السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 19 يناير 2015

كشكول ٥٩١: وقوف دول الكفر في تأييد المظاهرات، والاعتصامات، والجماعات، والأحزاب؛ دليل أنها تخدم أهدافهم



وقوف دول الكفر في تأييد المظاهرات، والاعتصامات، والجماعات، والأحزاب؛ دليل أنها تخدم أهدافهم.
وحيث أنهم أعداء الإسلام والمسلمين.
فإذا كل ما وقفوا معه من ذلك عداء للإسلام!

كشكول ٥٩٠: أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن مجيء حكام يستأثرون بالدنيا، وأمر بالصبر عليهم...



أخبر -صلى الله عليه وسلم- عن مجيء حكام يستأثرون بالدنيا، وأمر بالصبر عليهم...
فلا يخدعنك أحد بقضية:
- توزيع الثروات،
- والحرية،
- والديموقراطية!

كشكول ٥٨٩: قصة وحكم


قصة وحكم:
صح في الحديث عن رسول الله عند الشيخين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «في الركاز الخمس».
قال السيوطي -رحمه الله- في تنوير الحوالك (1/195): «وَقع فِي زمن شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام أَن رجلا رأى النَّبِي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- فِي النّوم فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ إِلَى مَوضِع كَذَا، فاحفره؛ فَإِن فِيهِ ركازًا فَخذه لَك، وَلَا خمس عَلَيْك فِيهِ.
فَلَمَّا أصبح ذهب إِلَى ذَلِك الْموضع، فحفره؛ فَوجدَ الرِّكَاز .
فاستفتى عُلَمَاء عصره، فأفتوه بِأَنَّهُ لَا خمس عَلَيْهِ؛ لصِحَّة الرُّؤْيَا.
وَأفْتى الشَّيْخ عز الدّين بن عبد السَّلَام بِأَن عَلَيْهِ الْخمس، وَقَالَ: أَكثر مَا ننزل مَنَامه منزلَة حَدِيث رُوِيَ بِإِسْنَاد صَحِيح، وَقد عَارضه مَا هُوَ أصح مِنْهُ، وَهُوَ الحَدِيث الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي الرِّكَاز الْخمس وَيقدم عَلَيْهِ»اهـ.
والصحيح أن الرؤيا أصلاً ليست مصدراً للتشريع،
وأننا متعبدون بأحكام الدين التي بلغها إلينا الرسول -صلى الله عليه وسلم-،
وما جاء في المنام ليس سبيله سبيل البلاغ، والله الموفق.
فإن قيل: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أرى رؤياكم قد تواطأت...»، وحديث الأذان؟

فالجواب: إنما اكتسب ذلك سمة التشريع بتقريره وأمره -صلى الله عليه وسلم-، لا بمجرد الرؤيا. والله الموفق.

كشكول ٥٨٨: خطواتهم في إشعال نار الفتنة والرد عليها


خطواتهم في إشعال نار الفتنة والرد عليها:
قاموا أولاً بفصل الناس عن انتمائهم إلى أوطانهم، فاعتبروا الوطنية وثنية.
شنّعوا ثانياً على الحدود الدولية، فقالوا: «هي من صنع الاستعمار».
بنوا على ذلك ثالثاً أن الحكام أذناب الاستعمار؛ لأنهم يحمون الأوطان القائمة على حدود الاستعمار.
ردّدوا رابعاً مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، وأنزلوها بفهمهم على الحكام. فلا طاعة لهم، ولا بيعة.
وقرّروا خامساً أن البيعة الملزمة إنما هي للإمام الأعظم في دولة الخلافة، سيدهم ما كان يصلي الجمعة لذلك.
عمّموا سادسًا الشعور بالانفصال الشعوري مع المجتمع الذي يرضى بهذه الحكومات، ورددوا كلمة (مجتمع جاهلي) و(جاهلية القرن العشرين) و(غياب الأمة الإسلامية منذ قرون).
واستعملوا التقية سابعًا حتى صاروا كقول القائل:
«ودارهم مادمت في دارهم. وجارهم مادمت في جوارهم».
وتواصلوا ثامنًا مع قوى الصهيونية والاستعمار، ووضعوا أيديهم في أيديهم؛ لتنفيذ المخططات التي تقضي على الإسلام القائم، وتوصلهم إلى الحكم. (لقاءات سرية لقياداتهم). (الاستقواء بالخارج).

