رد قول القائل: دلالة القرآن والسنة ظنية!
قال ابن القيم رحمه الله في (مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ص: 607): " كَوْنَ الدَّلِيلِ مِنَ الْأُمُورِ الظَّنِّيَّةِ أَوِ الْقَطْعِيَّةِ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُدْرِكِ الْمُسْتَدِلِّ، لَيْسَ هُوَ صِفَةً لِلدَّلِيلِ فِي نَفْسِهِ، فَهَذَا أَمْرٌ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ عَاقِلٌ؛
فَقَدْ يَكُونُ قَطْعِيًّا عِنْدَ زَيْدٍ مَا هُوَ ظَنِّيٌّ عِنْدَ عَمْرٍو.
فَقَوْلُهُمْ : إِنَّ أَخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحَةَ الْمُتَلَقَّاةَ بَيْنَ الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ، بَلْ هِيَ ظَنِّيَّةٌ هُوَ إِخْبَارٌ عَمَّا عِنْدَهُمْ، إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مِنَ الطُّرُقِ الَّتِي اسْتَفَادَ بِهَا الْعِلْمَ أَهْلُ السُّنَّةِ مَا حَصَلَ لَهُمْ.
فَقَوْلُهُمْ لَمْ نَسْتَفِدْ بِهَا الْعِلْمَ، لَمْ يَلْزَمْ مِنْهَا النَّفْيُ الْعَامُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ الْوَاجِدَ لِلشَّيْءِ الْعَالِمَ بِهِ غَيْرُ وَاجِدٍ لَهُ وَلَا عَالِمٍ بِهِ، فَهُوَ كَمَنْ يَجِدُ مِنْ نَفْسِهِ وَجَعًا أَوْ لَذَّةً أَوْ حُبًّا أَوْ بُغْضًا فَيَنْتَصِبُ لَهُ مَنْ يَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَجِعٍ وَلَا مُتَأَلِّمٍ وَلَا مُحِبٍّ وَلَا مُبْغِضٍ، وَيُكْثِرُ لَهُ مِنَ الشُّبَهِ الَّتِي غَايَتُهَا إِنِّي لَمْ أَجِدْ مَا وَجَدْتَهُ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَاشْتَرَكْتُ أَنَا وَأَنْتَ فِيهِ، وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ.
وََمَا أَحْسَنَ مَا قِيلَ :
أَقُولُ لِلَّائِمِ الْمُهْدِي مَلَامَتَهُ ذُقِ الْهَوَى وَإِنِ اسْطَعْتَ الْمَلَامَ لُمِ
فَيُقَالُ لَهُ : اصْرِفْ عِنَايَتَكَ إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ وَتَتَبُّعِهِ وَجَمْعِهِ وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ نَقَلَتِهِ وَسِيرَتِهِمْ، وَأَعْرِضْ عَمَّا سِوَاهُ وَاجْعَلْهُ غَايَةَ طَلَبِكَ وَنِهَايَةَ قَصْدِكَ، بَلِ احْرِصْ عَلَيْهِ حِرْصَ أَتْبَاعِ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ عَلَى مَعْرِفَةِ مَذَاهِبِ أَئِمَّتِهِمْ بِحَيْثُ حَصَلَ لَهُمُ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِأَنَّهَا مَذَاهِبُ أَئِمَّتِهِمْ بِحَيْثُ حَصَلَ لَهُمُ الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ بِأَنَّهَا مَذَاهِبُهُمْ وَأَقْوَالُهُمْ، وَلَوْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مُنْكِرٌ لَسَخِرُوا مِنْهُ ( وَحِينَئِذٍ ) تَعْلَمُ هَلْ تُفِيدُ أَخْبَارُ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلْمَ أَوْ لَا تُفِيدُهُ فَأَمَّا مَعَ إِعْرَاضِكَ عَنْهَا وَعَنْ طَلَبِهَا فَهِيَ لَا تُفِيدُكَ عِلْمًا، وَلَوْ قُلْتَ : لَا تُفِيدُكَ أَيْضًا ظَنًّا لَكُنْتَ مُخْبِرًا بِحِصَّتِكَ وَنَصِيبِكَ مِنْهَا"اهـ