السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الأربعاء، 31 ديسمبر 2014

سؤال وجواب ٧٠: هل باب الجرح والتعديل يختص بعلم الرواية فقط، وأن هذا الباب قد أغلق؟


سؤال: «هل باب الجرح والتعديل يختص بعلم الرواية فقط، وأن هذا الباب قد أغلق؟».

الجواب:
إن علم الجرح والتعديل والكلام فيه لا يغلق إلى أن تقوم الساعة، طالما هناك إسلام؛
لأن أبوابًا شرعية قائمة أساساً عليه؛ 
في التفسير عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. (الحجرات:6)، فتطبيق هذه الآية يستلزم الجرح والتعديل. 
في باب الشهادات في القضاء والخصومات والمنازعات يقوم على أساس الجرح والتعديل؛ فإن وجود البشر يلازمه وجود الاختلاف، والخصام والنزاع، ومعها تأتي الحكومات وقضايا لا بد فيها من شهود، والشهود لابد لهم من مزكين يزكونهم. فالجرح والتعديل من حيث هو، لا يحدد بزمان ولا مكان، إنما نقول طالما فيه إسلام قائم، فإن فيه جرحاً وتعديلاً. 
أدنى باب أذكره لك باب الشهادات معروف من أبواب الفقه، وما يترتب عليه من أبواب القضاء والحكومات والنزاعات، أيضاً ما يتعلق بتطبيق أحكام الله تعالى. مثلاً: قتل الصيد على المحرم (المثلية فيه) ? قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ}. (المائدة:95)، فقوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْل} معناه أنه لابد من جرح وتعديل، لتمييز ذوي العدل من غيرهم، فإذا جرحوا لم تقبل كلمتهم، وهكذا أبواب أخرى في الشرع تقتضي الجرح والتعديل.

وعليه نقول: الكلام في الرجال جرحاً وتعديلاً هو من العلوم المتعلقة بالإسلام وجوداً وعدماً؛ فطالما هناك إسلام قائم هناك جرح وتعديل، وقس على هذا أبواب كثيرة من أبواب الفقه كلها لابد فيها من جرح وتعديل.
خذ مثلاً: باب طلب العلم، وآداب طلب العلم، لابد فيه من الجرح والتعديل. قال أحد السلف: «كانوا إذا أرادوا أن يسمعوا الحديث من شخص سألوا عنه، حتى يظن الناس أنهم يريدوا أن يزوجوه». وقال الآخر:«إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم». ما معنى هذا الكلام؟ معنى هذا الكلام أنك بحاجة إلى الجرح والتعديل في وقت تريد فيه طلب العلم!
ويكفي أن هذا القول: «إن الجرح والتعديل خاص بسلسة رواة الأسانيد يعني بكتب الرواية فقط»؛ لا سلف له، بل هو خلاف ما جاء السلف!
وتطبيقات الإسلام تخالفه.

أنت بحاجة إلى معرفة الجرح والتعديل في قضايا كثيرة جداً من المسائل التي يذكرها العلماء:
- في العقيدة. في معرفة مقالات أهل البدع، وحكمهم، وتنزيل ذلك على أصحاب المقالات المعاصرين، هذا من باب الجرح والتعديل.
- في باب الصلاة. مسألة الصلاة خلف صاحب البدعة، الكلام على صاحب البدعة هو كلام في الجرح والتعديل. الكلام في أحوال الناس في البدعة والسنة هو كلام في الجرح والتعديل. 
- في باب الطب والعلاج، ينص العلماء أنه يقبل كلام الطبيب المسلم الثقة؛ معناه قد يوجد طبيب مسلم، ولكنه غير ثقة. ثقة وغير ثقة، هذا كلام في الجرح والتعديل.
- في باب الصوم، ثبوت شهر رمضان وخروجه بشاهدي عدل.
- حينما تأتي لأمور الدعوة يأتي داعية يقال: هو داعية إسلامي ويريد أن يدعونا، فلابد أن ينظر هل زكاه أهل العلم أو لم يزكه أهل العلم! 

إذاً لا يقال: إن الجرح والتعديل انتهى أمره، وانقضى زمانه، وأنه هو متعلق بالرواية والآن لا يوجد جرح وتعديل!
الشيخ الألباني -رحمه الله-، وهو علم من أعلام هذا العصر في الحديث، وصف الشيخ ربيع بأنه حامل لواء الجرح والتعديل في هذا العصر!! فلو كان هذا الوصف غير منطبق لكان أولى الناس بإنكاره، وعدم استعماله على رجل في هذا العصر الشيخ الألباني -رحمه الله-؛ لأنه من أهل الاختصاص. والله أعلم.
وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

وانظر: