السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الاثنين، 7 مارس 2016

كشكول ١٢٣٩: لا مدخل للاحتمالات العقلية المجردة في هذا الفن


لا مدخل للاحتمالات العقلية المجردة في هذا الفن ...

قال النووي رحمه الله (شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 178 - 179): "فَتْحَ بَابِ احْتِمَالِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِي مِثْلِ هَذَا (يعني: في ألفاظ الحديث) قَدْحٌ فِي الرُّوَاةِ وَالرِّوَايَاتِ فَإِنَّهُ لَوْ فُتِحَ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ لنا وَثِيقٌ بِشَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ إِلَّا الْقَلِيلَ وَلَا يَخْفَى بُطْلَانُ هَذَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَتَعَلُّقِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ مِمَّنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ"اهـ

وقال البلقيني في محاسن الاصطلاح على مقدمة ابن الصلاح :  (ص: 286): "ولو فتحنا باب التأويلات لاندفع كثير من علل المحدثين".

وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري (1/ 45): "هذا الظاهر كاف لمن شم أدنى رائحة من علم الإسناد والاحتمالات العقليه المجرده لا مدخل لها في هذا الفن"اهـ

كشكول ١٢٣٨: لقب (شيخ الإسلام) عند إطلاقه


لقب (شيخ الإسلام) عند إطلاقه في كلام السيوطي ومن في طبقته في علم الحديث يريد به الحافظ ابن حجر العسقلاني.
وإذا أطلقه ابن حجر يريد: السراج البلقيني.
ويطلقه أكثر أهل العلم اليوم على أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحراني (ت728هـ) رحمه الله.

وابن تيمية وابن القيم يطلقان هذا اللقب  على أبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي (المتوفى: 481هـ).
واذا قال الالوسي في تفسيره قال شيخ الاسلام يربد ابا السعود صاحب تفسير  ارشاد العقل السليم المعروف بتفسير ابي السعود.

كشكول ١٢٣٧: الرواة الذين أخرج لهم البخاري -رحمه الله- لهم ثلاث حالات


الرواة الذين أخرج لهم البخاري -رحمه الله- لهم ثلاث حالات:

الحال الاولى : ان يخرج لهم في الاصول .

الحال الثانية : ان يخرج لهم في المتابعات .

الحال الثالثة : ان يخرج لهم في الاصول والمتابعات.

والاصول المراد بها كل حديث ساقه البخاري بسنده الى الرسول صلى الله عليه وسلم . ولم يعطف على السند الاشارة الى ان فلانا وفلانا تابعا فلانا في الرواية عن فلان ونحو ذلك.
واما المتابعات فهي ان يسوق البخاري سنده بالحديث ثم يعطف عليه ان فلانا وفلانا تابعا فلانا ونحو ذلك.

ومما ليس في الاصول ولا المتابعات ما يعلقه في الباب بطرف السند. وهذا شيء آخر.
ويحصل ان البخاري يورد سنده ويشير الى وقوع متابعة لراو في السند.
وتارة يسوق سنده بحديث من طريق نفس الراوي الذي اشار الى وقوع المتابعة له بدون متابعة فهنا اخرج للراوي في الاصول وهناك اخرج له في المتابعات.

ومن تساهل الحاكم انه اعتبر جميع الرواة في الحالات الثلاث على شرط البخاري مطلقا .
والله الموفق

كشكول ١٢٣٦: وجه قول: "كل مسلم على ثغر"!


