السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

السبت، 7 مارس 2015

شبهة والرد عليها ٢٥: شبهة في التكفير ٢



شبهة في التكفير (2)
مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله هو:
- التشريع العام،
- ووضع القوانين،
- وحمل الناس عليها.
قال سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ العلامة: محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-: «القوانين كفر ناقل عن الملة. اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم فهؤلاء نقضوا شهادة أن محمد رسول الله، ولا إله إلا الله أيضًا نقضوها، فإن من شهادة أن (لا إله إلا الله): لا مطاع غير الله، كما أنهم نقضوها بعبادة غير الله. 
وأما الذي قيل فيه: (كفر دون كفر)؛ إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاصٍ وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر، وإن قالوا: أخطأنا وحكم الشرع أعدل ففرق بين المقرر والمثبت والمرجح، جعلوه هو المرجع؛ فهذا كفر ناقل عن الملة»اهـ. (فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ: (12/280).).

رد الشبهة:
أقول: الذي يظهر لي -بحسب فهمي الضعيف فإن أصبت فالحمد لله، وإن أخطأت فأستغفر الله، فهذا مني ومن الشيطان أعوذ بالله منه-: 
إن كلام الشيخ: ليس فيه أن مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله هو التشريع العام، وتشريع القوانين الوضعية، بل أزعم أنه يجعل المناط في التكفير كالقول الثاني، ألا تراه يقيد فيقول: «اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم». 
فإن قيل: فما توجيه قوله: «وأما الذي قيل فيه: (كفر دون كفر)؛ إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاصٍ وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر»اهـ، فإنه فرَّق بين المرة ونحوها يحكم الحاكم بغير ما أنزل الله، وبين التشريع العام؟ 
فالجواب: بل كلامه هذا يؤكد أنه: لم يجعل مناط القضية التشريع العام، فإن الحاكم إذا وضع لنفسه قانونًا في القضايا أنه يأخذ كذا مقابل حكمه بكذا في قضية كذا، فهذا تشريع وهو يطبقه لنفسه، تشريعًا عامًّا، ولا يؤثر عندها أن يطبقه مرة أو نحوها أو يجعله قانونًا عامًّا، تشريعًا عامًّا؛ فدل على أن مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله عنده هو: ما يقترن بذلك من «اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم»، فهذا من كفر الشرك بالله، ولذلك قال الشيخ: «فهؤلاء نقضوا شهادة أن محمد رسول الله، ولا إله إلا الله أيضًا نقضوها، فإن من شهادة أن (لا إله إلا الله): لا مطاع غير الله، كما أنهم نقضوها بعبادة غير الله»اهـ.
يعني: فوقعوا في الشرك، وهو كفر أكبر، قال ابن القيم في (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: (1/ 346).): «وَأَمَّا الكُفرُ الأَكبَرُ، فَخَمسَةُ أَنوَاعٍ: كُفرُ تَكذِيبٍ، وَكُفرُ استِكبَارٍ وَإِبَاءٍ مَعَ التَّصدِيقِ، وَكُفرُ إِعرَاضٍ، وَكُفرُ شَكٍّ، وَكُفرُ نِفَاقٍ»اهـ.
فالحكم بغير ما أنزل الله، يخرج من الملة، إذا اشتمل على شيء من هذه الأنواع،
- فيدخل فيه معنى الشرك بـ «اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم». 
- ويدخل فيه معنى التولي والإعراض بالصورة التي يتحقق بها معنى التولي والإعراض، فالشيخ يعتبره كفرًا أكبر من هذه الجهة، لا لمجرد التشريع العام، وعليه فإن مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله عند الشيخ محمد بن إبراهيم هو إذا تحقق فيه الشرك بالله، ويرشحه أنه قابل هذه الصورة بقوله: «وأما الذي قيل فيه: (كفر دون كفر)؛ إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاصٍ، وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها»اهـ. 
فهو جعل الحكم بغير ما أنزل الله في المرة ونحوها لا يخرج من الملة؛ لأن المناط هو تحقق «اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم»، يؤكد هذا ما صدَّر به مقالته المعروفة بـ(تحكيم القوانين)؛ حيث قال في أولها: «إنَّ من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرَّدِّ إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله -عز وجل-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. [النساء: 59]»اهـ. 
فانظر -يا رعاك الله-: كيف قيد محل التكفير بـ «تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين»، ويؤكد هذا تفصيله في تفسير قول ابن عباس -رضي الله عنه- بما يلتقي مع القول بأن [من حكم بغير ما أنزل وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله وأنه خالف الشرع، ولكن استباح هذا الأمر ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك، وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله؛ فهو كافر كفرًا أكبر عند جميع العلماء؛ كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم ممن زعم أنه يجوز الحكم بها.
أو: زعم أنها أفضل من حكم الله.
أو: زعم أنها تساوي حكم الله، وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة، وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية؛ من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم. 
أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوًى أو لحظٍّ عاجل وهو يعلم أنه عاصٍ لله ولرسوله، وأنه فعل منكرًا عظيمًا، وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله؛ فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر، لكنه قد أتى منكرًا عظيمًا، ومعصية كبيرة، وكفرًا أصغر، كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفرًا دون كفر، وظلمًا دون ظلم، وفسقًا دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر، وهذا قول أهل السنة والجماعة].(مجموع فتاوى ومقالات ابن باز: (5/337).).

