سؤال :
«هل صحيح أن أسانيد الأحاديث المدونة في كتب الحديث لعلماء القرن الثالث الهجري لا أصل لها، وإنما صنعها هؤلاء؛ لأن السنة لم تكتب إلا في القرن الثالث الهجري، فأسانيدها مضطربة وقد تكون مختلقة، لا يمكن الوثوق بها».
الجواب :
هذا غير صحيح، وبيانه فيما يلي :
أولاً : السنة كتبت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كما يدل عليه حديث الْوَلِيد بْن
مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ
وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ
وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي فَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ
وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا
نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِلَّا الْإِذْخِرَ.
فَقَامَ أَبُو شَاهٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ!
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ".
قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ: "اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ"؟ قَالَ: هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" أخرجه البخاري في كتاب اللقطة، باب كيف تعرف
لقطةأهل مكة، حديثرقم (2434)، ومسلم في كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها
وخلاها، حديث رقم (1355)..
وحديث كتاب مقادير الزكاة.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: كُنْت أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، فَأَمْسَكْتُ
عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: " اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ مَا خَرَجَ مِنِّي إِلَّا حَقٌّ" (أخرجه أحمد في المسند (الميمنية 2/162)، (الرسالة
11/57، تحت رقم 6510)، و أبوداود في كتاب العلم، باب في كتاب العلم، حديث رقم
(3646). والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ومحققو المسند.).
وكان يسمي صحيفته بـ"الصادقة". وغير ذلك.
ثانياً : كتبت في زمن عبد الملك بن مروان (ت92هـ).
ثالثاً : وكتبت السنة في زمن عمر بن عبد العزيز (ت101هـ).
رابعاً : كتبت في أصول رواة الحديث من زمن التابعين، كما تدل عليه قصة الليث بن
سعد مع أبي الزبير محمد بن تدرس، في صحيفته عن جابر، لما سأله : أكل ما في هذه
الصحيفة سمعته من جابر؟ فقال: منه ما سمعته ومنه ما لم أسمعه، فقال: علِّم لي على ما
سمعته. فعلم له.
خامسا: ظهرت مصنفات لأهل العلم من أول القرن الثاني، كمصنفات ابن جريج
(ت150هـ)، والأوزاعي (ت151هـ)، ومعمر بن راشد (ت154هـ)، وسعيد بن أبي
عروبة (ت156هـ)، وموطأ مالك (ت179هـ)، وغيره .
وعلى أسانيد هذه المصنفات مدار اسانيد كتب الحديث في القرن الثالث، فالحمد لله على توفيقه.