مراعاة حال النزول في فهم القرآن العظيم والسنة النبوية
قال مالك بن أنس رحمه الله في الموطأ: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، قَالَ: فَالرَّفَثُ إِصَابَةُ النِّسَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾.
قَالَ : وَالْفُسُوقُ الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾".
أي: الذبح يهل لغير الله به.
قد يقال: لِمَ لمْ يفسر الإمام مالك رحمه الله الفسوق بمعناه العام؛ بأنه المعصية والذنب والإثم، فيدخل فيه من باب أولى: الذبح لغير الله؟
أقول: لحظ الإمام مالك رحمه الله في ذلك والله اعلم مايلي:
الأمر الأول: أنه جاء تفسير الفسوق في الآية الأخرى بهذا، سمي فسوق، أهل لغير الله به.
الأمر الثاني: أن المسلم مطلوب منه في كل وقت أن يدع المعصية، فيصير خصوص الفسوق المذكور هنا في الحج هو أمر كان يحتف بأعمال الحج عندما كان يفعله أهل الجاهلية، وهو الذبح على النصب.
الأمر الثالث: أن الجدال المراد به التفاخر بالآباء والأحساب لا مطلق جدال، لأن هذا الذي كان يختص بأهل الجاهلية، حينما كانوا يؤدون هذا النسك، ففسر الآية بمقتضى تخصيص الحج بها. إذ ما المعنى في تخصيص الحج، بأن يقال: لا فسوق في الحج، أي: لا معصية في الحج، والمسلم مطالب في كل وقت بأن لا يكون في معصية؟! ما المعنى في أن يقال في الحج: لا جدال في الحج، والمسلم مطلوب منه في كل وقت ألا يجادل ويماري؟! فلا خصوصية للحج بهذا المعنى، بينما استلمح الإمام مالك رحمه الله واقع الناس قبل الإسلام في الحج، وأن الإسلام جاء يصحح ما يفعلونه، يبين الخطأ ويذكر الصواب، فقال: لا رفث ولا فسوق و لا جدال.
ولما كان أمر الجدال انتهى بالإسلام، وانحسم بالإسلام، اقتصر الرسول ﷺ على الأمرين الأولين، فقال: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، لأي شيء ما ذكر الجدال، مع إنه مذكور في الآية؟! لأنه زال بالإسلام، معنى هذا أن تخصيص الرفث والفسق بالذكر في الحديث لأن هذين الأمرين لا يزال منهما بقية، وستحصل من بعض الناس إلا ما شاء الله؛ فقال ^: "من حج فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، فذكر الرفث، وذكر الفسوق.
والحقيقة هذا من الإمام مالك يدل على ملكة تفسيرية قوية، وهو من تطبيقات تفسير القرآن بالقرآن هذه واحدة.
وفيه تفسير القرآن بمراعاة حال النزول؛ مثاله : لما ذكر الله الأهلة للحج: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ وَلَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (البقرة:189)، فما علاقة السؤال عن الأهلة، بالبر في الاتيان للبيوت؟! أقول: لا تعرف الجواب إلا إذا استرجعت حال العرب في الجاهلية، كان العرب في الجاهلية إذا رجع الراجع منهم من الحج، ما يدخل البيت من الباب، إنما ينقب نقبًا في ظهر البيت، ويدخل منه، فالله جل وعلا نزل هذه الآية ليبين أن الحج مواقيت، وليس من البر في عمل هذه الأعمال بهذه المواقيت أن ترجع إلى البيت من الظهر، وتنقب نقبًا فيه كما كان يفعل أهل الجاهلية.
والبر أن تأتي البيوت من أبوابها، لماذا تأتي البيت من الخلف؟!
فالمناسبة حكاية حال الناس ومعالجته وإصلاحه، من أين لك أن تعرف هذا إذا ما اطلعت على حال الناس وقت النزول؟ إذا فهمته يزول عنك الإشكال.
مثال آخر على أهمية الوقوف على حال الناس وقت النزول: في قوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ (النساء:3)، ما المناسبة بين قوله تبارك وتعالى في أول الآية: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى﴾ لقوله فيها عقبها مرتباً له بالفاء : ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾؟
فما علاقة القسط في اليتامى بـ الأمر بنكاح ما طاب لنا من النساء؟
أقول: يكشف ذلك الوقوف على حال الناس إبان النزول، فقد كان عند بعضهم يتيمة يربيها، فإذا رآها كبرت وبلغت، يقول: أنا أتزوجها، وأجعلها عندي بالبيت، ويعطيها ما تيسر ويتخذها زوجة له. فيقصر في مهرها وفرش بيتها و لا تأخذ مثل غيرها من النساء، بسبب أنها يتيمة؛ فالله نهاهم عن أن يتزوجوا اليتيمات ويقصروا في حقهن، لأنها ليس لها أب موجود، وما لها أقارب يطلبون حقها كمثيلاتها! فالله جل وعلا ينهى عن أن تنكح اليتيمة بطريقة فيها تقصير بحقها، فإما تأخذها وتعطيها حقها مثل غيرها التي لها أب ولها أقارب، فاعدل واقسط، أو انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع.
هذه هي المناسبة!
وكيف عُرف هذا المعنى؟
الجواب: بمعرفة حال النزول.
الإمام مالك هو سلف أهل التفسير في مراعاة مثل هذا المعنى، راعى حال النزول في تفسير اللفظة، وليس في إزالة إشكال.
إن قيل: أليست العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟! فلم لا يقال هنا بعموم اللفظ دون مراعاة هذا المعنى؟
سبق بيان الجواب فيما تقدّم، وأزيد:
إن العربي قد يتكلم بكلام عام يلحظ فيه دلالته العامة.
