السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الجمعة، 29 يناير 2016

لفت نظري ٦٨: قول بعضهم: فتوى المفتي غير ملزمة


لفت نظري:
قول بعضهم : فتوى المفتي غير ملزمة؛ أقول: هذه العبارة غير صحيحة في إطلاقها، فإن فتوى المفتي تكون ملزمة في أحوال :
الحال الأول : إذا استفتاه العامي الذي يعتقده أورع واعلم واتقى من غيره، فهنا فتوى المفتي له ملزمة، لقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل:43)، فالعامي الذي يرجع للمفتي، يجب عليه أن يأخذ بفتوى المفتي، و لا يجوز له مخالفتها، بل ولا الانتقال لغيرها إلا إذا تبين أن المفتي خالف نصاً صحيحا صريحاً، أو إجماعا  صحيحاً، أو قياساً صحيحاً.
الحال الثانية : إذا كانت فتوى المفتي مبنية على دليل لا تجوز مخالفته. يعني ليست مسألة اجتهادية يتجاذبها النظر.
الحال الثالثة : إذا كانت فتواه في مسألة خلافية اجتهادية، واختياره من باب اختيار ولي الأمر، في هذه النازلة العامة، التي اختيار ولي الأمر يرفع فيها الخلاف.
وفي غير هذه الأحوال لا يسوغ إطلاق القول بأن فتوى المفتي غير ملزمة، لأن ذلك إنما يسوغ في المسائل الاجتهادية، وليس ذلك لأي أحد إنما للعالم المجتهد، والله الموفق . 
ويظهر من تأمل كلام أهل العلم أن مرادهم بأن الفتوى غير ملزمة يعني قضاء، فليست فتوى المفتي مثل حكم القاضي، لأن القاضي يحكم وينفذ بولايته التي هو فيها نائب عن ولي الأمر، والله الموفق.

كشكول ١٢١٧: الأحواز أقلية سنية في إيران


الأحواز أقلية سنية في إيران ، فأين الذين ينصرون الأقليات ويدعمونها عن نصرتهم!

كشكول ١٢١٦: من جهة المشرق تخرج الفتن


من جهة المشرق تخرج الفتن، ويطلع قرن الشيطان، وبها تسعة أعشار الشر، والداء العضال.


عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ وَيَقُولُ: هَا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ هَاهُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ"([1]).
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا ويَمَنِنَا "مَرَّتَيْنِ . فَقَالَ رَجُلٌ: وَفِي مَشْرِقِنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ هُنَالِكَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ وبهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ"([2]).
وفي رواية : "إِنَّ مِنْ هُنَالِكَ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ، وَبِهِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْكُفْرِ، وَبِهِ الدَّاءُ الْعُضَالُ"([3]).
عن كعب قَال : "أراد عُمَر أن يأتي العراق فقال له كعب : إن بها عصاة الحق وكل داء عضال فقيل له : ما الداء العضال ؟ قَال : أهواء مختلفة ليس لها شفاء"([4]).
قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبدالبر رحمه الله: "إِشَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاللَّهِ أَعْلَمُ - إِلَى نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ بِالْفِتْنَةِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ الْكُبْرَى الَّتِي كَانَتْ مِفْتَاحَ فَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ قَتْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ كَانَتْ سَبَبَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَحُرُوبِ صِفِّينَ كَانَتْ فِي نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ ثُمَّ ظُهُورُ الْخَوَارِجِ فِي أَرْضِ نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ وَمَا وَرَاءَهَا مِنَ الْمَشْرِقِ"اهـ([5]).
وقال رحمه الله: "وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَكْثَرَ الْبِدَعِ إِنَّمَا ظَهَرَتْ وَابْتَدَأَتْ مِنَ الْمَشْرِقِ وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ اقْتَتَلُوا بِالْجَمَلِ وَصَفِّينَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ فَإِنَّ الْفِتْنَةَ وَقَعَتْ فِي نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ فَكَانَتْ سَبَبًا إِلَى افْتِرَاقِ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَذَاهِبِهِمْ وَفَسَادِ نِيَّاتِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى الْيَوْمِ وَإِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"اهـ([6]).
وقال رحمه الله: "لَا مَدْحَ وَلَا ذَمَّ لِبَلْدَةٍ إِلَّا عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِهَا وَأَمَّا عَلَى العموم فلا؛ وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ وَالْفِتَنُ الْيَوْمَ فِي كُلِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الدُّنْيَا"اهـ([7]).
وَفيه أنه ﷺ كَانَ يحذر من ذَلِك وَيعلم بِهِ قبل وُقُوعه، وَذَلِكَ من دلالات نبوته ﷺ([8]).
وجهة المشرق بلاد كسرى؛
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "هَلَكَ كِسْرَى، ثُمَّ لاَ يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
وفي رواية: "قَدْ مَاتَ كِسْرَى، فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ، فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ"([9]).
قال النووي رحمه الله: "قال الشافعى وسائر العلماء: معناه: لا يكون كسرى بالعراق ولا قيصر بِالشَّامِ كَمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَّمَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِانْقِطَاعِ مُلْكِهِمَا فِي هَذَيْنِ الْإِقْلِيمَيْنِ؛ فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
فَأَمَّا كِسْرَى فَانْقَطَعَ مُلْكُهُ وَزَالَ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، وَتَمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ وَاضْمَحَلَّ بِدَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا قَيْصَرُ فَانْهَزَمَ مِنَ الشَّامِ وَدَخَلَ أَقَاصِي بِلَادِهِ فَافْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَهُمَا وَاسْتَقَرَّتْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَأَنْفَقَ الْمُسْلِمُونَ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا أَخْبَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهَذِهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ"اهـ([10]).
لكن ليس معنى هذا الركون إلى الدعة، بل لابد من أخذ الأسباب والاحتياطات التي تكف شر هؤلاء عن الإسلام والمسلمين، من باب أعقلها وتوكل. ولن يسلط الله على المسلمين عدواً من غيرهم يستأصل شأفتهم.



