 - 227).:
"إِنَّ الْقِيَامَ عَلَيْهِمْ: بِالتَّثْرِيبِ، أَوِ التَّنْكِيلِ، أَوِ الطَّرْدِ، أَوِ الْإِبْعَادِ، أَوِ الْإِنْكَارِ; هُوَ بِحَسَبِ حَالِ الْبِدْعَةِ فِي نَفْسِهَا;
مِنْ كَوْنِهَا عَظِيمَةَ الْمَفْسَدَةِ فِي الدِّينِ، أَوْ لَا.
وَكَوْنِ صَاحِبِهَا مُشْتَهِرًا بِهَا أَوْ لَا.
وَدَاعِيًا إِلَيْهَا أَوْ لَا.
وَمُسْتَظْهِرًا بِالْأَتْبَاعِ أَوْ لَا.
وَخَارِجًا عَنِ النَّاسِ أَوْ لَا.
وَكَوْنِهِ عَامِلًا بِهَا عَلَى جِهَةِ الْجَهْلِ أَوْ لَا.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْسَامِ لَهُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ يَخُصُّهُ، إِذْ لَمْ يَأْتِ فِي الشَّرْعِ فِي الْبِدْعَةِ حَدٌّ لَا يُزَادُ
عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ، كَمَا جَاءَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَعَاصِي; كَالسَّرِقَةِ، وَالْحِرَابَةِ، وَالْقَتْلِ،
وَالْقَذْفِ، وَالْجِرَاحِ، وَالْخَمْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
لَا جَرَمَ أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْأُمَّةِ نَظَرُوا فِيهَا بِحَسَبِ النَّوَازِلِ، وَحَكَمُوا بِاجْتِهَادِ الرَّأْيِ;
تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي بَعْضِهَا مِنَ النَّصِّ;
كَمَا جَاءَ فِي الْخَوَارِجِ مِنَ الْأَثَرِ بِقَتْلِهِمْ.
وَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَبِيغٍ الْعِرَاقِيِّ.
فَخَرَجَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا: الْإِرْشَادُ، وَالتَّعْلِيمُ، وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ ; كَمَسْأَلَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ حِينَ ذَهَبَ إِلَى الْخَوَارِجِ، فَكَلَّمَهُمْ، حَتَّى رَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ أَوْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، وَمَسْأَلَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ غَيْلَانَ، وَشِبْهُ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: الْهُجْرَانُ، وَتَرْكُ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ; حَسْبَمَا [جاء] عَنْ جُمْلَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي هُجْرَانِهِمْ لِمَنْ تَلَبَّسَ بِبِدْعَةٍ، وَمَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قِصَّةِ صَبِيغٍ.
وَالثَّالِثُ: كَمَا غَرَّبَ عُمَرُ صَبِيغًا، وَيَجْرِي مَجْرَاهُ السَّجْنُ، وَهُوَ:
الرَّابِعُ: كَمَا سَجَنُوا الْحَلَّاجَ قَبْلَ قَتْلِهِ سِنِينَ عِدَّةً.
وَالْخَامِسُ: ذِكْرُهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ، وَإِشَاعَةُ بِدْعَتِهِمْ ; كَيْ يُحْذَرُوا; وَلِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَلَامِهِمْ; كَمَا جَاءَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ.
السَّادِسُ: الْقَتْلُ إِذَا نَاصَبُوا الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجُوا عَلَيْهِمْ ; كَمَا قَاتَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَوَارِجَ وَغَيْرُهُ مِنْ خُلَفَاءِ السُّنَّةِ.
وَالسَّابِعُ: الْقَتْلُ إِنْ لَمْ يَرْجِعُوا مِنَ الِاسْتِتَابَةِ، وَهُوَ قَدْ أَظْهَرَ بِدْعَتَهُ، وَأَمَّا مَنْ أَسَرَّهَا وَكَانَتْ كُفْرًا أَوْ مَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ; فَالْقَتْلُ بِلَا اسْتِتَابَةٍ؛
وَهُوَ الثَّامِنُ; لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النِّفَاقِ، كَالزَّنَادِقَةِ.
وَالتَّاسِعُ: تَكْفِيرُ مَنْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى كُفْرِهِ ; كَمَا إِذَا كَانَتِ الْبِدْعَةُ صَرِيحَةً فِي الْكُفْرِ;
كَالْإِبَاحِيَّةِ، وَالْقَائِلِينَ بِالْحُلُولِ; كَالْبَاطِنِيَّةِ، أَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّكْفِيرِ بِالْمَآلِ، فَذَهَبَ
الْمُجْتَهِدُ إِلَى التَّكْفِيرِ; كَابْنِ الطَّيِّبِ فِي تَكْفِيرِهِ جُمْلَةً مِنَ الْفِرَقِ، فَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ:
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ: وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَرِثُهُمْ وَرَثَتُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَرِثُونَ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَلَا
يُغَسَّلُونَ إِذَا مَاتُوا، وَلَا يُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ; مَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَتِرًا;
فَإِنَّ الْمُسْتَتِرَ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ، وَوَرَثَتُهُ أَعْرَفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِيرَاثِ.
وَالْحَادِي عَشَرَ: الْأَمْرُ بِأَنْ لَا يُنَاكَحُوا، وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ الْهُجْرَانِ، وَعَدَمِ الْمُوَاصَلَةِ.
وَالثَّانِي عَشَرَ: تَجْرِيحُهُمْ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَلَا رِوَايَتُهُمْ، وَلَا يَكُونُونَ وَالِينَ
وَلَا قُضَاةً، وَلَا يُنَصَّبُونَ فِي مَنَاصِبِ الْعَدَالَةِ مِنْ إِمَامَةٍ أَوْ خَطَابَةٍ; إِلَّا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ جُمْلَةٍ
مِنَ السَّلَفِ رِوَايَةُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ مِنْ بَابِ الْأَدَبِ لِيَرْجِعُوا عَمَّا
هُمْ عَلَيْهِ.
وَالثَّالِثَ عَشَرَ: تَرْكُ عِيَادَةِ مَرْضَاهُمْ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الزَّجْرِ وَالْعُقُوبَةِ.
وَالرَّابِعَ عَشَرَ: تَرْكُ شُهُودِ جَنَائِزِهِمْ كَذَلِكَ.
وَالْخَامِسَ عَشَرَ: الضَّرْبُ كَمَا ضَرَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَبِيغًا.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَائِلِ بِالْمَخْلُوقِ: " أَنَّهُ يُوجَعُ ضَرْبًا وَيُسْجَنُ حَتَّى
يَمُوتَ ".
وَرَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَوَارِيخِ بَغْدَادَ عَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: " حُكِمَ فِي أَصْحَابِ الْكَلَامِ أَنْ
يُضْرَبُوا بِالْجَرَائِدِ، وَيُحْمَلُوا عَلَى الْإِبِلِ، وَيُطَافَ بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ، وَيُقَالَ: هَذَا
جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَأَخَذَ فِي الْكَلَامِ; يَعْنِي: أَهْلَ الْبِدَعِ"اهـ