أيها الرافضي... إن للباطل جولة، وللحق جولات!
قال الشوكاني -رحمه الله- في كتابه (قطر الولي 283 – 284):
«اعْلَم أَن بقايا الْمَجُوس، وَطَوَائِف الشّرك والإلحاد لما ظَهرت الشَّرِيعَة الإسلامية، وقهرتهم الدولة الإيمانية، وَالْملَّة المحمدية، وَلم يَجدوا سَبِيلاً إِلَى دَفعهَا بِالسَّيْفِ، وَلَا بِالسِّنَانِ، وَلَا بِالْحجَّةِ والبرهان، ستروا مَا هم فِيهِ من الْإِلْحَاد والزندقة بحيلة تقبلهَا الأذهان وتذعن لَهَا الْعُقُول.
فانتموا إِلَى أهل الْبَيْت المطهرين، وأظهروا محبتهم وموالاتهم، كذبًا وافتراءً، وهم فِي الْبَاطِن أعظم أعدائهم، وأكبر الْمُخَالفين [لَهُم] . ثمَّ كذبُوا على أكابرهم الجامعين بَين الْعلم وَالدّين، الْمَشْهُورين بالصلاح والرشد، فَقَالُوا: «قَالَ الإِمَام فلَان كَذَا، وَقَالَ الإِمَام فلَان كَذَا»، وجذبوا جمَاعَة من الْعَامَّة الَّذين لَا يفهمون وَلَا يعْقلُونَ، فتدرجوا مَعَهم بدعوات مَعْرُوفَة، وسياسات شيطانية. وَمَا زَالُوا ينقلونهم من رُتْبَة إِلَى ربتة، وَمن دَرَجَة إِلَى دَرَجَة حَتَّى أخرجوهم إِلَى الْكفْر البَوَاح، والزندقة الحضة، والإلحاد الصُّرَاح.
فَعِنْدَ ذَلِك ظَهرت لَهُم دوَل: مِنْهَا دولة الْيمن الَّتِي قَامَ بهَا (عَليّ ابْن الْفضل) الملحد الْكَافِر كفرًا أقبح من كفر الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين. ونعق بالإلحاد على مَنَابِر الْمُسلمين فِي غَالب الديار اليمنية، وصيرها كفرية إلحادية باطنية.
وَكَذَلِكَ (مَنْصُور بن حسن) الْخَارِج مَعَه من عِنْد رَأس الملحدة: (مَيْمُون القداح) فَملك بعض الديار اليمنية، واستوطن الْحصن الْعَظِيم فِي مغارب الْيمن، وَهُوَ حصن مَسْوَرْ، وَنشر الدعْوَة الباطنية بِالسَّيْفِ كَمَا نشرها (عَليّ ابْن الْفضل) وَلكنه كَانَ فِي إِظْهَار الْكفْر والإلحاد دون عَليّ بن الْفضل. ثمَّ بقيت بعده بقايا يتناوبون هَذِه الدعْوَة الملعونة، يُقَال لَهُم الدعاة. وَمِنْهُم الْملك الْكَبِير (عَليّ بن مُحَمَّد الصُّليحي) الْقَائِم بِملك غَالب الديار اليمنية. وَبقيت الدولة فيهم حينا من الدَّهْر، وَلَكِن الله حَافظ دينه، وناصر شَرِيعَته.
فَإِنَّهُ كَانَ فِي جِهَات الْيمن الجبالية، دولة لأَوْلَاد (الإِمَام الْهَادِي يحيى ابْن الْحُسَيْن) -رَحمَه الله-، فصاولوهم، وجاولوهم، وقاتلوهم فِي معركة بعد معركة، وموطن بعد موطن حَتَّى كفوهم عَن كثير من الْبِلَاد، وَبَقِي لِلْإِسْلَامِ رسم، وللدين اسْم.
وَلَوْلَا أَن الله حفظ دينه بذلك لَصَارَتْ الْيمن بأسرها قرمطية باطنية. ثمَّ جَاءَت بعد حِين من الدَّهْر دولة الإِمَام الْأَعْظَم (صَلَاح الدّين مُحَمَّد بن عَليّ)، وَولده الْمَنْصُور (عَليّ بن صَلَاح) فقلقلهم وزلزلتهم، وأجرجتهم من معاقلهم وشردتهم فِي أقطار الأَرْض، وسفكت دِمَاءَهُمْ فِي كثير من المواطن. وَلم يبْق مِنْهُم بعد ذَلِك إِلَّا بقايا حقيرة قَليلَة ذليلة تَحت أذيال التَّقيَّة، وَفِي حجاب التستر، والتَّظَهُّر بدين الْإِسْلَام إِلَى هَذِه الْغَايَة.