ولتبيين الأمر من الناحية الشرعية، أقول:
الدولة الإسلامية انقسمت إلى دول ودويلات منذ انتهاء دولة بني أمية؛ فقد كانت الدولة العباسية في المشرق، وقامت الدولة الأموية في المغرب بالأندلس، ولم ينكر العلماء ذلك، ولم يزعم أحد أن لا ولاية لهذه الدولة أو تلك على رعاياها.
بل انقسمت الدولة العباسية إلى ولايات متعددة، ولكل دولة حدودها، ونظامها، ولم يقل أحد من العلماء في ذلك الوقت: إن هذه الحدود بين الدول، باطلة، و لا اعتبار بها!
فإقرار الحدود بين الدول، وإقرار انعقاد الولاية في كل جهة، لمن تغلب عليها محل إجماع بين أهل العلم.
قال أحمد بن حنبل (ت241هـ) -رحمه الله-: «والسمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة، واجتمع الناس عليه، ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين».اهـ (أصول السنة رواية عبدوس، ص: 64.).
وقال ابن تيمية الحراني (ت728هـ) -رحمه الله-: «والسُّنّة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوّابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين، أو غير ذلك، فكان لها عدة أئمة؛ لكان يجب على كل حال إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق»اهـ (مجموع الفتاوى (34/ 175، 176)).
وقال محمد بن عبد الوهاب (ت1206هـ) -رحمه الله-: «الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء. ولولا هذا ما استقامت الدنيا؛ لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم»اهـ (الدرر السنية (ط 5/ 1416هـ) (9/ 5)).
وقال أيضاً -رحمه الله-: «من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدًا حبشيًا، فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا بيانًا شائعًا ذائعًا، بوجوه من أنواع البيان شرعًا وقدرًا، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به؟!». (الدرر السنية (ط 5/ 1416هـ) (9/ 5 - 7)).
وقال الشوكاني (ت1250هـ) -رحمه الله-: «لما اتسعت أقطار الإسلام، ووقع الاختلاف بين أهله، واستولى على كل قطر من الأقطار سلطان؛ اتفق أهله على أنه إذا مات بادروا بنصب من يقوم مقامه. وهذا معلوم لا يخالف فيه أحد، بل هو إجماع المسلمين أجمعين منذ قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الغاية»اهـ (السيل الجرار (4/ 502)، وانظر السيل الجرار (4/ 512)).
وحتى في مسألة الجهاد، لما صورها الفقهاء، وذكروا محل جهاد الدفع، وقع تصويره على أساس أن للمسلمين بلداناً متعددة، فقالوا: إذا هجم الكفار على أهل بلد، أو حاصروهم، وجب على أهل البلد دفعهم، فإن عجزوا وجب على الذين يلونهم نصرتهم، فإن عجزوا وجب على الذين يلونهم نصرتهم، حتى يعم الوجوب الجميع!
وأنت إذا نظرت إلى عبارة الفقهاء وجدتها قائمة على أساس التسليم بالحدود لكل بلد، وأن الحكم يختلف من بلد إلى بلد؛
