السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 22 أكتوبر 2014

شبهة والرد عليها ١٩: الخروج على الحاكم


قال:
«الذي يحكم بغير ما أنزل الله في حالة، أو حالتين، أو بعض المسائل، هذا كفر أصغر، هذا يكاد يكون إجماعا من أهل السنة، ولكن الذي يجعل دستورًا يتحاكم إليه الناس كما هو حاصل في أغلب البلاد الإسلامية، فهذا كفر أكبر كما قال محمد بن إبراهيم -رحمه الله- واختاره صالح آل الشيخ على ما أظن في شرح الأصول الثلاثة، وكتاب التوحيد».

ولرد هذه الشبهة أقول: 
سأجيب على فرض التسليم لك بصحة نسبة هذا القول إلى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- والشيخ صالح آل الشيخ -سلمه الله-، بالفهم الذي فهمته أنت؛ 

اعلم -هداك الله لقبول الحق والرجوع إليه- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يجوّز لنا الخروج على الحاكم إلا «إذا رأينا منه كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان» وهذه الجملة جاءت في حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- في الصحيح.

وتتضمن لجواز الخروج على الحاكم الأمور التالية:

الأول: «مالم تروا»، يعني يثبت لدينا بيقين كالرؤية بالعين.

الثاني: أن يكون ذلك جماعياً؛ لدلالة واو الجماعة.

الثالث: أن يكون ما صدر منه ورأيناه «كفراً» لا من باب الكبائر، والمعاصي.

الرابع: «بواحًا» أن يكون ظاهراً

الخامس: «عندكم فيه من الله برهان» يعني لا اختلاف فيه.

ولو نظرت إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «عندكم فيه من الله برهان»، لعلمت أن معنى ذلك أن القضية التي اختلف في كونها كفراً لا يجوز أن يكفر بها الحاكم.

وهذه المسألة التي نسبتها إلى سماحة المفتي محمد بن إبراهيم -رحمه الله وأعلى درجته في عليين-، وحفيده فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ تسمى مسألة (التكفير بالتشريع العام)، هي محل خلاف فقد سئل عنها سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- (كما في شريط الدمعة البازية) فلم يفرق بين مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، و بين مسألة التشريع العام، وجعل حكمهما واحداً، وكذا الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-، وكذا الشيخ الألباني -رحمه الله-! ولذلك طاشت عقول بعض الناس فنبزوا المشايخ الثلاثة هؤلاء بـ (ثالوث الإرجاء)، عامل الله النابزين لهم بما يستحقون.

وعلى هذا الذي عليه ابن باز والألباني وابن عثيمين جماهير طلابهم.

ومعنى ذلك أن مسألة التكفير بالتشريع العام المخالف من أي جهة هو متأول، والتأول مانع من موانع التكفير، فالمسألة ليس فيها من الله برهان، فلا يجوز تكفير الحكام بها!

قلت لك: كلامي على التنزل بصحة فهمك لكلام سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ صالح آل الشيخ! وإلا فإن الذي أفهمه أن مناط التكفير ليس هو التشريع العام؛ لأن القضية الكفرية لا فرق فيها بين قليلها وكثيرها، فمن قتل نبياً عالمًا عامدًا غير مكره، كافر كمن قتل جملة من الأنبياء لا فرق بين قتله لنبي واحد، أو لقتله لجملة من الأنبياء، ومن دعس على المصحف برجله عالمًا عامداً غير مكره، كافر وكذا من داسه برجله وقفز عليه عدة مرات لا فرق بين فعله مرة أو مرات؛ لأن عمله هذا كفر فإذا ثبتت الشروط وانتفت الموانع، كفر لا فرق بين كثيره وقليله، وكذا في مسألة التشريع العام لا يظهر لي أن مناط القضية عند سماحة الشيخ هي المرة والمرتين أو التشريع العام، بل مناط القضية هي تحقق وجود كفر الإعراض والتولي الذي هو نوع مستقل من الكفر، ولذلك لو تأملت كلامه ظهر أنه يجعل هذا الموضوع هو مناط المسألة، وهو واضح، ففي الحال التي يتحقق فيه أنه كفر إعراض وتولي فهو كفر أكبر عند الشيخ، ولا ينازع في ذلك أحد بصفة عامة، لكن التنزيل على واقع التشريع العام فيه نظر.

ومن نظر في السياق الزماني لكلام سماحته ينتبه إلى أمر آخر وهو بداية ظهور القوانين الوضعية في البلاد الإسلامية، وشاهد ذلك كلام أحمد شاكر في القضية نفسها.


وهذا يجعل حمل كلامه بالفهم الذي ذكره صاحب الشبهة فيه نظر، والله أعلم.