وجه قول: "كل مسلم على ثغر"! 
يقول الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:200)، فيه أن المؤمن في صبر ومصابرة ومرابطة في كل حال، يعني في جهاد، ويؤيده حديث فضالة بن عبيد قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ لِلَّهِ " أَوْ قَالَ: " فِي اللهِ " أخرجه أحمد تحت رقم (23951)، والترمذي تحت رقم (1621)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، وصحح إسناده محققو المسند. فالمسلم في جهاد مع نفسه الأمارة بالسوء يحملها على طاعة ربه، لذلك يقال : 
"يا مسلم اتق الله فأنت على ثَغرٌ من ثغور الإسلام لا يؤتى الإسلام من جهتك".
قال ابن تيمية رحمه الله (مجموع الفتاوى (10/635-  636، بتصرف يسير): "َيَحْتَاجُ الْمُسْلِمُ إلَى أَنْ يَخَافَ اللَّهَ وَيَنْهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى وَنَفْسُ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ لَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى اتِّبَاعِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ فَإِذَا كَانَتْ النَّفْسُ تَهْوَى وَهُوَ يَنْهَاهَا كَانَ نَهْيُهُ عِبَادَةً لِلَّهِ وَعَمَلًا صَالِحًا.
وَثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ"، فَيُؤْمَرُ بِجِهَادِهَا كَمَا يُؤْمَرُ بِجِهَادِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعَاصِي وَيَدْعُو إلَيْهَا وَهُوَ إلَى جِهَادِ نَفْسِهِ أَحْوَجُ فَإِنَّ هَذَا فَرْضُ عَيْنٍ وَذَاكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ .
وَالصَّبْرُ فِي هَذَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّ هَذَا الْجِهَادَ حَقِيقَةُ ذَلِكَ الْجِهَادِ فَمَنْ صَبَرَ عَلَيْهِ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ الْجِهَادِ. كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: "وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ السَّيِّئَاتِ". 
ثُمَّ هَذَا لَا يَكُونُ مَحْمُودًا فِيهِ إلَّا إذَا غَلَبَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ مَنْ يُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ"، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْإِنْسَانَ أَنْ يَنْهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى وَأَنْ يَخَافَ مَقَامَ رَبِّهِ فَحَصَلَ لَهُ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يُعِينُهُ عَلَى الْجِهَادِ فَإِذَا غَلَبَ كَانَ لِضَعْفِ إيمَانِهِ فَيَكُونُ مُفَرِّطًا بِتَرْكِ الْمَأْمُورِ؛ بِخِلَافِ الْعَدُوِّ الْكَافِرِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَدَنُهُ أَقْوَى فَالذُّنُوبُ إنَّمَا تَقَعُ إذَا كَانَتْ النَّفْسُ غَيْرَ مُمْتَثِلَةٍ لِمَا أُمِرَتْ بِهِ وَمَعَ امْتِثَالِ الْمَأْمُورِ لَا تَفْعَلُ الْمَحْظُورَ فَإِنَّهُمَا ضِدَّانِ"اهـ

كشكول ١٢٣٥: المال الخبيث يتخلص منه المسلم إذا لم يمكنه رده إلى أصحابه بالحق


المال الخبيث يتخلص منه المسلم إذا لم يمكنه رده إلى أصحابه بالحق.
لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
وتخلصه منه بأن ينفقه على المرافق العامة كتمهيد الطرقات وبناء الحمامات ونحو ذلك، و لا يعطيه لمسلم بعينه وإن كان فقيراً لأنه مال خبيث.
يدل على ذلك ما أخرجه أبوداود تحت رقم (3422)، والترمذي تحت رقم (1277)، عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ «فَنَهَاهُ عَنْهَا فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ، حَتَّى أَمَرَهُ أَنْ أَعْلِفْهُ نَاضِحَكَ وَرَقِيقَكَ». وصححه الألباني والأرنؤوط
ووجه الدلالة : أن كسب الحجام خبيث، فلم يأذن له أن ينتفع به إلا فيما هو كالمرافق العامة.
والله الموفق.