من ذلك: أن البلد المعتدى عليه يجب على أهله جهاد الدفع، والبلدان التي تليه يجب عليها النصرة لا جهاد الدفع.
أن البلدان تختلف بحسب قدرتها وقوتها على النصرة؛ لذلك ذكر العجز.
وهذا فيه التسليم بقضية أن المسلمين في كل بلد يختلف حالهم وحكمهم عن البلد الآخر.
والخلاصة: أن قضية: أن المسلمين أخوة. وأن لا حدود بين المسلمين. وأن الحدود من صنع الاستعمار. هذا حق؛ ولكن لابد من التفصيل فيه؛ ليعرف ويتبين، حتى لا تبنى عليه أحكام باطلة. فإن المسلمين أمة واحدة؛ لكن لا ينافي ذلك الحدود بين دولة مسلمة وأخرى. و لا ينافي ذلك أن ينظر الإمام فيما هو الأفضل والأكثر حظاً لأهل بلده، كالأب مع عياله، وأسرته، فهل ينافي كون المسلمين أمة واحدة، أن يهتم كل رب أسرة بما يصلح شأن أسرته ورعيته؟! كذا الوالي في كل دولة من دول المسلمين.
ولا ينافي ذلك أن يجب الجهاد على بعضهم دون بعضهم؛ لأن أهل البلد المداهمة أو المحصورة إذا عجزت وجبت نصرتها مع القدرة على التي تليها، ومن لا قدرة له لا تجب عليه النصرة، إذ القدرة مناط التكليف.
ولا ينافي ذلك صحة وانعقاد الولاية لكل من تغلب على أهل جهة، مقيماًً فيهم شرع الله، إذ ولي الأمر في الشرع هو الإمام الأعظم، ومن تغلب على أهل جهة، وصلح له الأمر، وهذا محل إجماع! ولا ينافي ذلك الانتماء إلى الوطن، والسمع والطاعة لولاة الأمر، والسعي بالنظر فيما فيه عز الوطن ورفعته، بين الدول،
بل هذا من مقتضى أن المسلم ينتمي إلى هذه البلد دون الأخرى، المهم أن لا يكون في هذا الانتماء ما يخالف الشرع؛ فالوطنية انتماء إلى الأرض برباط الدين بما لا يخالف الشرع.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- حن إلى بلده، في وقت كان الشرك والكفر هو المتغلب عليها؛ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ الزُّهْرِيَّ أخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ».
(أخرجه أحمد في المسند (4/ 305)، وأخرجه الدارمي في كتاب السير باب إخراج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة، تحت رقم: (2552) (3/ 1632 أسد)، والترمذي في كتاب المناقب، باب في فضل مكة، تحت رقم: (3925)، وابن ماجة في كتاب المناسك باب فضل مكة، تحت رقم: (3108)، والنسائي في (السنن الكبرى) كتاب الحج، باب فضل مكة (4/ 247 - 248، تحت رقم: 4238 - 4239)، وابن حبان (الإحسان9/ 22، تحت رقم: 3708)، والحاكم في المستدرك (3/ 7، 280، 431). والحديث قال الترمذي عنه: «حسن غريب صحيح»اهـ، وصححه ابن حبان والحاكم، ومحقق الإحسان، محقق سنن الدارمي.).
وعليه فإن لهؤلاء الولاة:
- السمع والطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق!
- ولا يجوز الخروج عليهم.
- ولا تهييج الناس عليهم.
فانظر ماذا ترتب على إطلاق العبارات البراقة، التي وإن كانت حق، لكن ترك البيان والتفصيل فيها، واستعمالها على إجمالها، ينتج هذه المفاسد والشرور؟!

