يقول الله -تبارك وتعالى-: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}. (الأنعام:26).
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ: «نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ أَذَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَمْنَعُهُمْ وَيَنْأَى عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ،
أَيْ: يَبْعُدُ، حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ رُءُوسُ الْمُشْرِكِينَ وَقَالُوا: «خُذْ شَابًّا مِنْ أَصْبَحِنَا وَجْهًا، وَادْفَعْ إِلَيْنَا مُحَمَّدًا».
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: «مَا أَنْصَفْتُمُونِي أَدْفَعُ إِلَيْكُمْ وَلَدِي؛ لِتَقْتُلُوهُ، وَأُرَبِّي وَلَدَكُمْ؟!».
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَاهُ إِلَى الْإِيمَانِ، فَقَالَ: «لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرُنِي قُرَيْشٌ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، وَلَكِنْ أَذُبُّ عَنْكَ مَا حَيِيتُ».
وَقَالَ فِيهِ أَبْيَاتًا:
وَاللَّهِ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ بِجَمْعِهِمْ حَتَّى أُوَسَّدَ فِي التُّرَابِ دَفِينًا
فَاصْدَعْ بِأَمْرِكَ مَا عَلَيْكَ غَضَاضَةٌ وَابْشِرْ بِذَاكَ وَقِرَّ بِذَاكَ مِنْكَ عُيُونًا
وَدَعَوْتَنِي وَعَرَفْتُ أَنَّكَ نَاصِحِي وَلَقَدْ صَدَقْتَ وَكُنْتَ ثَمَّ أَمِينًا
وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّهُ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينًا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارُ سُبَّةً لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينًا.
وفي هذا فوائد منها:
- أن الإيمان لابد فيه من العمل مع التصديق والحب والتعظيم؛ فهذا أبو طالب صدق وأحب، ومع ذلك لم يعد مؤمناً؛ لأنه لم يعمل، فالعمل مع القدرة وعدم المانع ركن من أركان الإيمان، فلا إيمان بدون عمل، فكما لم ينفع إبليس معرفته بالله بدون حب وتعظيم وعمل، كذا لم ينفع أبا طالب تصديقه وحبه بدون عمل وتعظيم.
- وفيه أن مجرد خوف الناس، وخوف لومهم، وخوف العيب منهم لا يعد مانعاً من قبول الحق، فلا يعذر من كان هذا شأنه في تركه للحق.