خلفيات علمية (11)
كلما زاد علمك:
- اتسع أفقك،
- وعذرت غيرك،
- وانتبهت إلى قصورك.
- اتسع أفقك،
- وعذرت غيرك،
- وانتبهت إلى قصورك.
هذه القضية محلها في المسائل الاجتهادية، في دائرة السنة،
ومثلها: اختلافنا في الرأي لا يفسد للود قضية.
قال أبو المظفر السمعاني، ونقله عنه ابن القيم كما في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 603) ونقله الشاطبي في الاعتصام (ص: 453) دون التصريح باسم السمعاني: «وَكَانَ السَّبَبُ فِي اتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ؛ أَنَّهُمْ أَخَذُوا الدِّينَ مِنَ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَطَرِيقِ النَّقْلِ، فَأَوْرَثَهُمُ الِاتِّفَاقَ وَالِائْتِلَافَ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ أَخَذُوا الدِّينَ مِنْ عُقُولِهِمْ؛ فَأَوْرَثَهُمُ التَّفَرُّقَ وَالِاخْتِلَافَ، فَإِنَّ النَّقْلَ وَالرِّوَايَةَ مِنَ الثِّقَاتِ وَالْمُتْقِنِينَ قَلَّمَا تَخْتَلِفُ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي لَفْظِهِ أَوْ كَلِمِهِ فَذَلِكَ الِاخْتِلَافُ لَا يَضُرُّ الدِّينَ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَأَمَّا الْمَعْقُولَاتُ وَالْخَوَاطِرُ، وَالْأَرَاءُ فَقَلَّمَا تَتَّفِقُ، بَلْ عَقْلُ كُلِّ وَاحِدٍ وَرَأْيُهُ وَخَاطِرُهُ يُرِي صَاحِبَهُ غَيْرَ مَا يُرِي الْآخَرَ.
قَالَ: وَبِهَذَا يَظْهَرُ مُفَارَقَةُ الِاخْتِلَافِ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ اخْتِلَافَ الْعَقَائِدِ فِي الْأُصُولِ، فَإِنَّا وَجَدْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ- اخْتَلَفُوا بَعْدَهُ فِي أَحْكَامِ الدِّينِ، فَلَمْ يَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَكُونُوا شِيَعًا، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوا الدِّينَ، وَنَظَرُوا فِيمَا أُذِنَ لَهُمْ؛ فَاخْتَلَفَت أَقْوَالُهُمْ وَآرَاؤُهُمْ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ، كَمَسْأَلَةِ الْجَدِّ، وَالْمُشْرِكَةِ، وَذَوِي الْأَرْحَامِ، وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَصَارُوا بِاخْتِلَافٍ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَحْمُودِينَ، وَكَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الِاخْتِلَافِ رَحْمَةً لِهَذِهِ الْأُمَّةِ حَيْثُ أَيَّدَهُمْ بِالتَّوْفِيقِ وَالْيَقِينِ، ثُمَّ وَسَّعَ عَلَى الْعُلَمَاءِ النَّظَرَ فِيمَا لَمْ يَجِدُوا حُكْمَهُ فِي التَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ، وَكَانُوا مَعَ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَهْلَ مَوَدَّةٍ وَنُصْحٍ، وَبَقِيَتْ بَيْنَهُمْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُمْ نِظَامُ الْأُلْفَةِ، فَلَمَّا حَدَثَتْ هَذِهِ الْأَهْوَاءُ الْمُرْدِيَةُ الدَّاعِيَةُ أَصْحَابَهَا إِلَى النَّارِ، وَصَارُوا أَحْزَابًا؛ انْقَطَعَتِ الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ، وَسَقَطَتِ الْأُلْفَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّنَائِيَ، وَالْفُرْقَةَ إِنَّمَا حَدَثَ فِي الْمَسَائِلِ الْمُحْدَثَةِ الَّتِي ابْتَدَعَهَا الشَّيْطَانُ أَلْقَاهَا عَلَى أَفْوَاهِ أَوْلِيَائِهِ؛ لِيَخْتَلِفُوا وَيَرْمِيَ بَعْضُهَا بَعْضًا بِالْكُفْرِ،
فَكُلُّ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَخَاضَ فِيهَا النَّاسُ وَاخْتَلَفُوا، وَلَمْ يُورِثْ هَذَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةً وَلَا نَقْصًا وَلَا تَفَرُّقًا، بَلْ بَقِيَتْ بَيْنَهُمُ الْأُلْفَةُ وَالنَّصِيحَةُ وَالْمَوَدَّةُ، وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ، عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ الْإِسْلَامِ يَجُوزُ النَّظَرُ فِيهَا، وَالْآخَرُ يَقُولُ مِنْ تِلْكَ الْأَقْوَالِ مَا لَا يُوجِبُ تَبْدِيعًا وَلَا تَكْفِيرًا كَمَا ظَهَرَ مِثْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَعَ بَقَاءِ الْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ،
وَكُلُّ مَسْأَلَةٍ حَدَثَتْ فَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَأَوْرَثَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ التَّوَلِّيَ وَالْإِعْرَاضَ وَالتَّدَابُرَ وَالتَّقَاطُعَ، وَرُبَّمَا ارْتَقَى إِلَى التَّكْفِيرِ، عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، بَلْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي عَقْلٍ أَنْ يَجْتَنِبَهَا وَيُعْرِضَ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا.
إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى شَرْطًا فِي تَمَسُّكِنَا بِالْإِسْلَامِ أَنْ نُصْبِحَ فِي ذَلِكَ إِخْوَانًا، فَقَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}»اهـ.