سؤال:
«نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كتابة الحديث، فكيف يقال: أن الأحاديث دونت؟
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَكْتُبُوا عَنِّي
وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ"(أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب التثبت في
الحديث وحكم كتابة العلم، حديث رقم (3004).).».
الجواب:
إنما نهى الرسول ﷺ عن كتابة السنة في أول الأمر، لما خشي أن تختلط السنة بالقرآن، في أوّل الأمر. ورخص لهم بعد ذلك في كتابتها.
وقد ورد ما يدل على أن من الحديث ما كتب في زمن الرسول ﷺ.
قال النووي رحمه الله (شرح النووي على مسلم 18/130): "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَا تَكْتُبُوا عَنِّي غَيْر الْقُرْآن , وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْر الْقُرْآن فَلْيَمْحُهُ" قَالَ الْقَاضِي : كَانَ بَيْن السَّلَف مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ اِخْتِلَاف كَثِير فِي كِتَابَة الْعِلْم , فَكَرِهَهَا كَثِيرُونَ مِنْهُمْ , وَأَجَازَهَا أَكْثَرهمْ , ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازهَا , وَزَالَ ذَلِكَ الْخِلَاف .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث الْوَارِد فِي النَّهْي ؛
فَقِيلَ : هُوَ فِي حَقّ مَنْ يَوْثُق بِحِفْظِهِ , وَيُخَاف اِتِّكَاله عَلَى الْكِتَابَة إِذَا كَتَبَ. وَتُحْمَل الْأَحَادِيث الْوَارِدَة بِالْإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لَا يَوْثُق بِحِفْظِهِ كَحَدِيثِ : "اُكْتُبُوا لِأَبِي شَاه"، وَحَدِيث صَحِيفَة عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ, وَحَدِيث كِتَاب عَمْرو بْن حَزْم الَّذِي فِيهِ الْفَرَائِض وَالسُّنَن وَالدِّيَات. وَحَدِيث كِتَاب الصَّدَقَة وَنُصُب الزَّكَاة الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ, وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : "أَنَّ اِبْن عَمْرو بْن الْعَاصِ كَانَ يَكْتُب وَلَا أَكْتُب", وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيث.
وَقِيلَ: إِنَّ حَدِيث النَّهْي مَنْسُوخ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث, وَكَانَ النَّهْي حِين خِيفَ اِخْتِلَاطُهُ بِالْقُرْآنِ فَلَمَّا أَمِنَ ذَلِكَ أَذِنَ فِي الْكِتَابَة.
وَقِيلَ: إِنَّمَا نَهَى عَنْ كِتَابَة الْحَدِيث مَعَ الْقُرْآن فِي صَحِيفَة وَاحِدَة ; لِئَلَّا يَخْتَلِط, فَيَشْتَبِه عَلَى الْقَارِئ فِي صَحِيفَة وَاحِدَة . وَاللَّهُ أَعْلَم"اهـ.