السياسة من الدين!
ما معنى لا تفريق بين الدين والسياسة، فإن السياسة من الدين؟
معنى ذلك أن أحكام العلاقات الدولية الخارجية للدولة المسلمة يحكمها الإسلام، وأن أحكام العلاقة بين الراعي والرعية يحكمها الإسلام!
وليس معنى ذلك أن يتدخل كل أحد من المسلمين في السياسة مع ولاة الأمر!
وليس معنى ذلك أن يكون لكل مسلم في ذلك رأي ومشاركة!
وعليه؛ فإن الفصل بين السياسة والدين والتفريق بينهما بمعنى أن يوسد الأمر إلى أهله، وأن نلزم السمع والطاعة لولي أمرنا ليس هذا من المذموم شرعاً، بل هو الدين!
وهؤلاء يصورون أن عدم المشاركة في السياسة، وأن ترك ولاة الأمر يسوسون البلاد والعباد، هو من الفصل بين الدين والسياسة!
ويصورون للناس أن مشاركتهم في السياسة والتدخل في عمل ولاة الأمر من الدين، بل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهذا خلاف ما عليه أهل السنة أهل الحق!
أخرج البخاري في كتاب الففتن، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سترون بعدي أثرة"، حديث رقم (7056)، ومسلم في كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، حديث رقم (1709).
عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ: فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
قال ابن عبدالبر رحمه الله في (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد 23/ 278 – 279): "وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ؛
فَقَالَ قَائِلُونَ : (أَهْلُهُ) أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ وَالدِّينِ فَهَؤُلَاءِ لَا ينازعون ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُهُ وَأَمَّا أَهْلُ الْجَوْرِ وَالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ فَلَيْسُوا لَهُ بِأَهْلٍ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لإبرهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ ﴿قَال َإِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا، قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾. وَإِلَى مُنَازَعَةِ الظَّالِمِ الْجَائِرِ ذَهَبَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَعَامَّةِ الْخَوَارِجِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْحَقِّ وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ فَقَالُوا : هَذَا هُوَ الِاخْتِيَارُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ فَاضِلًا عَدْلًا مُحْسِنًا؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ الْجَائِرِينَ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَوْلَى مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي مُنَازَعَتِهِ وَالْخُرُوجِ عَلَيْهِ اسْتِبْدَالَ الْأَمْنِ بِالْخَوْفِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُ عَلَى هِرَاقِ الدِّمَاءِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَفِسْقِهِ وَالْأُصُولُ تَشْهَدُ وَالْعَقْلُ وَالدِّينُ أَنَّ أَعْظَمَ الْمَكْرُوهَيْنِ أَوْلَاهُمَا بِالتَّرْكِ وَكُلُّ إِمَامٍ يُقِيمُ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَ وَيُجَاهِدُ الْعَدُوَّ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَى أَهْلِ الْعَدَاءِ وَيُنْصِفُ النَّاسَ مِنْ مَظَالِمِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَتَسْكُنُ لَهُ الدَّهْمَاءُ وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ فَوَاجِبٌ طَاعَتُهُ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ مِنَ الصَّلَاحِ أَوْ مِنَ الْمُبَاحِ"اهـ