خبر
الكتاب: (26).
لكل كتاب قصة في تأليفه تكون باعثا
مباشرا عليه.
وكم من بحث كتبته كان باعثه مناقشات
علمية جرت في مجلس الشريف نواف آل غالب حفظه الله. ولعلي أعود واذكر ذلك إن شاء
الله.
يذكرون عن البخاري صاحب الصحيح أنه في أول
طلبه جلس في مجلس إسحاق بن راهوية ليتعلم . فسمع إسحاق يقول : لو أن أحدكم يجمع الأحاديث
الصحيحة ويقربها للناس . فوقع ذلك في قلب البخاري فسافر ورحل في طلب الحديث وهو
يضع هذا نصب عينه فانجز تصنيف كتابه في 16 سنة . وهو في آخر العقد الثالث تقريبا.
قال ابن حجر رحمه الله: "حرك همة
[البخاري] لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين وقوى عزمه على ذلك ما سمعه
من أستاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المعروف بابن
راهويه وذلك فيما أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج
المزي أخبرنا يوسف بن يعقوب أخبرنا أبو اليمن الكندي أخبرنا أبو منصور القزاز
أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم
سمعت خلف بن محمد البخاري بها يقول سمعت إبراهيم بن معقل النسفي يقول:
قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل
البخاري : كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح .
وروِّينا بالإسناد الثابت عن محمد بن
سليمان بن فارس قال سمعت البخاري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه و سلم وكأنني
واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب بها عنه فسألت بعض المعبرين فقال لي: أنت تذب عنه
الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح"اهـ([1]).
يذكرون أن الطبري رحمه الله صاحب
التفسير خرج مرة على طلابه وقال لهم : هل تنشطون لكتابة التفسير؟ فقالوا : في كم
يكون رحمك الله ؟ قال : في ثلاثة آلاف ورقة! فكأنهم استكثروها ... فاختصره لهم وأملاه
عليهم .
القاضي أبو عبد الله القضاعي: حدثنا علي
بن نصر بن الصباح، حدثنا أبو عمر عبيد الله بن أحمد السمسار، وأبو القاسم بن عقيل
الوراق: أن أبا جعفر الطبري قال لأصحابه: هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى
وقتنا ؟ قالوا: كم قدره ؟ فذكر نحوه ثلاثين ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار
قبل تمامه ! فقال: إنا لله ! ماتت الهمم.
فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة.
ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم
نحوا من ذلك، ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ"اهـ([2]).