والله الموفق.

شبهة والرد عليها ٢٤: شبهة في التكفير



شبهة في التكفير:
الحكم بغير ما أنزل الله كفر بالإجماع. ومناط التكفير الذي يُخرِج من الملة في الحكم بغير ما أنزل الله هو أن الشريعة إذا نُحِّيت ووضع مكانها قوانين وضعية، فهذا تبديل لشرع الله، وهو كياسق جنكيز خان. قال ابن كثير: (تفسير ابن كثير: (3/131).): «وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون}. (المائدة: 50)، ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَاسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}؛ أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون}؛ أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عَقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن، وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء»اهـ. 
قال ابن كثير في (البداية والنهاية: (13/139).): «فَمَن تَرَكَ الشَّرعَ المُحكَمَ المُنَزَّلَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللَّهِ خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَتَحَاكَمَ إِلَى غَيرِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ المَنسُوخَةِ كَفَرَ، فَكَيفَ بِمَن تحاكم إلى الياسا وَقَدَّمَهَا عَلَيهِ؟! مَن فَعَلَ ذَلِكَ كَفَرَ بِإِجمَاعِ المُسلِمِينَ»اهـ.

رد الشبهة:
ليس في كلام ابن كثير أن مجرد الحكم بالقوانين الوضعية في تشريع عام هو كفر أكبر، ألا ترى أنه قيد كلامه بقيود، وهي في قوله: «وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَاسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-»اهـ، فذكر قيدين:
- أنها صارت شرعا متبعًا؛ أي: يرون لزومها ووجوبها.
- أنهم يقدمونها على الحكم بالكتاب والسنة.
وبه يظهر أن مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله: أن [من حكم بغير ما أنزل وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله وأنه خالف الشرع، ولكن استباح هذا الأمر ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك، وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله؛ فهو كافر كفرًا أكبر عند جميع العلماء؛ كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم ممن زعم أنه يجوز الحكم بها.
أو: زعم أنها أفضل من حكم الله.
أو: زعم أنها تساوي حكم الله، وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة، وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية؛ من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم. 
أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوًى أو لحظٍّ عاجل وهو يعلم أنه عاصٍ لله ولرسوله، وأنه فعل منكرًا عظيمًا، وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله؛ فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر، لكنه قد أتى منكرًا عظيمًا، ومعصية كبيرة، وكفرًا أصغر، كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفرًا دون كفر، وظلمًا دون ظلم، وفسقًا دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر، وهذا قول أهل السنة والجماعة]. (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز: (5/337).).

كشكول ٧٩٨: مطوية عن التطبيقات الحديثية



مطوية عن التطبيقات الحديثية أعدها فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم كشيدان -سلمه الله ورعاه-.

