مجلس الشريف نواف آل غالب سلمه الله (32)
= قال الشريف أنا زرت الألباني يرحمه الله في الأردن، عام 1406هـ، ورأيته وهو يصلي في المسجد ويشير بأصبعه ويحركه رفعاً وخفضاً.
فقلت : أنا قابلت الشيخ الألباني رحمه الله في آخر زيارة له للمملكة العربية السعودية، وذلك عام 1410هـ، وركبت معه السيارة، ومشينا ولما أذن المغرب صلينا في أقرب مسجد كان في طريقنا، ورأيت الشيخ وهو يشير بإصبعه يوميء إيماء يسيراً، حركة يسيرة لا تصل إلى درجة الرفع والخفض.
فقال الشريف : أجل هذا آخر ما فعل الشيخ في حركة الأصبع.
قلت: أنا تكلمت مع الشيخ لما رأيته وقلت له: كنت أسمع كلامك في الأشرطة في شرح حركة الأصبع، وما تصورتها إلا لما رأيتكم جزاكم الله خيراً. فأكد الشيخ أن نعم هو كذلك!
= ثم فتحت مسألة متابعة الإمام على ما يفعل، فقال سيادة الشريف: في أحد الأشرطة للشيخ الألباني، لما جاء إلى جدة، وضع الشيخ يده اليمنى على اليسرى على صدره في الصلاة بعد الركوع. فسئل الشيخ : هل تراجعتم عن قولكم بعدم مشروعية وضع اليدين على الصدر بعد الركوع؟ فقال الشيخ الألباني: لا ، لم أتراجع، ولكني لما شاهدت الإمام يضع يديه بعد الركوع وافقته، عملاً بحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به".
فقلت: والشيخ يؤيد ما يذهب إليه بما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه، من أنه لما صلى خلف عثمان بمنى أتم، فلما سئل: أليست السنة القصر؟ قال: بلى. ولكن الخلاف شر، لا تختلفوا على أئمتكم. فيقول: ابن مسعود ترك السنة متابعة للإمام!
قلت: وعندي في هذا نظر؛ فإن القول بمتابعة الإمام على خلاف السنة لا يظهر لي وجهه، وأما حديث : "إنما جعل الإمام ليؤتم به"، فمعناه في تمامه، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكِبَ فَرَسًا، فَصُرِعَ عَنْهُ فَجُحِشَ شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَصَلَّى صَلاَةً مِنَ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ قُعُودًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، فَإِذَا رَكَعَ، فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ، فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَائِمًا، فَصَلُّوا قِيَامًا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا، فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ".
ويؤيد هذا ، أن مسألة الجلوس وراء الإمام أفردها الرسول صلى الله عليه بالذكر، وفي مرض موته صلى أبو بكر والناس قياما والرسول صلى الله عليه وسلم جالساً، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فِي مَرَضِهِ»، فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً، فَخَرَجَ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ يَؤُمُّ النَّاسَ، فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ اسْتَأْخَرَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ: «أَنْ كَمَا أَنْتَ»، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِذَاءَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ أَبِي بَكْرٍ ".
فهذا يدل أن المأموم لا يوافق الإمام في كل حال، وعلى كل حال، فلا يصلح التمسك ب : "إنما جعل الإمام ليؤتم به"!
وما ورد عن ابن مسعود ليس فيه أنه ترك السنة، بل فيه أن المسافر له الإتمام ، وله القصر، فلما أتم عثمان لم يخالفه ابن مسعود لذلك، وهذا هو ما قرره ابن عبدالبر في الاستذكار رحم الله الجميع.