خبر
الكتاب: (31).
قيل عن كتاب الفخر الرازي في التفسير :
فيه كل شيء إلا التفسير .
بسبب كثرة المباحث الكلامية والتفريعات
الموجودة فيه.
ومع ذلك فقد قيل: كتابان في التفسير
يغنيان عن كتب التفسير ولا يغني عنهما كتاب؛
تفسير الرازي وتفسير
القرطبي الجامع لأحكام القرآن .
قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله:
"جَرَتْ عَادَتُنَا: أَنَّ كُلَّ قَاعِدَةٍ فِي عِلْمٍ مِنَ الْعُلُومِ
يُرْجَعُ فِي تَقْرِيرِهَا إِلَى ذَلِكَ الْعِلْمِ، وَنَأْخُذُهَا فِي عِلْمِ
التَّفْسِيرِ مُسَلَّمَةً مِنْ ذَلِكَ الْعِلْمِ، وَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِ ذَلِكَ
فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ، فَنَخْرُجَ عَنْ طَرِيقَةِ التَّفْسِيرِ، كَمَا فَعَلَهُ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بن عمر الرَّازِيُّ، الْمَعْرُوفُ بِابْنِ خَطِيبِ
الرَّيِّ، فَإِنَّهُ جَمَعَ فِي كِتَابِهِ فِي التَّفْسِيرِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً
طَوِيلَةً، لَا حَاجَةَ بِهَا فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ. وَلِذَلِكَ حُكِيَ عَنْ
بَعْضِ الْمُتَطَرِّفِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ: فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ
إِلَّا التَّفْسِيرَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْخُطْبَةِ مَا
يَحْتَاجُ إِلَيْهِ عِلْمُ التَّفْسِيرِ. فَمَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ
فُضُولٌ فِي هَذَا الْعِلْمِ.
وَنَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ
وَغَيْرُهُ؛
أَنَّ النَّحْوِيَّ مَثَلًا يَكُونُ
قَدْ شَرَعَ فِي وَضْعِ كِتَابٍ فِي النَّحْوِ، فَشَرَعَ يَتَكَلَّمُ فِي
الْأَلِفِ الْمُنْقَلِبَةِ، فَذَكَرَ أَنَّ الْأَلِفَ فِي اللَّهِ، أَهِيَ
مُنْقَلِبَةٌ مِنْ يَاءٍ أَوْ وَاوٍ؟
ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى
الْكَلَامِ فِي اللَّهِ تَعَالَى، فِيمَا يَجِبُ لَهُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ
وَيَسْتَحِيلُ.
ثُمَّ اسْتَطْرَدَ إِلَى جَوَازِ
إِرْسَالِ الرُّسُلِ مِنْهُ تَعَالَى إِلَى النَّاسِ.
ثُمَّ اسْتَطْرَدَ إِلَى أَوْصَافِ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.
ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى
إِعْجَازِ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَصِدْقِ مَا تَضَمَّنَهُ.
ثُمَّ اسْتَطْرَدَ إِلَى أَنَّ مِنْ
مَضْمُونِهِ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
ثُمَّ الْمُثَابُونَ فِي الْجَنَّةِ لَا
يَنْقَطِعُ نَعِيمُهُمْ، وَالْمُعَاقَبُونَ فِي النَّارِ لَا يَنْقَطِعُ
عَذَابُهُمْ.
فَبَيْنَا هُوَ فِي عِلْمِهِ يَبْحَثُ
فِي الْأَلِفِ الْمُنْقَلِبَةِ، إِذَا هُوَ يَتَكَلَّمُ فِي الْجَنَّةِ
وَالنَّارِ، وَمَنْ هَذَا سَبِيلُهُ فِي الْعِلْمِ، فَهُوَ مِنَ التَّخْلِيطِ
وَالتَّخْبِيطِ فِي أَقْصَى الدَّرَجَةِ، وَكَانَ أُسْتَاذُنَا الْعَلَّامَةُ
أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ إبراهيم بْنِ الزُّبَيْرِ الثَّقَفِيُّ، ... يَقُولُ
مَا مَعْنَاهُ: مَتَى رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِلُ مِنْ فَنٍّ إِلَى فَنٍّ فِي
الْبَحْثِ أَوِ التَّصْنِيفِ، فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ، إِمَّا لِقُصُورِ عِلْمِهِ
بِذَلِكَ الْفَنِّ، أَوْ لِتَخْلِيطِ ذِهْنِهِ وَعَدَمِ إِدْرَاكِهِ، حَيْثُ
يَظُنُّ أَنَّ الْمُتَغَايِرَاتِ مُتَمَاثِلَاتٌ"اهـ([1]).
ويعاب تفسير الرازي زيادة على ما ذكره
أبو حيان ببدعته .
وببذله الجهد في الاستدلال للمخالفين.
وبضعفه عند الرد، وإحالته، لأنه استفرغ
جهده في الاستدلال له، فيفتر عند الرد. قال ابن حجر رحمه الله عن الفخر الرازي:
"وكان يعاب بإيراد الشبه الشديدة ويقصر في حلها، حتى قال بعض المغاربة : يورد
الشبه نقد ويحلها نسيئة. وقد ذكره ابن دحية بمدح وذم وذكره ابن شامة فحكى عنه
أشياء ردية"اهـ([2]).
قلت: الاستطراد يذم إذا فيه خروج عن
موضوع الكلام بالكلية، أمّا إذا كان لخدمة الموضوع، وما يتعلق به، ويفيد في فهمه
ومعرفته، ليس مما يذم، بل هو من أساليب العرب وأفانينهم وسننهم!