سؤال:
«نشرت ضمن سلسلة (خطر في بالي): «أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد» هو من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بواقع أنه إمام وولي أمر المسلمين، فهذا من شأن ولاة الأمر من بعده -صلى الله عليه وسلم-، وليس من شأن عموم المسلمين، فلا يجوز أن يعمل عامة المسلمين كتيبة أو جماعة لتقاتل الخوارج، أو تدخل معهم في قتال، وإنما يكون هذا من جهة ولي الأمر.
وبهذا الحديث يعتبر ترك ولي الأمر قتالهم واستئصالهم حتى لا يبقى منهم أحد، يعتبر تقصيرًا في قيامه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه. والله الموفق»اهـ.
وأشكل علي قولكم: «وبهذا الحديث يعتبر ترك ولي الأمر قتالهم واستئصالهم حتى لا يبقى منهم أحد، يعتبر تقصيرًا في قيامه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه».
هل ترك ولي الأمر لقتال الخوارج يعد تقصيرا بإطلاق؟ أم لا بد أن يكون ذلك مقيدًا بشرط القدرة؛ لأن القاعدة تقول: (لا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة).
وإشكال آخر: قولكم: «قتالهم واستئصالهم»اهـ. فعطفت (استئصالهم) على (قتالهم)، والإشكال أن قتالهم قد وردت فيه أحاديث، وأن قتالهم مقدم على قتال اليهود والنصارى، لكن استئصالهم -ومعناه: إزالتهم من الأساس، واقتطاعهم من الأصل- لا يكون -في نظري وقد أكون مخطئًا- لأمرين:
الأول: الأحاديث الواردة في ذلك في حرمة قتال مدبرهم والأسير، والله أعلم، وهذا يتنافى مع استئصالهم!
ثانيًا: قدرًا وكونًا، حيث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «كلَّما خرجَ منهم قرنٌ قُطِعَ، كلَّما خَرجَ منهم قرنٌ قُطِعَ -حتَّى عدَّها زيادةً على عَشرةِ مرَّاتٍ- كلَّما خرجَ منهم قرنٌ قُطِعَ، حتَّى يخرُجَ الدَّجَّالُ في بقيَّتِهِم» أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-. فكيف يستأصلون ويبقى منهم ما يبقى حتى يخرج فيهم الدجال؟».
والجواب:
الحمد لله.
والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأمّا ما ذكرت من أن الأمر مقيد بالقدرة والاستطاعة وعدم المانع، فهو كما ذكرت -سلمك الله-، وهذه قاعدة الشرع أن القدرة مناط التكليف، ولا يحتاج الفقيه أن يكررها في كل موضع، ونصوص الشرع جاءت متضمنه أوامر، ولم يذكر في كل نص تضمن أمراً واجباً تقييده بالقدرة في كل محل، اكتفاء بالقاعدة، وإلى ذلك أشار الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه البخاري تحت رقم: (7288)، ومسلم تحت رقم: (1337) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
ولهذا لم أحتج إلى تقييد عبارتي -بارك الله فيك-.
وأما ما ذكرته في استئصالهم؛ فكلامك صحيح في حق البغاة، أما الخوارج وهم موضوع كلامي، فإن حكمهم غير حكم البغاة، قال ابن قدامة في المغني (8/ 526): «وَالصَّحِيحُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنَّ الْخَوَارِجَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ ابْتِدَاءً، وَالْإِجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ؛ لِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَتْلِهِمْ وَوَعْدِهِ بِالثَّوَابِ مَنْ قَتَلَهُمْ، فَإِنَّ عَلِيًّا، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: لَوْلَا أَنْ يَنْظُرُوا، لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وَلِأَنَّ بِدْعَتَهُمْ، وَسُوءَ فِعْلِهِمْ، يَقْتَضِي حِلَّ دِمَائِهِمْ؛ بِدَلِيلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ عِظَمِ ذَنْبِهِمْ، وَأَنَّهُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، وَأَنَّهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ، وَأَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ، وَحَثِّهِ عَلَى قَتْلِهِمْ، وَإِخْبَارِهِ بِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَهُمْ لَقَتَلَهُمْ قَتْلَ عَادٍ»اهـ،
وقتلهم واستئصالهم هو ما أشار إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أنه كلما طلع لهم قرن قطع!
هذا ما لزم.
بارك الله فيكم، وسدد خطاكم، وجزاكم الله خيراً على تنبيهكم بالسؤال، وفق الله الجميع لطاعته.