وقد يتكلم بكلام عام يريد به الخصوص.
والقرآن العظيم يجري على سنن العرب في كلامها، وقد قرر هذا علماء أصول الفقه، بل هو أول موضوعات الأصول عند الشافعي رحمه الله.
وجاء هذا الأسلوب في كلام الرسول ^؛
من ذلك ما جاء عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ. فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: صَائِمٌ. قَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ". وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ "عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ". فلو أنك اعملت قاعدة : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لقلت: الصوم في السفر لا يجوز. وخالفت بذلك ما جاء في الأحاديث مما يدل على مشروعية الصوم في السفر لمن قدر عليه، ولم يضره.
يقول ابن دقيق العيد رحمه الله: "حَدِيثُ : "حَدِيثُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ"، أُخِذَ مِنْ هَذَا: أَنَّ كَرَاهَةَ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ لِمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، مِمَّنْ يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ، أَوْ يُؤَدِّي بِهِ إلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْ الْقُرُبَاتِ.
وَيَكُونُ قَوْلُهُ : "لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ" مُنَزَّلًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَالظَّاهِرِيَّةُ الْمَانِعُونَ مِنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ. وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ.
وَيَجِبُ أَنْ تَتَنَبَّهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ دَلَالَةِ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَعَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، وَبَيْنَ مُجَرَّدِ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى سَبَبٍ، وَلَا تُجْرِيهِمَا مَجْرًى وَاحِدًا. فَإِنَّ مُجَرَّدَ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى السَّبَبِ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ (المائدة: 38) بِسَبَبِ سَرِقَةِ رِدَاءِ صَفْوَانَ. وَأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِهِ بِالضَّرُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ.
أَمَّا السِّيَاقُ وَالْقَرَائِنُ: فَإِنَّهَا الدَّالَّةُ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ كَلَامِهِ. وَهِيَ الْمُرْشِدَةُ إلَى بَيَانِ الْمُجْمَلَاتِ، وَتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلَاتِ.
فَاضْبُطْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ. فَإِنَّهَا مُفِيدَةٌ فِي مَوَاضِعَ لَا تُحْصَى. وَانْظُرْ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ"، مَعَ حِكَايَةِ هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ أَيِّ الْقَبِيلَتَيْنِ هُوَ؟ فَنَزِّلْهُ عَلَيْهِ"اهـ( ).
أقول: فالحديث من باب العام الذي يراد به الخصوص، وفرق بينه وبين العام الباقي على عمومه؛ وتفهم من هذا أن موضع قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، هو في العام الباقي على عمومه، لا في العام المخصوص.
ومما يساعدك في فهم وجه رجحان تفسير الإمام مالك رحمه الله للآية، أن تسأل ما وجه تخصيص الحج بالنهي عن هذه الأمور وهي منهي عنها في عبادات أخرى، وفي أحوال أخرى؟
فهذا من الإمام مالك من هذا القبيل.
وشبيه بهذا الموضوع؛ قولهم : هذا الوصف لا مفهوم مخالفة له، إنما جاء حكاية للواقع، أو موافقة للسؤال، أو مرعاة لحال السائل، ونحو ذلك.
و مراعاة حال النزول، أوسع من أسباب النزول، كما هو ظاهر إن شاء الله تعالى! فإن سبب النزول الحادثة أو السؤال الذي حدث فنزلت الآية أو الآيات أو السورة بسببه، بينما حال النزول يشمل ذلك وغيره!
فمن المهمات لمفسر القرآن العظيم، وشارح حديث الرسول ^ معرفة حال الناس إبان النزول والتشريع، ومن الكتب النافعة في ذلك كتاب محمود شكري الألوسي: "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب". يعني: قبل الإسلام.
وجاء في الأثر وأظنه مروي عن عمر قاله عمر، قال: لا أخشى على الإسلام إلا ممن لا يعرف الجاهلية.
معرفتك لما كان عليه حال العرب في الجاهلية قبل الإسلام تفيدك حتى في تفسير القرآن وشرح الحديث ومعرفة معاني أمور شرعية كثيرة غائبة عن ذهنك.
حديث الرسول ﷺ في المرأة المعتدة، قَالَتْ زَيْنَبُ، وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: "جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ".
قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ؟
فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ المَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ، حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ، فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً، فَتَرْمِي، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
سُئِلَ مَالِكٌ مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا"( ).
فانظر كيف الرسول ﷺ قرر الشرع، وسكن النفس إليه بذكر ما كان عليه الحال في الجاهلية.
أعجب من ذلك، ما جاء عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا، قَالَ: وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ -وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ - ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا؟ - أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ، إِذْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ إِلَى الْمُرَاحِ، وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ: مَا وَلَّدْتَ يَا فُلَانُ؟، قَالَ: بَهْمَةً، قَالَ: فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً، ثُمَّ قَالَ: لَا تَحْسِبَنَّ وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً "( ) .
أراد الرسول أن لا يظن الناس أن هذا سنة، الذبح للضيف، فقال: " لَا تَحْسِبَنَّ وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً"، فقال ذلك مراعاة لحال الناس!
وتجد أحاديث كثيرة تراعي أحوال الناس وأمورهم وطريقة تفكيرهم، وطريقة نظرهم في التشريع، الإمام جزاه الله خيراً وأسكنه الفردوس، هو سلف في مثل هذه الأمور.
قال الإمام مالك رحمه الله: "وَالْجِدَالُ فِي الْحَجِّ : أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِقُزَحَ وَكَانَتْ الْعَرَبُ وَغَيْرُهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ فَكَانُوا يَتَجَادَلُونَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ﴾، فَهَذَا الْجِدَالُ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ"اهـ.
وهذا التفسير من مراعاة حال الناس حال النزول!