([1]) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الاستئذان، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ.
([2]) أخرجه أحمد (9/ 458، تحت رقم 5642، الرسالة)، وقال محققو المسند : "إسناده حسن"اهـ.
([3]) أخرجها الطبراني في المعجم الأوسط (2/ 249، تحت رقم 1889)، وقال: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ إِلَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، تَفَرَّدَ بِهِ: ابْنُ وَهْبٍ"اهـ. فزاد: "وبه الداء العضال"، قال الألباني غي سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت رقم (2246): "فعندي وقفة في ثبوت هذه الزيادة، لتفرد عبد الرحمن بها دون سائر الرواة"اهـ، فلم تثبت مرفوعة، وليس لها حكم الرفع، فإنها من كلام كعب الأحبار، فلعلها من الإسرائيليات.
([4]) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الاستئذان، بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشْرِقِ، بلاغاً، وأسنده عبد الرزاق في المصنف (11/ 251، تحت رقم 20461)، قال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال : أراد عمر أن يسكن العراق ، فقال له كعب : لا تفعل ! فإن فيها الدجال ، وبها مردة الجن ، وبها تسعة أعشار السحر ، وبها كل داء عضال ، يعني الأهواء"، والفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 750 – 751)، قال الفسوي رحمه الله: "حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ ثنا سُفْيَانُ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيِّ سَمِعْتُ ابْنَ مِينَاءَ الْيَمَامِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا وَاسْتَبْطَأَهُمْ فِي شَيْءٍ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ حَذَّرْتُكُمْ وَخَوَّفْتُكُمْ وَقِيلَ لِي تَقَدَّمْ عَلَى تِسْعَةِ أَعْشَارِ الشَّرِّ وَشَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَمَرَدَةِ الْجِنِّ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَأْتِيَ الْعِرَاقَ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: إِنَّ بِهَا عُصَاةَ الْحَقِّ وَكُلَّ دَاءٍ عُضَالٍ. فَقِيلَ لَهُ: مَا الدَّاءُ الْعُضَالُ؟ قَالَ: أَهْوَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ لَيْسَ لَهَا شِفَاءٌ"اهـ..
([5]) الاستذكار (8/ 519). وانظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/ 199).
([6]) الاستذكار (8/ 520).
([7]) الاستذكار (8/ 520-521).
([8]) انظر عمدة القاري شرح صحيح البخاري (24/ 199).
([9]) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، بَابٌ: الحَرْبُ خَدْعَةٌ، تحت رقم: (3027)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير باب جواز الخداع في الحرب تحت رقم: (1740، 2918).
([10]) شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 42).

كشكول ١٢١٥: معنى حديث من هم بحسنة


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً"([1]).

شرح الحديث :
قوله: "فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً"، يعني أراد إرادة جازمة لم يتخلف عنها العمل إلا خارج عن إرادته، فهذا يثاب على همه، فإن فعل ما هم به من الحسنة "فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ".
قوله: "وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً"، أي أراد إرادة جازمة فعل السيئة ولم تتخلف إلا لمانع من خوف الله فإنه يؤجر على تركه لها في هذه الحال.
أما لو تركها لمانع خارج عن إرادته مع إرادته الجازمة لفعلها فإنه يأثم بها.
ويدل على ذلك ما جاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ ثَلاَثَةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ، وَمُبْتَغٍ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةَ الجَاهِلِيَّةِ، وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ "([2]). والشاهد قوله: "وَمُطَّلِبُ دَمِ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ"، فإنه لإرادته إراقة الدم بغير حق كان من أبغض الناس على الله، ولو لم يفعل، وهو ظاهر. ويحققه قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾، (الحج:25).
ويدل على أن الإرادة الجازمة للسيئة يأثم عليها صاحبها وإن لم يفعلها، ما جاء عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ"([3]). والشاهد في الحديث أنه حكم أن المقتول في النار، مع كونه لم يفعل، وعلل ذلك بـ "إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ"، فاستحق العقوبة للإرادة الجازمة للمعصية، وتخلف الفعل لأمر خارج عنه ليس خوفا من الله.
وترك السيئة خوفا من الله يؤجر عليه صاحبه كقصة الثلاثة الذين انغلق عليهم باب المغارة؛ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "خَرَجَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ المَطَرُ، فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: ... وذكر قصته، ثم قال:
وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ. ثم ذكر قصة الثالث"([4]).
فهذا ترك فعل الفاحشة بعد قدرته عليها وإرادته الجازمة لها، وذلك خوفاً من الله ورجاء لما عنده سبحانه، ألا ترى إلى قوله: "فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً".




([1]) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، بَابُ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِسَيِّئَةٍ، تحت رقم (6491)، ومسلم في كتاب الإيمان باب إذا هم العبد بحسنة كتبت، تحت رقم (131).
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الديات، بَابُ مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، حديث رقم (6882).
([3]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما، حديث رقم (31)، ومسلم في كتاب الفتن و أشراط الساعة، باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما"،حديث رقم (2888).
([4]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، بَابُ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
فَرَضِيَ، حديث رقم (2215)، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء،  باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، حديث رقم (2743).