ولذلك هو من مسالك أهل البدع!

كشكول ٥٨٧: الهجر لا يقصد لذاته، إنما لما يحققه من مصلحة لـ....


الهجر لا يقصد لذاته، إنما لما يحققه من مصلحة للهاجر، أو المهجور، أو لغيرهما، أو لبعضهم، فإذا حقق مصلحة شرع، وإلا فلا!
وبعض الناس يبادر فيهجر إخوانه المسلمين، ولا يلقي عليهم السلام؛ لأنهم متلبسون ببعض المعاصي!
ولا ينبغي للمسلم أن يبادر إلى الهجر إلا بعد الشروط التالية:
- أن يقدم النصيحة والدعوة لصاحب المعصية.
- أن يتأكد من حصول مصلحة في هذا الهجر.
وهذا يحتاج إلى علم ومعرفة، فإن كانت لدى الهاجر فالحمد لله، وإلا فلا بد من الرجوع إلى أهل العلم.
وما أسمع عنه من بعض الشباب يهجرون، ولا يلقون السلام؛ لمجرد رؤيتهم على المخالفة، أمر لا يحسن، والله الموفق.

قصة فيها عبرة:
يذكر عن الشيخ القرعاوي -رحمه الله- أسرد معناها: أنه خرج إلى المسجد بعد أن سمع النداء؛ ليؤدي الصلاة، وفي الطريق شاهد رجلاً مزارعًا عاميًا منشغلاً بمزرعته، ولم يبادر إلى الى الصلاة! فتكلم عليه الشيخ، وشدد عليه، فرد عليه العامي الكلام بكلام.

فمشى الشيخ القرعاوي قليلاً وهو يتفكر فيما حصل، فوجد أنه أخطأ، فغير من هيأته الأولى، وغير الطريق، وعاد إلى هذا العامي، وألقى عليه السلام، وسأله عن حاله، وعن ما يشغله عن الذهاب للمسجد، فشكى له العامي الشيخ الذي مرّ به وشتمه، فقال الشيخ: لقد أخطأ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فاستحى العامي، وقام وتوضأ وذهب معه إلى المسجد!

كشكول ٥٨٦: قد يكون ما تقوله حقيقة، ولكن بعض الحقيقة.


قد يكون ما تقوله حقيقة، ولكن بعض الحقيقة.
المطلوب أن تأتي بكل الحقيقة؛ حتى تكون رؤيتنا واضحة.
لا تملك ذلك إلا بالرجوع إلى الأدلة الشرعية كما يقررها أهل العلم؛
لا تستبد برأيك.
لا تتعصب.
لا تتعامل بعاطفتك.
لا تتجارى بك الأهواء.
لا تسيء الظن بالآخرين.

والله يعيننا وإياك سواء السبيل.

كشكول ٥٨٥: موعظة بليغة أطرافها عبد الله بن المبارك، والفضيل بن عياض، و«عبد تقي خفي» -أكرم بهم وأنعم-...