كشكول ٧٩٧: حرية الاعتقاد



حرية الاعتقاد
انظر الرابط التالي:

علمني ديني ١٩١: لا يسع الناس بعد البعثة النبوية غير الإسلام الذي جاء به نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-


علمني ديني :
أنه لا يسع الناس بعد البعثة النبوية غير الإسلام الذي جاء به نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وأنه ليس أمامهم إلا الإسلام أو القتال أو الجزية إن كانوا أهل كتاب.
قال تبارك وتعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. (آل عمران: 85).
عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ». (أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة}، حديث رقم: (25)، ومسلم في كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ومحمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حديث رقم: (22).).
في هذا الحديث يبين الرسول أنه أمر بأن يدعو الناس إلى الإسلام: عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يتبعوه في بلاغه عن ربه، فلا حرية لأحد في اعتقاده، بل لابد من الدخول في الإسلام أو القتال.
ويؤيده قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. (الأنفال: 39). 
وخرج من هذا الحكم أهل الكتاب، فلهم أن يبقوا على دينهم ويدفعوا الجزية، فقال جل وعلا: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِاليَوْمِ الآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}. (التوبة: 29).
بل بين الله -جل وعلا- أنه لا يقبل بعد بعثة الرسول إلا الإسلام، فقال -جل في علاه-: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ}. (آل عمران: 85).
وقال -جل وعلا-: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الحِسَابِ}. (آل عمران: 19).
وقرر هذا المعنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ». (أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، حديث رقم: (153).).
يعني أنه كافر مخلد في النار؛ فمن لم يكفر الكافر؛ كذَّب الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

سؤال وجواب ١٢١: هل يقع الطلاق المعلق؟



سؤال: «عرفت من صديق بأن أحد أقاربه (صاحب الرواية) اتصل أخو زوجته به وقال له سوف آتي إلى بيتك -بلهجة عدائية- وتعال إلى بيتك (حيث كان خارج البيت) ثم اتصل هذا الشخص بزوجته وقال لها: «إذا دخل أخاك البيت فأنت طالق». ثم وصل أخوها إلى البيت وأدخلته رغم تحذير زوجها لها (كان الزوج خارج البيت) حذرها بأنها طالق فهل يحصل الطلاق بهذه الحالة؟ طلاق واحد أم ثلاث طلقات تعتبر؟ وفي حاله الطلاق التام ماذا يترتب على ذلك؟ وفي حاله الطلاق الواحد ماذا يترتب على ذلك؟ علمًا بأن الرجل قيم، ويستطيع منع أخيها من الدخول لو كان سابقًا له في الوصول. وهل تعتبر المرأة مطيعة لزوجها في هذا أم عاصيه له؟ رغم أن الزوجة تعرف أن أخيها يريد شرًا بزوجها، ورغم هذا فتحت له الباب وأدخلته، ولو كان زوجها وصل وأخيها موجود لحصل شر بينها».

