قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/ 253): "إنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي الشَّهْوَانِيَّةِ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛
فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَنَهَى عَنْ قِتَالِ أَئِمَّةِ الظُّلْمِ.
فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقِتَالِ الْخَوَارِجِ وَنَهَى عَنْ قِتَالِ أَئِمَّةِ الظُّلْمِ.
وَقَالَ فِي الَّذِي يَشْرَبُ الْخَمْرَ ": لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"، وَقَالَ فِي ذِي الخويصرة : يَخْرُجُ مِنْ ضئضئ هَذَا أَقْوَامٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ - وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ الْإِسْلَامِ - كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمْيَةِ يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " . ...
ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الْمَعَاصِي ذُنُوبُهُمْ فِعْلُ بَعْضِ مَا نُهُوا عَنْهُ : مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ زِنًا أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ أَوْ أَكْلِ مَالٍ بِالْبَاطِلِ . وَأَهْلُ الْبِدَعِ ذُنُوبُهُمْ تَرْكُ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَجَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ ؛
فَإِنَّ الْخَوَارِجَ أَصْلُ بِدْعَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعَهُ فِيمَا خَالَفَ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ .
وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ لَا يَرَوْنَ عَدَالَةَ الصَّحَابَةِ وَمَحَبَّتَهُمْ وَالِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ .
وَكَذَلِكَ الْقَدَرِيَّةُ لَا يُؤْمِنُونَ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى الْقَدِيمِ وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ وَقُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ .
وَكَذَلِكَ الْجَبْرِيَّةُ لَا تُثْبِتُ قُدْرَةَ الْعَبْدِ وَمَشِيئَتَهُ وَقَدْ يَدْفَعُونَ الْأَمْرَ بِالْقَدَرِ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ .
وَكَذَلِكَ مُقْتَصِدَةُ الْمُرْجِئَةِ مَعَ أَنَّ بِدْعَتَهُمْ مِنْ بِدَعِ الْفُقَهَاءِ لَيْسَ فِيهَا كُفْرٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ. وَمَنْ أَدْخَلَهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْبِدَعِ الَّتِي حَكَى فِيهَا التَّكْفِيرَ وَنَصَرَهُ فَقَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا كَانَ لِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ إدْخَالَ الْأَعْمَالِ أَوْ الْأَقْوَالِ فِي الْإِيمَانِ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ ، وَأَمَّا غَالِيَةُ الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِالْعِقَابِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ النُّصُوصَ خَوَّفَتْ بِمَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَهَذَا الْقَوْلُ عَظِيمٌ وَهُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ
وَكَذَلِكَ الوعيدية لَا يَرَوْنَ اعْتِقَادَ خُرُوجِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ النَّارِ وَلَا قَبُولَ الشَّفَاعَةِ فِيهِمْ وَهَذَا تَرْكُ وَاجِبٍ . فَإِنْ قِيلَ : قَدْ يَضُمُّونَ إلَى ذَلِكَ اعْتِقَادًا مُحَرَّمًا : مِنْ تَكْفِيرٍ وَتَفْسِيقٍ وَتَخْلِيدٍ . قِيلَ : هُمْ فِي ذَلِكَ مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْكُفَّارِ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَنَفْسُ تَرْكِ الْإِيمَانِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ ضَلَالَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ اعْتِقَادٌ وُجُودِيٌّ فَإِذَا انْضَمَّ إلَيْهِ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُمْ أَصْلٌ مِنْ السُّنَّةِ لَمَا وَقَعُوا فِي الْبِدْعَةِ "اهـ.