جاءني على الواتساب:
موعظة بليغة أطرافها عبد الله بن المبارك، والفضيل بن عياض، و«عبد تقي خفي» -أكرم بهم وأنعم-.
وإليكم دونها...
قال اﻹمام الزاهد الورع عبد الله بن المبارك -رحمه الله، ورضي عنه-: «قدمت مكة فإذا الناس قَدْ قحطوا من المطر، وهم يستسقون فِي المسجد الحرام، وكنت فِي الناس مما يلي باب بْني شيبة، إذ أقبل غلام أسود عليه قطعتا خيش، قَدِ ائتزر بإحداهما، وألقى الأخرى عَلَى عاتقه، فصار فِي موضع خفي إِلَى جانبي، فسمعته يَقُول: «إلهي أخلقت الوجوه كثرة الذنوب ومساوئ الأعمال، وقد منعتنا غيث السماء؛ لتؤدب الخليفة بذلك، فأسألك يا حليماً ذا أناة، يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل، اسقهم الساعة الساعة».
قَالَ ابْن المبارك: فلم يزل يَقُول الساعة الساعة حَتَّى استوت بالغمام، وأقبل المطر من كل مكان، وجلس مكانه يسبّح، وأخذت أبكي، فلما قام تبعته حَتَّى عرفت موضعه، فجئت إِلَى فضيل بن عياض، فقال لي:
«ما لي أأراك كئيبًا؟».
فقلت: «سبقنا إِلَى اللَّه غيرنا، فتولاه دوننا».
قَالَ: «وما ذاك؟».
فقصصت عليه القصة، فصاح وسقط وَقَالَ: «ويحك يا ابْن المبارك خذني إِلَيْهِ».
قلت: «قَدْ ضاق الوقت، وسأبحث عَنْ شأنه».
فلما كَانَ من الغد صليت الغداة، وخرجت إِلَى الموضع فإذا شيخ عَلَى الباب قَدْ بسط لَهُ وَهُوَ جالس، فلما رآني عرفني وَقَالَ: «مرحبا بك يا عَبْد الرحمن، حاجتك».
فقلت له: «احتجت إِلَى غلام أسود».
فَقَالَ: «نعم عندي عدة، فاختر أيهم شئت؟».
فصاح «يا غلام». فخرج غلام جلد، فَقَالَ: «هَذَا محمود العاقبة، أرضاه لك». فقلت: «ليس هَذَا حاجتي». فما زال يخرج إلي واحداً واحداً حَتَّى أخرج إلي الغلام، فلما أبصرت به بدرت عيناي، فَقَالَ: «هَذَا هو؟».
قلت: «نعم». فَقَالَ: «ليس إِلَى بيعه سبيل».
قلت: «ولم؟».
قَالَ: «قَدْ تبركت لموضعه فِي هَذِهِ الدار، وذاك أنه لا يزرأني شيئًا».
قلت: «ومن أين طعامه؟».
قَالَ: «يكسب من قبل الشريط نصف دانق، أو أقل، أو أكثر، فهو قوته، فإن باعه فِي يومه، وإلا طوى ذلك اليوم.
وأخبرني الغلمان عنه أنه لا ينام هَذَا الليل الطويل، ولا يختلط بأحد منهم، مشغول بْنفسه، وقد أحبه قلبي».
فقلت لَهُ: «أنصرف إِلَى سفيان الثوري وإلى فضيل بْن عياض بغير قضاء حاجة؟».
فَقَالَ: «إن ممشاك عندي كبير، خذه بما شئت».
قال: «فاشتريته، وأخذت نحو دار فضيل، فمشيت ساعة».
فَقَالَ لي: «يا مولاي».
قلت: «لبيك». قَالَ: «لا تقل لي لبيك، فإن العبد أولى أن يلبي المولى».
قلت: «حاجتك يا حبيبي».
قَالَ: «أنا ضعيف البدن، لا أطيق الخدمة، وقد كَانَ لك فِي غيري سعة، قَدْ أخرج إليك من هو أجلد مني».
فقلت: «لا يراني اللَّه وأنا أستخدمك، ولكني أشتري لك منزلاً، وأزوجك، وأخدمك أنا بْنفسي».
قَالَ: «فبكى، فقلت: «مَا يبكيك؟».».
قَالَ: «أنت لم تفعل فِي هَذَا إلا وقد رأيت بعض متصلاتي باللَّه تعالى، وإلا فلم اخترتني من بين الغلمان؟».
فقلت لَهُ: «ليس بك حاجة إِلَى هَذَا». فَقَالَ لي: «سألتك باللَّه إلّا أخبرتني».
فقلت: «بإجابة دعوتك».
فَقَالَ لي: «إني أحسبك -إن شاء اللَّه- رجلا صالحاً، إن للَّه -عزَّ وجلَّ- خيرة من خلقه لا يكشف شأنهم إلا لمن أحب من عباده، ولا يظهر عليهم إلا من ارتضى». ثُمَّ قَالَ لي: «ترى أن تقف علي قليلاً، فإنه قَدْ بقيت علي ركعات من البارحة».
قلت: «هَذَا منزل فضيل قريب».
قَالَ: «لا. هاهنا أحب إلي أمر اللَّه -عزَّ وجلَّ- لا يؤخر». فدخل من باب الباعة إلى المسجد، فما زال يصلي حَتَّى إذا أتى عَلَى مَا أراد التفت إلي فَقَالَ: «يا أبا عبد الرحمن، هل من حاجة؟».
قلت: «ولم؟».
قَالَ: «لأني أريد الانصراف».
قلت: «إِلَى أين؟».
قَالَ: «إِلَى الآخرة».
قلت: «لا تفعل، دعني أسر بك».
فَقَالَ لي: «إنما كانت تطيب الحياة حيث كانت المعاملة بيني وبينه تعالى، فأما إذا اطلعت عَلَيْهَا أنت فسيطلع عَلَيْهَا غيرك؛ فلا حاجة لي فِي ذلك». ثُمَّ خر لوجهه، فجعل يَقُول: «إلهي اقبضني إليك الساعة الساعة». فدنوت منه فإذا هو قد مات. فو الله مَا ذكرته قط إلّا طال حزني وصغرت الدنيا في عيني».
___________؛__ ____

●المصدر: (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم) لابن الجوزي (8/ 223-225) ، ط دار الكتب العلمية، بيروت.