الجواب:
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى. أما بعد: جواب سؤالك يا أخي هو التالي:
أولاً: لا ينبغي للمسلم أن يجعل أمر الطلاق على لسانه كلما حدث شيء بينه وبين زوجه، فإنه إن كره منها خلقاً رضي منها آخر، وكذا لا يحسن به أن يحملها وزر أحد من أهلها كأخيها أو أبيها أو خالها أو عمها أو غيرهم، فإن هذا أمر لا يستحسن، والله -عز وجل- يقول: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمّ إلى رَبّكُمْ مّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
ثانياً: أمر الطلاق وما يتعلق به الأفضل أن يرجع فيه إلى الحاكم الشرعي؛ لينظر في القضية بملابساتها، وأنا وغيري ممن تعرض للفتوى إنما نفتي بحسب ما بين أيدينا من سؤال فلتنتبه لهذا، بارك الله فيك!
ثالثاً: ما ذكرته -سلمك الله- من حال هذا الرجل وقوله لزوجه: «إذا دخل أخوك البيت فأنت طالق!»؛ يسميه أهل العلم: الطلاق المعلق.
رابعاً: وصيغة تعليق الطلاق التي فيها معنى الحض والمنع، المرجع فيها إلى نية الزوج! بخلاف الصيغ الأخرى، وذلك أن صيغ الطلاق ثلاث:
- صيغة منجزة مرسلة.
- وصيغة معلقة.
- وصيغة يمين!
وصيغة التنجيز المرسلة كقول الزوج لزوجته: أنت طالق أو مطلقة أو فلانة طالق أو أنت الطلاق أو طلقتك ونحو ذلك! فهذا طلاق مطلق، غير معلق بصفة!
وصيغة اليمين أو القسم كما إذا قال: الطلاق يلزمني لأفعلن كذا؛ فهذه يمين باتفاق أهل اللغة والفقهاء، فيحلف بالطلاق على حض نفسه أو غيره أو منع نفسه أو غيره أو على تصديق خبر أو تكذيبه!
وصيغة تعليق كقوله: «إن دخلت الدار فأنت طالق»، أو كما في سؤال الأخ: «إذا دخل أخوك البيت فأنت طالق!»، فهذه الصيغة حكمها هو محل السؤال، والمرجع فيها إلى نية الزوج فإن قصد بتعليقه تعظيم الأمر وتأكيده ولم يقصد الطلاق عند وقوع الصفة بل يكرهه ويكره وقوعه ولا يريده أصلاً؛ فهذه حكمها حكم الطلاق بصيغة اليمين والقسم.
وقد اختلف في الطلاق بصيغة اليمين؛
- فمنهم من قال: يقع بها الطلاق إذا حنث،
- ومنهم من غلب عليها جانب اليمين فلم يوقع به الطلاق بل قال: عليه كفارة يمين، أو قال لاشيء عليه بحال.
والأظهر عندي أن عليه كفارة يمين ولا يلزمه طلاق أصلاً، إذ لم يرده، والله أعلم.
وإن قصد الزوج بهذه الصيغة وقوع الطلاق عند الشرط أو الصفة، فهذا يقع به الطلاق إذا وجدت الصفة، كما يقع المنجز قال ابن تيمية -رحمه الله- (33/46): «عند عامة السلف والخلف»اهـ.
والخلاصة: أن هذا الزوج يُسأل عن نيته،
- فإن كانت نيته إيقاع الطلاق عند الصفة وقعت طلقة على الزوجة!
- وإن كانت نيته تأكيد الأمر وتعظيمه ويكره وقوع الطلاق ولا يريده؛ فهذا عليه إذا وقعت الصفة كفارة يمين، على الأرجح من كلام أهل العلم!
ولعلك علمت مما سبق أن الذي يقع به إذا أراد وقوع الطلاق عند الصفة إنما هو طلقة واحدة فقط!
خامساً: والمرأة عاصية لزوجها بمخالفة أمره في نهيها عن إدخال أخيها إلى بيتها، إذ من حق زوجها عليها أن لا تدخل بيته من لا يرضاه، كما في حديث جابر في صفة حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لما ذكر خطبته -صلى الله عليه وسلم- بعرفة وجاء فيها: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ». (أخرجه مسلم).
قال النووي -رحمه الله- عند شرحه للحديث: «والمختار أن معناه ألا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلاً أجنبيًا، أو امرأة، أو أحدًا من محارم الزوجة. فالنهي يتناول جميع ذلك. وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه؛ لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه، أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرف رضاه بإطراد العرف بذلك ونحوه. ومتى حصل الشك في الرضا، ولم يترجح شيء، ولا وجدت قرينة؛ لا يحل الدخول ولا الإذن، والله أعلم»اهـ.
فالمرأة آثمة بمخالفتها لزوجها؛ عليها المبادرة إلى الاستغفار، والندم على تفريطها، والسعي إلى نيل رضى زوجها، والعزم على عدم العود إلى مثل هذا الفعل!
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

سؤال وجواب ١٢٠: هل الجثة الموجودة اليوم المحنطة هي لفرعون موسى؟



سؤال: «قول الله -تبارك وتعالى-: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ}. (يونس: 92). فهل في هذا دليل على أن الجثة الموجودة اليوم المحنطة هي لفرعون موسى؟».