كشكول ١٢٣٤: كلمة عن المقاصد الشرعية


كلمة عن المقاصد الشرعية
الشيخ / محمد بازمول ـ شرح الموطأ 13/5/1437 – كتاب المكاتب – باب ما لا يجوز من عتق المكاتب 
الفقه الإسلامي يقوم على خمس قواعد كبرى :
1- الأمور بمقاصدها ودليلها : ( إنما الأعمال بالنيات )
2- اليقين لا يزول بالشك .
3- لا ضرر ولا ضرار .
4- العادة محكمة .
5- المشقة تجلب التيسير .
أفيدكم فائدة أنا استنبطتها :
فأقول : والمقاصد الشرعية تدور على خمسة مقاصد : 
1- أن مقصد الشريعة إقامة العبودية لرب العالمين .
2- أن الشريعة تدور على تحصيل المصالح وجلبها وتقليل المفاسد ودرئها .
3- أن الشريعة قائمة على اليسر ورفع الحرج .
4- أن مقصد الشريعة الحفاظ على الفطرة وتحقيق الأخلاق والترقي في الإحسان .
5- أن مقصود الشريعة في ذلك جميعه : حفظ الجماعة .
كل أمور الشريعة من جهة المقاصد تدور على هذه المقاصد الخمسة .
فهي خمسة مقاصد شرعية مقابل خمس قواعد فقهية ، كل مقاصد الشريعة ترجع إلى هذه الأمور الخمسة 
- المقاصد بمعنى الغايات .
والعلماء عند تعريفهم للمقاصد يقولون : المقاصد هي الغايات التي ترجع إليها الشريعة وأسرار التكاليف . 
فالغايات هي المقاصد العامة ، وأسرار التكاليف : يدخل تحتها المقاصد الخاصة والمقاصد الجزئية .
المقاصد الخاصة : هي مقاصد أبواب الشريعة فنقول مقاصد العبادات ، مقاصد المعاملات ثم تذكر مقاصد العبادات ، مقاصد المعاملات ثم تذكر مقاصد الصلاة والصوم والزكاة والحج .
وهناك تذكر مقاصد البيع والطلاق والعقوبات .
- أما الجزئية فهي ما تذكره من أهداف الحديث ، نقول : هذا الحديث فيه مقصد كذا ، فيه مقصد كذا .
- النوع الثالث من المقاصد : وهي الجزئية ، لم أر من أبرزها وألَّف فيها مثل ( شاه ولي الله الدهلوي ) في ( حجة الله البالغة ) .
- المقاصد الخاصة التي هي مقاصد أبواب الشريعة هي التي يتكلمون عنها باسم محاسن الشريعة على الأبواب .
مثل : المؤلفات التي ألفها العز بن عبد السلام ، مقاصد الصلاة والحج والصوم ، مثل هذه .
- المقاصد العامة توسعوا فيها ، لكن كلها ترجع إلى هذه الخمسة 
- لما يتكلم علماء المقاصد قبل  الشاطبي وقبل ابن تيمية لا يذكرون المقصد الأول بوضوح ، كل تركيزهم على جلب المصالح ودرء المفاسد من جهة حفظ الدين والعقل والنفس والعرض والمال . 
قال ابن تيمية : هي ليست محصورة في هذا .
جاء أحدهم ممن لم يفهم كلام ابن تيمية فقال : هي بالاستقراء محصورة في هذه . 
لم يفهم أن ابن تيمية لم يقصد ما يقصده ، فابن تيمية ينظر لشيء ثانٍ بعيد ، ويقول : المقاصد ليس النظر فيها إلى هذه الأمور فقط ، إنما النظر فيها – وهو المقصود الأصلي للشريعة – إلى تحقيق العبودية لله ، ولا تكمل سعادة الإنسان في الدنيا ولا في الآخرة إلا بذلك ، فلا بد أن يكون المقصد الأصلي والأساس الذي تنطلق منه كل المقاصد : مقصد تحقيق العبودية لله تعالى .
لما جاء الشاطبي استفاد من هذا لكنه لم يذكر أنه استفاده من ابن تيمية .
وهذا الموضوع الذي استدركه على كل من كتب في المقاصد ابن تيمية نفسه رحمه الله .
أنا حديث عهد بهذا أظن كلامه  في المجلد 11/343 جاء بمسألة أنه يتعقبهم في الحصر .
وكنت أقرأ لأحد من كتب في مقاصد العز بن عبد السلام فتعقب ابن تيمية في هذا الأمر ، وكلامه متعقب بهذا الأمر فابن تيمية لا يغيب عنه إن شاء االه تعالى أن المقاصد من جهة أمور الناس ترجع إلى هذه الخمسة ، لكن لما قال: إن حصرها بذلك غير صحيح؛ يقصد أمرا بعيدا أبعد مما أنت تتظر إليه  ، هو يقول : مقصود المقاصد هو تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة وتقليل الهم والقلق عليه في الدنيا والآخرة وهذا انما يكون بتحقيق العبودية لله رب العالمين فليست القضية مجرد حفظ الانسان في هذه الخمسة الامور المذكورة. أ . هـ .

كشكول ١٢٣٣: في قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}


في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ (آل عمران:182)، ومثلها في سورة (الأنفال:51)، وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ (الحج:10)، وقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾، (فصلت: 46)، وقوله تعالى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ (ق:29)، في جميع هذه المواضع جاء نفي الظلم عنه سبحانه وتعالى بصيغة (فعّال)، ﴿بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾، والسؤال : نفي المبالغة لا ينفي أصل الفعل، فلم قال: ﴿بظلام﴾ ولم يقل: "بظالم"، والمقام مقام تنْزِيه، ونفي الأدنى أبلغ مِنْ نَفْيِ الأَعْلَى، فلِمَ عُبّر هنا بصيغة المبالغة ولَم يقل: ليس بظالم. أَو ليس بذي ظلم للعبيد؟ 

والجواب : من وجوه : 
الوجه الأول: جرت العادة في القرآن أن بعض الآيات قد يكون فيها شبه إجمال وتبينه آيات أُخر، وقد أوضحت آيات أخر أن الله لا يظلم شيئاً، كقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ (النساء: الآية 40)، ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (يونس: الآية 44) فالآيات الواضحات بينت هذا وأوضحته غاية الإيضاح. 

