التقليد منه مذموم وممدوح:
قال ابن تيمية -رحمه الله- (مجموع الفتاوى 4/200-203): «التقليد المذموم: هو قبول قول الغير بغير حجة؛ كالذين ذكر الله عنهم أنهم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ}. (البقرة:170). وقال تعالى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ}. (الصافات:69-70)، ونظائر هذا في القرآن كثير،
فمن اتبع دين آبائه وأسلافه لأجل العادة التي تعودها، وترك اتباع الحق الذي يجب اتباعه، فهذا هو المقلد المذموم، وهذه حال اليهود والنصارى؛
بل أهل البدع والأهواء في هذه الأمة، الذي اتبعوا شيوخهم ورؤساءهم في غير الحق؛ كما قال تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}. (الأحزاب:67-68). وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَاوَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً}. (الفرقان: 27-29). وقال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ}. (البقرة:166-167). وقال تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنْ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ}. (غافر:47-48).
وأمثال ذلك: مما فيه بيان أن من أطاع مخلوقًا في معصية الله، كان له نصيب من هذا الذم والعقاب. والمطيع للمخلوق في معصية الله ورسوله: إما أن يتبع الظن؛ وإما أن يتبع ما يهواه، وكثير يتبعهما...،
وبيان ذلك: أن الشخص إما أن يبين له أن ما بعث الله به رسوله حق، ويعدل عن ذلك إلى أتباع هواه، أو يحسب أن ما هو عليه من ترك ذلك هو الحق، فهذا متبع للظن، والأول متبع لهواه، ...وكل من يخالف الرسل هو مقلد متبع لمن لا يجوز له اتباعه...،
فإذا تبين أن المقلد مذموم -وهو من اتبع هوى من لا يجوز اتباعه- كالذي يترك طاعة رسل الله، ويتبع ساداته وكبرائه، أو يتبع الرسول ظاهرًا من غير إيمان في قلبه»اهـ.
وقال -رحمه الله- مجموع الفتاوى (27/125): «ومن ترك النقل المصدق عن القائل المعصوم، واتبع نقلاً غير مصدق عن قائل غير معصوم، فقد ضل ضلالاً بعيدا»اهـ.
فإن قيل: هل قبول قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقبول العامي قول المفتي مذموم؟
فالجواب:
لا؛ لأننا أمرنا باتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والأخذ بما جاء به، قال تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ}. (الحشر:7).
وكذا العامي أمر بسؤال أهل الذكر، والأخذ بقولهم، قال -تبارك وتعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. (النحل:43).
ويتحصل: أن التقليد منه مذموم وممدوح؛
فالمذموم: قبول قول القائل بلا حجة.
والممدوح:
- قبول قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأننا نصدق برسالته، ومأمورون باتباعه.
- وقبول العامي فتوى من يثق بتقواه وورعه.
واتباع سبيل المؤمنين؛ لأننا أمرنا بذلك، في قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. (النساء:115).
فكل ما أدى إلى قبول الحق، واتباعه، والأخذ به؛ فهو ممدوح. وكل ما أدى إلى رد الحق، وقبول الباطل، والعمل به؛ فهو مذموم.