الجواب:
لا دلالة في الآية على ذلك، بل الآية تدل على خلافه؛
لأننا نقول: لو كان بقاء جثته آية لمن بعده فلم لم تظهر إلا بعد ألفين سنة تقريباً من غرقه؟ فإنهم لم يكتشفوا هذه الجثث المحنطة إلا في القرن السابق.
ونقول: المذكور في الآية أن جثته هي التي تنجو دون غيره، فلو كان المراد النجاة بالتحنيط لم بقيت جثث أخرى محنطة لفراعنة مصر؟
ولذلك الآية فيما يظهر أنها تتحدث عن تنجيته، وتنحية جثته بعد غرقه؛ ليراه من كان يشك في موته. ففي الدر المنثور: «عن مجاهد -رضي الله عنه- في قوله {فاليوم ننجيك ببدنك} قال: بجسدك، كذب بعض بني إسرائيل بموت فرعون فألقي على ساحل البحر؛ حتى يراه بنو إسرائيل أحمر قصيراً كأنه ثور».
وفي كلام مجاهد -رحمه الله- ما يشير إلى أن هيئة فرعون موسى تختلف عن هذه الجثة المحنطة اليوم، والله أعلم.

كشكول ٧٩٦: التنبه للمفردات القرآنية ودلالاتها



التنبه للمفردات القرآنية ودلالاتها.
لو جاء أحد يفسر قوله تعالى: {ذلك الكتاب} بمعنى: هذا الكتاب؛ لكان في تفسيره هذا قصور في بيان معنى الآية،
نعم هذا التفسير قرب المعنى، لكنه لم يؤد المعنى كاملاً،
لأنك لو نظرت في كتب التفسير الذين يراعون هذه الألفاظ والتراكيب في الأسلوب القرآني تجدهم يقولون: {ذلك الكتاب} لماذا استعمل وصف الإشارة للبعيد، والقرآن قريب بين يدي من يقرؤه، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقرؤه وهو قريب؟ قالوا: الإشارة إلى بُعده، وعلوه، وعظمته؛ لما للقرآن من علو وعظمة ينبغي أن تكون في نفوس الناس؛ لأنه كلام الله.
أو يذكرون على التفسير الإشاري -وهو هنا معنى مقبول-، أن نقول: لبُعد من تلبس بخلاف تعاليمه عن الوقوف على معانيه لبعده في معانيه. مثل قوله تعالى: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}. (الواقعة: 79)، فإن أهل العلم قالوا: في هذه الآية إشارة إلى أن من لم يُخَلِّص نفسه وداخله عن المعاصي والذنوب فإنه لا يقف على فهم معاني القرآن، فكذا قوله: {ذلك الكتاب} إشارة إلى بعده وعلوه عن أن يبلغ أفهام من تلبس بالذنوب والمعاصي، فاسم الإشارة (ذلك) فيه: إشارة إلى البُعْد، بينما اسم الإشارة (هذا) فيه: إشارة إلى القرب، والحقيقة: أن هذا القرآن بعيد معنوياً في مكانته وفضله، وبعيد عن أن تنال معاني ألفاظه لمن بَعُدَ عن تعاليمه فائتمر بما فيه من الأوامر وانتهى عما فيه من النواهي، فهذا المعنى باسم الإشارة (ذلك) للبعيد ليس موجوداً في اسم الإشارة (هذا) للقريب؛ فمن فسَّر {ذلك الكتاب} بمعنى: هذا الكتاب، أو هذا القرآن؛ لم يأت بالمعنى المراد بكامله، وإنما قرَّر بعض المعنى.

كشكول ٧٩٥: معلومة حول كتب معاني كلمات القرآن وكتب غريب القرآن



معلومة حول كتب معاني كلمات القرآن وكتب غريب القرآن:

ليس كل ما جاز لغة جاز تفسيراً،
وهناك قوم يستندون في تفسيرهم على الاستدلال، يفسرون الآيات والأحاديث بحسب اللغة، فنتج عن هذا إهمال المرادات الشرعية؛
- فأضاعوا الحقائق الشرعية للألفاظ،
- وأضاعوا الحقائق العرفية للألفاظ،
وبالتالي صار عندنا تفسير قرآن ليس هو التفسير الذي أراده الله سبحانه وتعالى.
وهذا من أكبر الأخطاء في الكتب الصغيرة التي تسمى (كلمات القرآن)، فإن أغلب الذين يفسرون في كلمات القرآن يفسرون من حيث اللغة، وقد سبق ذكر أمر آخر يقع في مثل هذه الكتب وهو: أنه قد يأتي للفظة القرآنية أكثر من معنى وهو لا يورد إلا معنى واحداً، فيتحكم في ذلك، وقد يكون هذا المعنى الواحد بعض المراد لا كله، وهذا قصور!
وكتب غريب القرآن لا تفسر ألفاظ القرآن من جهة معانيها المرادة في الآية، إنما تذكر معنى اللفظ من جهة اللغة، فلا يعتمد عليها لمعرفة معاني القرآن.
ولذلك يخطيء من يظن أن المفردات للأضفهاني في غريب القرآن، بل هو في معاني القرآن، والاسم المثبت على بعض الطبعات خطأ من تصرف الناشرين، والله المستعان.