الوجه الثاني: أن المبالغة هنا لا يقصد بها أصل المبالغة؛ لأن التكثير نظراً إلى كثرة العبيد؛ لأن الظّلم لمّا تَعَلَّقَ بالعبيد وكان العبيد في كثرة هائلة كان الظلم كثيراً جدّاً لكثرة من هو منفي عنهم؛ ولذا كان نفيه نفيه من أصله؛ لأن الكثرة فيه والمبالغة بحسب العبيد الذين يقع عليهم الظلم. 

الوجه الثالث : أن هذا العذاب الذي يعذبهم الله به هو عذاب فظيع هائل لا يُقَادر قدره ولا يُماثل مثله، فلو وقع منه ظلماً لكان مبالغاً في غاية الظلم مبالغة عظيمة، فنفى المبالغة بهذا الاعتبار، ومعناها نفي الفعل من أصله. 

الوجه الرابع : أنه إذا نفي الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ضرورة. لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر، كان للظلم القليل المنفعة أترك. 

الوجه الخامس : أن صيغة (فعّال) جاءت بدون إرادة الكثرة، وقد يراد بها النسب من قبيل (بزّاز) و (عطّار) لا للمبالغة، والمعنى لا ينسب إلى الظلم.

انظر تفسير القاسمي = محاسن التأويل (2/ 470)، العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (5/ 117 - 118).
.

كشكول ١٢٣٢: الاستعلاء الإيماني السلبي


الاستعلاء الإيماني السلبي 
المؤمن أعلى بإيمانه على غير المؤمن، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران:139)، ويقول سبحانه: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ (محمد:35).
ومن صوره أن تربأ بنفسك عن سفساف الأمور، فإن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها. 
ومن صوره أن تستعلي على نفسك الأمارة بالسوء في طاعة  الله.
وهذا الاستعلاء إيجابي.
أمّا الاستعلاء الإيماني السلبي فهو ما يتوهمه بعض الناس من فضل يثبته لنفسه بسبب طاعته ومعصية غيره من المؤمنين ناقصي الإيمان، فيرى في نفسه أنه خير من فلان ، لأن فلان يفعل المعصية، أو أن فلان هلك وانتهى، وأنه هو وصل وبلغ عند الله درجة أعلى منه، وهذا استعلاء سلبي؛
وقد يأتي الاستعلاء السلبي بصورة أخرى كأن يوهم حصر الخيارات في خيارين ويترك ما أمر به الشرع، كمن يخير بين الرجوع عن خطئه والتوبة والاعتراف بذلك، وبين العقوبة، فيستعلي استعلاء سلبياً، يقول: إن كنت مخطئاً فأستحق العقوبة، وإن كنت محقاً فإني لا استجدي الطاغية! وترك الخيار الذي أرشد الله إليه من التوبة والإنابة وتصحيح الخطأ، زين له الشيطان حصر نفسه في ذينك الخيارين، استعلاء سلبياً!
وقد يأتي ذلك في صورة أخرى عند التعامل مع الناس على أساس أنهم دائماً مقصرون، لا يخافون الله، وأنت فقط تتقي الله وتخافه!
بل ينبغي عليك يا مؤمن أن ترحم اخوانك وترجو لهم الخير، وتسوقهم ما استطعت إلى طريق ينالون به رحمة الله ورضاه عنك وعنهم؛ فإن المؤمنين رحماء فيما بينهم، قال تعالى: ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ (الفتح:29).  أخرج البخاري تحت رقم (6777) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، قَالَ: اضْرِبُوهُ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ، قَالَ: لاَ تَقُولُوا هَكَذَا، لاَ تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ". زاد في مسند أحمد  (13/ 366، تحت رقم 7986 الرسالة بسندقال محققو المسند:  "إسناده صحيح على شرط الشيخين"اهـ) : "وَلَكِنْ قُولُوا: رَحِمَكَ اللهُ" .
فاحذر بوركت الاستعلاء السلبي على إخوانك؛ الذي يزينه الشيطان أو نفسك الأمارة بالسوء !

كشكول ١٢٣١: ثلاثة أخطاء منهجية رصدتها في بعض الطروحات في الأيام الماضية


ثلاثة أخطاء منهجية رصدتها في بعض الطروحات في الأيام الماضية:

الأول: عدم ملاحظة ترتيب الادلة . وهذا افردته بمنشور او اكثر تجده في مدونتي.

