السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 19 يناير 2015

كشكول ٥٨٨: خطواتهم في إشعال نار الفتنة والرد عليها


خطواتهم في إشعال نار الفتنة والرد عليها:
قاموا أولاً بفصل الناس عن انتمائهم إلى أوطانهم، فاعتبروا الوطنية وثنية.
شنّعوا ثانياً على الحدود الدولية، فقالوا: «هي من صنع الاستعمار».
بنوا على ذلك ثالثاً أن الحكام أذناب الاستعمار؛ لأنهم يحمون الأوطان القائمة على حدود الاستعمار.
ردّدوا رابعاً مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، وأنزلوها بفهمهم على الحكام. فلا طاعة لهم، ولا بيعة.
وقرّروا خامساً أن البيعة الملزمة إنما هي للإمام الأعظم في دولة الخلافة، سيدهم ما كان يصلي الجمعة لذلك.
عمّموا سادسًا الشعور بالانفصال الشعوري مع المجتمع الذي يرضى بهذه الحكومات، ورددوا كلمة (مجتمع جاهلي) و(جاهلية القرن العشرين) و(غياب الأمة الإسلامية منذ قرون).
واستعملوا التقية سابعًا حتى صاروا كقول القائل:
«ودارهم مادمت في دارهم. وجارهم مادمت في جوارهم».
وتواصلوا ثامنًا مع قوى الصهيونية والاستعمار، ووضعوا أيديهم في أيديهم؛ لتنفيذ المخططات التي تقضي على الإسلام القائم، وتوصلهم إلى الحكم. (لقاءات سرية لقياداتهم). (الاستقواء بالخارج).