كشكول ٧٩٤: المؤمن منهي أن يحزن على من لم يدخل في الإسلام، أو يكون في ضيق من مكر أعداء الدين



المؤمن منهي أن يحزن على من لم يدخل في الإسلام، أو يكون في ضيق من مكر أعداء الدين.

قال ابن تيمية -رحمه الله- في شرحه لحديث «بدا الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ»: «وكما أن الله نهي نبيه أن يصيبه حزن أو ضيق ممن لم يدخل في الإسلام في أول الأمر، فكذلك في آخره. فالمؤمن منهي أن يحزن عليهم، أو يكون في ضيق من مكرهم.
وكثير من الناس إذا رأى المنكر، أو تغير كثير من أحوال الإسلام جَزَع وكَلَّ ونَاحَ، كما ينوح أهل المصائب، وهو منهي عن هذا؛
بل هو مأمور:
بالصبر،
والتوكل،
والثبات على دين الإسلام،
وأن يؤمن بالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون،
وأن العاقبة للتقوى.
وأن ما يصيبه فهو بذنوبه،
فليصبر، إن وعد الله حق،
وليستغفر لذنبه،
وليسبح بحمد ربه بالعشي والإبكار.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ثم يعود غريبًا كما بدأ» يحتمل شيئين:
أحدهما: أنه في أمكنة وأزمنة يعود غريبًا بينهم ثم يظهر، كما كان في أول الأمر غريبًا ثم ظهر؛ ولهذا قال: «سيعود غريبًا كما بدأ». وهو لما بدأ كان غريبًا لا يعرف ثم ظهر وعرف، فكذلك يعود حتى لا يعرف ثم يظهر ويعرف. فيقل من يعرفه في أثناء الأمر كما كان من يعرفه أولاً.
ويحتمل أنه في آخر الدنيا لا يبقي مسلمًا إلا قليل. وهذا إنما يكون بعد الدجال ويأجوج ومأجوج عند قرب الساعة. وحينئذ يبعث الله ريحًا تقبض روح كل مؤمن ومؤمنة، ثم تقوم الساعة. وأما قبل ذلك فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة». وهذا الحديث في الصحيحين، ومثله من عدة أوجه. فقد أخبر الصادق المصدوق أنه لا تزال طائفة ممتنعة من أمته على الحق، أعزاء، لا يضرهم المخالف ولا خلاف الخاذل. فأما بقاء الإسلام غريبًا ذليلًا في الأرض كلها قبل الساعة فلا يكون هذا.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ثم يعود غريبًا كما بدأ» أعظم ما تكون غربته إذا ارتد الداخلون فيه عنه، وقد قال تعالى: «مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ على الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ على الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ». (المائدة: 54). فهؤلاء يقيمونه إذا ارتد عنه أولئك. وكذلك بدأ غريبًا ولم يزل يقوى حتى انتشر. فهكذا يتغرب في كثير من الأمكنة والأزمنة، ثم يظهر، حتى يقيمه الله -عز وجل- كما كان عمر بن عبد العزيز لما ولي. وقد تَغَرَّبَ كثير من الإسلام على كثير من الناس، حتى كان منهم من لا يعرف تحريم الخمر. فأظهر الله به في الإسلام ما كان غريبًا.
وفي السنن: «إن الله يبعث لهذه الأمة في رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها». والتجديد إنما يكون بعد الدروس، وذاك هو غربة الإسلام.
وهذا الحديث يفيد المسلم أنه لا يغتم بقلة من يعرف حقيقة الإسلام، ولا يضيق صدره بذلك، ولا يكون في شك من دين الإسلام، كما كان الأمر حين بدأ. قال تعالى: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إليكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ}. (يونس: 94)، إلى غير ذلك من الآيات والبراهين الدالة على صحة الإسلام.
وكذلك إذا تغرب يحتاج صاحبه من الأدلة والبراهين إلى نظير ما احتاج إليه في أول الأمر. وقد قال له: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إليكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ}. (يونس: 94)، وقال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}. (الفرقان: 44). وقد تكون الغربة في بعض شرائعه، وقد يكون ذلك في بعض الأمكنة. ففي كثير من الأمكنة يخفي عليهم من شرائعه ما يصير به غريبًا بينهم، لا يعرفه منهم إلا الواحد بعد الواحد. ومع هذا، فطوبي لمن تمسك بتلك الشريعة كما أمر الله ورسوله، فإن إظهاره، والأمر به، والإنكار على من خالفه هو بحسب القوة والأعوان.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. ليس وراء ذلك من الإيمان حَبَّة خَرْدَل».»اهـ. (مجموع الفتاوى: (18/295-299).).