والرجاء فِي الله عز وَجل، أَن يستأصل بَقِيَّتهمْ، ويذهبهم بسيوف الْإِسْلَام، وعزائم الْإِيمَان، وَمَا ذَلِك على الله بعزيز.
هَذَا مَا وَقع من هَذِه الدعْوَة الملعونة فِي الديار اليمنية!
وَأما فِي غَيرهَا، فَأرْسل مَيْمُون القداح رجلاً أَصله من الْيمن، يُقَال لَهُ أَبُو عبد الله الدَّاعِي إِلَى بِلَاد الْمغرب، فَبَثَّ الدعْوَة هُنَالك، وتلقاها رجال من أهل الْمغرب من قَبيلَة كُتَامة، وَغَيرهم من البربر؛ فظهرت هُنَالك دولة قَوِيَّة.
وَلم يتم لَهُم ذَلِك إِلَّا بِإِدْخَال أنفسهم فِي النّسَب الشريف الْعلوِي الفاطمي. ثمَّ طَالَتْ ذيول هَذِه الدولة المؤسسة على الْإِلْحَاد، واستولت على مصر، ثمَّ الشَّام، ثمَّ الْحَرَمَيْنِ، فِي كثير من الْأَوْقَات. وغلبوا خلفاء بني الْعَبَّاس على كثير من بِلَادهمْ حَتَّى أبادتهم الدولة الصلاحية [دولة] صَلَاح الدّين بن أَيُّوب.
فَكَانَ من أعجب الِاتِّفَاق أَن الْقَائِم بمصاولتهم ومحو دولتهم فِي الْيمن الإِمَام صَلَاح الدّين وَولده، والقائم بمحو دولتهم فِي مصر السُّلْطَان صَلَاح الدّين ابْن أَيُّوب.
وَظَهَرت من هَذِه الدعْوَة الإلحادية دولة القرامطة، أَبُو طَاهِر القرمطي، وَأَبُو سعيد القرمطي، وَنَحْوهم وَوَقع مِنْهُم فِي الْإِسْلَام وَأَهله من سفك الدِّمَاء، وهتك الْحرم، وَقتل حجاج بَيت الله مرّة بعد مرّة، مَا هُوَ مَعْلُوم لمن يعرف علم التَّارِيخ، وأحوال الْعَالم. وأفضى شرهم إِلَى دُخُول الْحرم الْمَكِّيّ، وَالْمَسْجِد الْحَرَام، وَقتلُوا الْحجَّاج فِي الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى ملأوه بالقتلى، وملأوا بِئْر زَمْزَم، ... ... ...
فَانْظُر مَا وصلت إِلَيْهِ هَذِه الدعْوَة الملعونة؟!
ثمَّ أطفأ الله شرهم، وأخذتهم فِي آخر الْمدَّة جيوش التتر الخارجين على الْإِسْلَام، فَكَانَ فِي تِلْكَ المحنة منحة أذهب الله بهَا هَذِه الطَّائِفَة الخبيثة.
ثمَّ عَاد الْإِسْلَام كَمَا كَانَ. وَدخل فِي الْإِسْلَام مُلُوك التتر، وَكَانَت الْعَاقِبَة للدّين، وَدفع الله عَن الْإِسْلَام جَمِيع المارقين مِنْهُ والخارجين عَلَيْهِ {ومكروا ومكر الله وَالله خير الماكرين}. {يخادعون الله وَالَّذين آمنُوا وَمَا يخدعون إِلَّا أنفسهم}.
وَإِنَّمَا قَصَصنَا عَلَيْك مَا قصصناه أَيهَا الرافضي المعادي لصحابة رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-، ولسنته، وَلدين الْإِسْلَام؛ لتعلم أَنه لَا سلف لَك إِلَّا هَؤُلَاءِ القرامطة والباطنية، والإسماعيلية الَّذين بلغُوا فِي الْإِلْحَاد وَفِي كياد الْإِسْلَام، مَا لم يبلغ إِلَيْهِ أحد من طوائف الْكفْر.
فَإِن عرفت أَنَّك على ضلال مُبين، وغرور عَظِيم، وَأَن سلفك الَّذين اقتديت بهم وتبعت أَثَرهم هم البالغون فِي الْكفْر إِلَى هَذِه المبالغ الَّتِي لم يطْمع فِيهَا الشَّيْطَان. فَرُبمَا تنتبه من هَذِه الرقدة، وتستيقظ من هَذِه الْغَفْلَة، وَترجع إِلَى الْإِسْلَام وتمشي على هَدْيه القويم، وصراطه الْمُسْتَقيم.
فَإِن أَبيت إِلَّا العناد، وَالْخُرُوج من طرق الرشاد إِلَى طرق الْإِلْحَاد، فعلى نَفسهَا براقش تجنى، وَلَا يظلم رَبك أحدا، وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون، واختر لنَفسك مَا يحلو»اهـ.