كشكول ٥٨٤: أعجبني أبا موسى في تعليقه... فلا أقل من أن أشاركه فيه... لله دره


أعجبني أبا موسى في تعليقه... فلا أقل من أن أشاركه فيه... لله دره.

أبو موسى أحمد الغرايبة
#تعليق_على_تعليق!
كتب شيخنا الفاضل محمد بن عمر بازمول -حفظه الله، وأحسن إليه، وأجزل له المثوبة- منشورًا حول الناس، وأنهم كالكتب، فأحببت أن أعلق على كل فقرة من منشوره بتعليق خفيف؛ لعله يكون فيه فائدة، وأسأل الله التوفيق والسداد.

كتب شيخنا: «الناس مثل الكتب...».
قلت: نعم! فمنهم العظيم، ومنهم الوضيع، ومنهم الحكيم، ومنهم التافه، وهكذا دواليك!

كتب شيخنا: «فبعض الكتب تقرأها، وتفهمها، فتفيد وتستفيد، والحمد لله».
قلت: نعم! فهذا الصنف من الناس واضح لا يتلوَّن ولا يُراوغ مع صديقه ومع عدوِّه، ينتهج الوضوح، والبساطة والصدق في كل مناحي حياته؛ لذا ينتفع الناس بهذا النوع أيَّما انتفاع، حتى أنَّك ما تلقاه إلا وأفدت منه فائدة، من دعاء، أو علم، أو طرفة، أو نصيحة!

كتب شيخنا: «وبعض الكتب تقرأها ولا تفهم».
قلت: نعم! فهذا الصنف من الناس غامض لا يكاد يبين، ولا يستطيع المرء مهما صوَّب النَّظر فيه وصعَّده أن يقف له على حال، أو يفهم كُنهه وماهيَّته! فهو غامض، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء!

كتب شيخنا: «وبعض الكتب تقرأها، فلا تصل المعلومة صحيحة؛ فتخطيء في فهمها».
قلت: لأن هذا الصنف عييٌّ لا يُفصح؛ إما لغلبة الجهل عليه، أو لأنه غير مدرك لما يقول، أو لأنه غير مُحرر لما يطرح، فلا تقف معه على حال واحدة، فمذموم وممدوح، ومستأنس به ومملول منه!

كتب شيخنا: «وبعض الكتب مظهرها جميل، ومخبرها هزيل».
قلت: يا لله ما أكثر هذا الصنف من الناس، وهو على حد قول المثل: «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه»؛ لأنك إن رأيته رأيت مظهرًا لا جوهر له، أنيق، وسيم، صبيح الوجه، إلا أنه بعد الفحص: تافه الفكر، خاوٍ من الفهم والحكمة، وضيع الخُلق، سفيه الحلم! -أعاذنا الله وإياكم- من هذا الصنف.

كتب شيخنا: «وبعض الكتب ضخمة، ونفعها يسير».
قلت: كرجل عاش دهرًا لم يُفد معه من الحياة خبرة ولا فهمًا ثاقبًا بحيث يكثر نفعه، إلا أنك لا تُعدم مع هذا الصنف أن يكون -مع ما قضاه من عمر في دنياه- قد حفظ فائدة، أو جرَّب تجربة، أو حصَّل حكمة، ينتفع منها مُعاشره أو مُجالسه، ولكن على نُدرة تجعلك تستغني بغيره عنه!

كتب شيخنا: «وبعض الكتب قديمة في مظهرها، جديدة ورائعة في مخبرها...».
قلت: وهذا الصنف من الناس عكس السابق؛ فهو كبير في السن، واسع التجربة والاطلاع، لا يكاد يتكلم إلا عن ضوء تجربته العريضة، حتى أنك ترى في ما يطرحه حكمة بالغة، ورأيًا صائبًا، لا مندوحة لك عن الأخذ به، ولا يجعلك تركن إلى غيره، فهو كتبرٍ علاهُ غبار العمر، فما أن تجلوه حتى يُخبر عن معدنه البرَّاق!

