سؤال:
«كيف نفسر وجود الاختلاف والتعارض بين الحديث والقرآن العظيم، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾ (النساء:82)؟».
والجواب:
وقوع الاختلاف والتعارض بين الأحاديث والقرآن العظيم، يرجع لأسباب:
السبب الأول: الجهل بالمعنى المراد، من الآية والحديث؛
مثال ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحد الجنة بعمله"، مع قوله تعالى: ﴿وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } (الأعراف:43)، وقوله: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (النحل:32)، وقوله: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الزخرف:72)، وقوله: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الطور:19)، وقوله: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (المرسلات:43).
فنفى في الحديث دخول الجنة بالعمل، وأثبته في الآيات المذكورات؟!
وسبب الإشكال الجهل بالمعنى المراد في الآيات والأحاديث، وأقول: لا إشكال بحمد الله و لا تعارض و لا اختلاف؛ لأن المراد في الحديث : لن يكون عمل الإنسان عوضاً للجنة، و لا قيمة مساوية لها، فإن نعم الله على العباد كثيرة، وعمل العبد شكراً لهذه النعم فإنه لا يكافيء نعمة منها كنعمة البصر أو نعمة السمع، فكيف يكون عمله عوضاً وقيمة للجنة؟!
وأما الآيات فالمراد فيها أن لعمل سبب لدخول الجنة، فمن عمل الصالحات، وصدق الرسول صلوات الله وسلامه عليهم، وأتبعهم وعمل الصالحات دخل الجنة، بسبب ذلك.
فالعمل المنفي في الحديث هو العمل الذي يكون عوضاً وقيمة للجنة، والباء فيه تسمى باء العوض.
والعمل المثبت لدخول الجنة، هو العمل الذي يكون سبباً في دخولها، والباء في الآيات تسمى باء السببية!
السبب الثاني: عدم ثبوت الحديث أصلاً، فيكون حديثاً موضوعاً أو ضعيفاً لا يعمل به، فيقع التعارض بسبب ذلك.
السبب الثالث: أن يكون الحديث منسوخاً.
السبب الرابع: أن يكون في الحديث زيادة على ما في القرآن، فتظن تعارضاً واختلافاً وليست كذلك.
وأمثل على ذلك بمثال: ما جاء في الحديث : "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب أو مخلب من السباع"، مع قوله تعالى: ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ (الأنعام:145)، و لا تعارض و لا اختلاف، و لا إشكال؛ فإن تحريم كل ذي ناب وذي مخلب من السباع، مما زادته السنة على القرآن، وهو يدخل في قوله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الحشر:7).
وقضية مفهوم الحصر في الآية لا إشكال فيها، فإنه جاء على سبيل قلب الدعوى على الكفار الذين كانوا يستبيحون أكل هذه المحرمات، فالآية تقول: إنما الحرام ما استبحتم أكله من كذا وكذا، فالحصر فيها إضافي، فلا يراد فيه إباحة ما عدا المذكورات.
كما لو خاطبت من يعتقد أن المتنبي ليس بشاعر، فتقول له: لا شاعر إلا المتنبي، تريد قلب كلامه، وتقرير شاعرية المتنبي، بدون قصد لنفي الشاعرية عن غيره، وهذا يعرف في البلاغة بفائدة القلب في أسلوب الحصر.
السبب الخامس: أن تكون الآية والحديث من باب المتشابه الذي ينبغي أن يرد على المحكم، ومثال ذلك، ما ورد في السنة من تحرين الربا قليلة وكثيرة، مع قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:130)؛
ولا إشكال في الآية، فإنها من المتشابه الذي يرد على المحكم، ولذلك يقال: لا مفهوم مخالفة للآية هنا، وقد يقال: الآية تتحدث عن واقع معين كان وقت نزولها، أو عن ما يؤول إليه حال من يتعامل بالربا، فإنه يبدأ يسيراً ثم يتضاعف إلى أضعاف كثيرة.
ويلاحظ أن جميع هذه الأسباب ترجع إلى سببين:
الأول : عدم ثبوت الحديث، إما لأنه ضعيف، أو لأنه منسوخ.
الثاني : الجهل بالمراد منه.
والله الموفق.