كلام ابن الجزري -رحمه الله- في تفسير المراد من الحديث: "من قرأ حرفًا من كتاب الله ... لا أقول (الم) حرف، ولكن ألف حرف و لا م حرف وميم حرف"؛
قال رحمه الله في كتابه النشر في القراءات العشر (2/ 453 – 455): "
وَقَدْ سَأَلْتُ شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا الْمُرَادُ بِالْحَرْفِ فِي الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ: الْكَلِمَةُ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ لَا أَقُولُ " الم " حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الصَّحِيحُ إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَرْفِ حَرْفَ الْهِجَاءِ لَكَانَ أَلِفٌ بِثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ، وَلَامٌ بِثَلَاثَةٍ وَمِيمٌ بِثَلَاثَةٍ.
وَقَدْ يَعْسُرُ عَلَى فَهْمِ بَعْضِ النَّاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَفَطَّنَ لَهُ فَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُهُ.
وَقَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنَ الْحَنَابِلَةِ : إِنَّهُ رَأَى هَذَا فِي كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مَنْصُوصًا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.
وَلَكِنْ رُوِّينَا فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَوْنِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ مَرْفُوعًا (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً، لَا أَقُولُ " بِسْمِ اللَّهِ " وَلَكِنْ بَاءٌ وَسِينٌ وَمِيمٌ، وَلَا أَقُولُ " الم " وَلَكِنِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ) ، وَهُوَ إِنْ صَحَّ لَا يَدُلُّ عَلَى غَيْرِ مَا قَالَ شَيْخُنَا.
ثُمَّ رَأَيْتُ كَلَامَ بَعْضِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ: وَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ زِيَادَةُ حَرْفٍ مِثْلَ " فَأَزَلَّهُمَا " وَ " أَزَالَهُمَا " وَ " وَصَّى " وَ " أَوْصَى " فَهِيَ الْأُولَى لِأَجْلِ الْعَشْرِ حَسَنَاتٍ، نَقَلَهُ حَرْبٌ.
(قُلْتُ) : وَهَذَا التَّمْثِيلُ مِنِ ابْنِ مُفْلِحٍ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِالْحَرْفِ - اللَّفْظِيَّ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ " وَصَّى " وَ " أَوْصَى "، وَلَا بَيْنَ " أَزَالَهُمَا " وَ " أَزَلَّهُمَا "، إِذِ الْحَرْفُ الْمُشَدَّدُ بِحَرْفَيْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُمَثِّلَ بِنَحْوِ " مَالِكِ " وَ " مَلِكِ "، وَ "يَخْدَعُونَ " وَ " يُخَادِعُونَ "، ثُمَّ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَاخْتَارَ شَيْخُنَا أَنَّ الْحَرْفَ الْكَلِمَةُ.
(قُلْتُ) : يَعْنِي شَيْخَهُ الْإِمَامَ أَبَا الْعَبَّاسِ ابْنَ تَيْمِيَةَ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ رَأَيْتُ كَلَامَهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْمَنْطِقِ فَقَالَ: وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الِاسْمِ وَحْدَهُ كَلِمَةً وَالْفِعْلِ وَحْدَهُ كَلِمَةً وَالْحَرْفِ وَحْدَهُ كَلِمَةً مِثْلَ هَلْ وَبَلْ فَهَذَا اصْطِلَاحٌ مُخْتَصٌّ بِبَعْضِ النُّحَاةِ لَيْسَ هَذَا مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا تُسَمِّي الْعَرَبُ هَذِهِ الْمُفْرَدَاتِ حُرُوفًا، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ " الم " - يَعْنِي: أَلِفْ لَامْ مِيمْ - حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ).
وَالَّذِي عَلَيْهِ مُحَقِّقُو الْعُلَمَاءِ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرْفِ الِاسْمُ وَحْدَهُ وَالْفِعْلُ وَحْدَهُ، وَحَرْفُ الْمَعْنَى، لِقَوْلِهِ " أَلِفٌ حَرْفٌ "، وَهَذَا اسْمٌ. وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ الْخَلِيلُ أَصْحَابَهُ عَنِ النُّطْقِ بِالزَّايِ مِنْ زَيْدٍ فَقَالُوا: زَايٌ فَقَالَ: نَطَقْتُمْ بِالِاسْمِ، وَإِنَّمَا الْحَرْفُ زَهْ. ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ، وَهُوَ وَاضِحٌ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ عَنْ حَرْبٍ وَمَثَّلَ بِهِ - تَصَرُّفٌ مِنْهُ، وَإِلَّا فَلَا يَقُولُ مِثْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إِنَّ " أَزَالَ "، أَوْلَى مِنْ " أَزَّلَ "، وَلَا " أَوْصَى "، أَوْلَى مِنْ " وَصَّى " لِأَجْلِ زِيَادَةِ حَرْفٍ، وَلِلْكَلَامِ عَلَى هَذَا مَحَلٌّ غَيْرُ هَذَا وَالْقَصْدُ تَعْرِيفُ ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -."اهـ