ولتبيين الأمر من الناحية الشرعية، أقول:
الدولة الإسلامية انقسمت إلى دول ودويلات منذ انتهاء دولة بني أمية؛ فقد كانت الدولة العباسية في المشرق، وقامت الدولة الأموية في المغرب بالأندلس، ولم ينكر العلماء ذلك، ولم يزعم أحد أن لا ولاية لهذه الدولة أو تلك على رعاياها.
بل انقسمت الدولة العباسية إلى ولايات متعددة، ولكل دولة حدودها، ونظامها، ولم يقل أحد من العلماء في ذلك الوقت: إن هذه الحدود بين الدول، باطلة، و لا اعتبار بها!
فإقرار الحدود بين الدول، وإقرار انعقاد الولاية في كل جهة، لمن تغلب عليها محل إجماع بين أهل العلم.
قال أحمد بن حنبل (ت241هـ) -رحمه الله-: «والسمع والطاعة للأئمة، وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة، واجتمع الناس عليه، ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين».اهـ (أصول السنة رواية عبدوس، ص: 64.).
وقال ابن تيمية الحراني (ت728هـ) -رحمه الله-: «والسُّنّة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوّابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين، أو غير ذلك، فكان لها عدة أئمة؛ لكان يجب على كل حال إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق»اهـ (مجموع الفتاوى (34/ 175، 176)).
وقال محمد بن عبد الوهاب (ت1206هـ) -رحمه الله-: «الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء. ولولا هذا ما استقامت الدنيا؛ لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم»اهـ (الدرر السنية (ط 5/ 1416هـ) (9/ 5)).
وقال أيضاً -رحمه الله-: «من تمام الاجتماع السمع والطاعة لمن تأمر علينا، ولو كان عبدًا حبشيًا، فبين النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا بيانًا شائعًا ذائعًا، بوجوه من أنواع البيان شرعًا وقدرًا، ثم صار هذا الأصل لا يعرف عند أكثر من يدعي العلم، فكيف العمل به؟!». (الدرر السنية (ط 5/ 1416هـ) (9/ 5 - 7)).
وقال الشوكاني (ت1250هـ) -رحمه الله-: «لما اتسعت أقطار الإسلام، ووقع الاختلاف بين أهله، واستولى على كل قطر من الأقطار سلطان؛ اتفق أهله على أنه إذا مات بادروا بنصب من يقوم مقامه. وهذا معلوم لا يخالف فيه أحد، بل هو إجماع المسلمين أجمعين منذ قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الغاية»اهـ (السيل الجرار (4/ 502)، وانظر السيل الجرار (4/ 512)).
وحتى في مسألة الجهاد، لما صورها الفقهاء، وذكروا محل جهاد الدفع، وقع تصويره على أساس أن للمسلمين بلداناً متعددة، فقالوا: إذا هجم الكفار على أهل بلد، أو حاصروهم، وجب على أهل البلد دفعهم، فإن عجزوا وجب على الذين يلونهم نصرتهم، فإن عجزوا وجب على الذين يلونهم نصرتهم، حتى يعم الوجوب الجميع!
وأنت إذا نظرت إلى عبارة الفقهاء وجدتها قائمة على أساس التسليم بالحدود لكل بلد، وأن الحكم يختلف من بلد إلى بلد؛
من ذلك: أن البلد المعتدى عليه يجب على أهله جهاد الدفع، والبلدان التي تليه يجب عليها النصرة لا جهاد الدفع.
أن البلدان تختلف بحسب قدرتها وقوتها على النصرة؛ لذلك ذكر العجز.
وهذا فيه التسليم بقضية أن المسلمين في كل بلد يختلف حالهم وحكمهم عن البلد الآخر.
والخلاصة: أن قضية: أن المسلمين أخوة. وأن لا حدود بين المسلمين. وأن الحدود من صنع الاستعمار. هذا حق؛ ولكن لابد من التفصيل فيه؛ ليعرف ويتبين، حتى لا تبنى عليه أحكام باطلة. فإن المسلمين أمة واحدة؛ لكن لا ينافي ذلك الحدود بين دولة مسلمة وأخرى. و لا ينافي ذلك أن ينظر الإمام فيما هو الأفضل والأكثر حظاً لأهل بلده، كالأب مع عياله، وأسرته، فهل ينافي كون المسلمين أمة واحدة، أن يهتم كل رب أسرة بما يصلح شأن أسرته ورعيته؟! كذا الوالي في كل دولة من دول المسلمين.
ولا ينافي ذلك أن يجب الجهاد على بعضهم دون بعضهم؛ لأن أهل البلد المداهمة أو المحصورة إذا عجزت وجبت نصرتها مع القدرة على التي تليها، ومن لا قدرة له لا تجب عليه النصرة، إذ القدرة مناط التكليف.
ولا ينافي ذلك صحة وانعقاد الولاية لكل من تغلب على أهل جهة، مقيماًً فيهم شرع الله، إذ ولي الأمر في الشرع هو الإمام الأعظم، ومن تغلب على أهل جهة، وصلح له الأمر، وهذا محل إجماع! ولا ينافي ذلك الانتماء إلى الوطن، والسمع والطاعة لولاة الأمر، والسعي بالنظر فيما فيه عز الوطن ورفعته، بين الدول،
بل هذا من مقتضى أن المسلم ينتمي إلى هذه البلد دون الأخرى، المهم أن لا يكون في هذا الانتماء ما يخالف الشرع؛ فالوطنية انتماء إلى الأرض برباط الدين بما لا يخالف الشرع.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- حن إلى بلده، في وقت كان الشرك والكفر هو المتغلب عليها؛ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ الزُّهْرِيَّ أخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ».
(أخرجه أحمد في المسند (4/ 305)، وأخرجه الدارمي في كتاب السير باب إخراج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة، تحت رقم: (2552) (3/ 1632 أسد)، والترمذي في كتاب المناقب، باب في فضل مكة، تحت رقم: (3925)، وابن ماجة في كتاب المناسك باب فضل مكة، تحت رقم: (3108)، والنسائي في (السنن الكبرى) كتاب الحج، باب فضل مكة (4/ 247 - 248، تحت رقم: 4238 - 4239)، وابن حبان (الإحسان9/ 22، تحت رقم: 3708)، والحاكم في المستدرك (3/ 7، 280، 431). والحديث قال الترمذي عنه: «حسن غريب صحيح»اهـ، وصححه ابن حبان والحاكم، ومحقق الإحسان، محقق سنن الدارمي.).
وعليه فإن لهؤلاء الولاة:
- السمع والطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق!
- ولا يجوز الخروج عليهم.
- ولا تهييج الناس عليهم.
فانظر ماذا ترتب على إطلاق العبارات البراقة، التي وإن كانت حق، لكن ترك البيان والتفصيل فيها، واستعمالها على إجمالها، ينتج هذه المفاسد والشرور؟!

ولذلك هو من مسالك أهل البدع!