كتب شيخنا: «ولذلك بعض الأدباء يعبر عن ما يحصل من سوء فهم لتصرفات بعضهم بقوله: قرأه خطأ! أو لم يحسن قراءته!».
قلت: كل إنسان بحسبه في هذه المسألة، فكلما ازداد الإنسان معرفة بطباع الناس، وأحوالهم، وتقلباتهم، وخبرهم، وعرف أدواءهم، ومكامن الخلل في أخلاقهم؛ كان فهمه وحُكمه عليهم بحسب ما عنده من معرفة في هذا الباب.
ولعل هذا العلم هو ما يسمى عند العرب بالفراسة، وهو الاستدلال على بواطن الأمور بالنظر إلى ظاهره وصفاته؛ مما يعطي فكرة تكون في الغالب صحيحة وفي مكانها!

نسأل الله أن يجعلنا ممن يكون الخير مزروعًا فيهم باطنًا وظاهرًا، وأن يطهر قلوبنا من النفاق، وسيئ الأخلاق، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه.
وكتب:
أبو موسى أحمد بن عيَّاش الغرايبة.
-غفر الله له، ولوالديه، ولمشايخه- 
آمين.
28 ربيع أول 1436 هـ.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.

كشكول ٥٨٣: الناس مثل الكتب...


الناس مثل الكتب...
فبعض الكتب تقرأها، وتفهمها؛ فتفيد، وتستفيد، والحمد لله.
وبعض الكتب تقرأها، ولا تفهم.
وبعض الكتب تقرأها، فلا تصل المعلومة صحيحة؛ فتخطيء في فهمها.
وبعض الكتب مظهرها جميل، ومخبرها هزيل.
وبعض الكتب ضخمة، ونفعها يسير.
وبعض الكتب قديمة في مظهرها، جديدة ورائعة في مخبرها...
ولذلك بعض الأدباء يعبر عن ما يحصل من سوء فهم لتصرفات بعضهم بقوله:
قرأه خطأ!

أو لم يحسن قراءته!

كشكول ٥٨٢: سفاهة أن ينكر على الناس أمنهم وأمانهم واستقرارهم بحجة إقامة الديموقراطية!


سفاهة أن ينكر على الناس أمنهم وأمانهم واستقرارهم بحجة إقامة الديموقراطية...

اللهم احفظ بالحق ولاة أمرنا، وانصرهم على من يعاديهم!

كشكول ٥٨١: (خرابيش)


(خرابيش)
من أصبح معافًا في بدنه، آمنًا في سربه، يملك قوت يومه؛ فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها... تفرغ لعبادة ربك، واعمل لآخرتك، بلا ديموقراطية، بلا خرابيش!

فائدة:
في المعجم الوسيط (1/ 223): «(خربش) الشيء أفسده، أو لم يحكمه، ولم يتقنه. يقال خربش الكتاب. وفي حديث بعضهم عن زيد بن أخزم الطائي قال: «سمعت ابن دواد يقول كان كتاب سفيان مخربشًا». (الخرباش) الاختلاط والصخب (ج) خرابيش»اهـ.

ولعلها حرفت في العامية إلى (خرابيط)، والله أعلم، وقرأت لبعضهم توجيهاً بعيداً، وجعل التلفظ بها من خوارم المروءة بالمعنى الذي ذكره، وهو مقبول لو صح، وما ذكرته لعله أوجه!

كشكول ٥٨٠: الفم المريض لا يميز بين طعم ما يأكل وما يشرب... وكذا القلوب إذا اشربت الهوى!


الفم المريض لا يميز بين طعم ما يأكل وما يشرب...

وكذا القلوب إذا اشربت الهوى؛ فإنها لا تعرف معروفًا، ولا تنكر منكرًا، إلا ما أشربت من الهوى!