الثاني: عدم التفريق بين باب الاحكام الشرعية وباب العاديات . وهذا اشرت اليه قريبا في منشور حول دخول الجني في الانسي.

الثالث: عدم مراعاة خطابات الشارع والمقصود به فصار بعضهم ينزل خطاباته لولاة الامر يجعلها على عموم المسلمين. واحيانا خطاباته عن الكافرين ينزلها على المسلمين. فاخطأوا في فهم المقصود من الخطاب واخطأوا في التنزيل .

كشكول ١٢٣٠: الآن الكفرة كالكتلة الشرقية والغربية نجحوا في خدمة الإنسان من حيث كونه حيواناً جسديّاً


قال الشنقيطي رحمه الله في العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (2/ 544- 545): "الآن الكفرة كالكتلة الشرقية والغربية نجحوا في خدمة الإنسان من حيث كونه حيواناً جسديّاً، وأنتجوا من القوة المادية والتنظيمية ما كان لا يدخل في حسبان أحد حتى في النوم، ولكنهم أفلسوا كل الإفلاس في الناحية الرّوحية؛ لأن أرواحهم خبيثة كأرواح البهائم والسباع، ليست مُرَبَّاةً على ضوء نورٍ سماوي، ولا تعليم إلهي، فصارت هذه القوة الطاغية كأنها في يَدِ سَفِيهٍ جَاهِل لا يدري ماذا يفعل بها؛ ولذا تجد العالم كله في قلق مِنْ أَنْ تَنْفَجِرَ هَذِهِ القوة وتُفني كثيراً من الدنيا، وتراهم يعقدون المؤتمر بعد المؤتمر، والمجلس بعد المجلس ليتخلصوا من تلك القوة التي بذلوا فيها النفس والنفيس"اهـ.

لفت نظري ٧٢: أن بعض الناس ينكر دخول الجني في بدن الإنسي


لفت نظري:
أن بعض الناس ينكر دخول الجني في بدن الإنسي، لأنه لم يجد على ذلك دليلاً من القرآن العظيم أو السنة النبوية الصحيحة؛ وهذا الذي قاله هؤلاء فيه نظر لأمور؛
الأمر الأول : ليس من أصول الفقه عدم التفريق بين الشرعيات والعاديات، بل الصحيح التفريق بينهما ؛ فالأولى لا تثبت إلا بدليل من القرآن أو السنة أو الإجماع أو القياس، لأن الأصل فيها أنها توقيف. وأمّا العاديات فيكفي فيها أن لا تخالف الشرع، لأن الأصل فيها الجواز والإباحة، بشرط أن لا يأتي في الشرع ما يدفعها ويخالفها.
الأمر الثاني : أن قضية دخول الجني في الإنسي ليست مسألة شرعية يطلب فيها الحكم الشرعي حتى تحتاج إلى دليل من القرآن أو السنة أو الإجماع أو القياس، بل هي من العاديات التي الأصل فيها الجواز و لا تحتاج إلا إلى تقرير أنها لا تخالف الشرع.
فمثلا لا نحتاج إلى دليل شرعي من الكتاب والسنة، لإثبات جواز دخول الميكروبات والفيروسات إلى جسد الإنسان، فإنه إذا تقرر بحسب كلام أهل الاختصاص أن هذا حاصل وأن لديهم من الأدلة ما يثبت ذلك ، وليس فيه ما يخالف الشرع قبلناه واكتفينا بذلك، و لا نحتاج إلى دليل من القرآن أو السنة في إثبات ذلك.
وكذا إذا جئنا إلى أمور العلاج بالرقية أو العلاجات الطبية فلا نحتاج إلى دليل من القرآن العظيم والسنة النبوية، أن هذه الرقية تنفع في كذا، يكفي أنها جربت فنفعت بشرط أن لا تكون مخالفة للشرع.
لأنها من العاديات وليست من الشرعيات.
وكذا مسألة دخول الجني في الإنسي هي من هذا القبيل، لا يطلب لها الدليل من القرآن العظيم أو من السنة، إذا أثبتها الناس واشتهرت وأقروها، فإن ذلك يكفي في ثبوتها، خاصة وأنه لم يرد في الشرع ما ينفيها؛ ولذلك تجد العلماء يشيرون إلى أنه ورد عن السلف التصريح بدخول الجني في الإنسي، وكذا حال الناس في كل عصر حوادث متكررة مشهودة بذلك، وهذا كاف في إثباتها، خاصة وقد ثبت في الشرع إيذاء الجني للإنسي بالمس، وأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم من العروق. 
 فطلب الدليل من القرآن العظيم والسنة المطهرة في العاديات هو من التكلف!