تطبيق حديثي ٤، ٥، ٦، ٧، ٨



تطبيق حديثي (4، 5، 6، 7، 8):
- مثال للضعيف يسير الضعف.
- مثال للحسن لغيره.
- مثال للمتابعة القاصرة.
- مثال للضعيف شديدالضعف.
- مثال لما في سنده وضاع.
أخرج الترمذي في أبواب الجنائز، بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، حديث رقم: (1074)، قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ القَبْرِ».
قال الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ رَبِيعَةُ بْنُ سَيْفٍ، إِنَّمَا يَرْوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَا نَعْرِفُ لِرَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ سَمَاعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو»اهـ.
تراجم رجال السند: 
مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ.
وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ.
وَأَبُو عَامِرٍ العَقَدِيُّ كلهم ثقات.
هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ، هو المدنى أبو عباد و يقال أبو سعيد القرشي، يقال له يتيم زيد بن أسلم مولى آل أبى لهب (ويقال مولى بنى مخزوم)، توفي 160 هـ أو قبلها، قال الذهبي: «قال أبو حاتم: «لا يحتج به». وقال أحمد: «لم يكن بالحافظ». قلت: «حسن الحديث». قال ابن حجر: «صدوق له أوهام، ورمى بالتشيع».
سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ هو الليثى مولاهم، أبو العلاء المصرى، مولى عروة بن شييم الليثى (و يقال: أصله من المدينة)، توفي بعد 130 هـ، وقيل قبلها وقيل 149 هـ، قال ابن حجر: «صدوق، لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفًا إلا أن الساجى حكى عن أحمد أنه اختلط».
رَبِيعَةَ بْنِ سَيْف هو بن ماتع المعافرى الصنمى الإسكندرانى، توفي 120 هـ تقريبًا، الذهبي: قال الدارقطني: «صالح». وقال البخاري: «عنده مناكير». قال ابن حجر: «صدوق له مناكير».
تحقق الاتصال:
الإسناد فيه انقطاع، لم يسمع ربيعة بن سيف من عبدالله بن عمرو بن العاص. قال الترمذي: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ رَبِيعَةُ بْنُ سَيْفٍ، إِنَّمَا يَرْوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَلَا نَعْرِفُ لِرَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ سَمَاعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو»اهـ.
مرتبة الحديث بهذا الإسناد أنه ضعيف، للانقطاع. وهو ضعيف يسير يصلح للتقوي والانجبار.
وأخرج الحديث أحمد (11/ 627، تحت رقم: 7050) قال: «حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَعِيدٍ التُّجِيبِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا قَبِيلٍ الْمِصْرِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ».
تراجم الرجال:
إبراهيم بن أبي العباس، ويقال: العباس، السامري، أبو إسحاق الكوفي (نزيل بغداد، أصله من الأبناء)، قال الذهبي: «وثقه الدارقطني، قال ابن حجر: «ثقة تغير بأخرة فلم يحدث».».
بقية هو ابن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكلاعى الحميرى الميتمى، أبو يحمد الحمصى، توفي 197 هـ، قال الذهبي: «الحافظ، وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات». وقال النسائي: «إذا قال: حدثنا وأخبرنا فهو ثقة». قال ابن حجر: «صدوق كثير التدليس عن الضعفاء».
معاوية بن سعيد هو ابن شريح بن عزرة التجيبى المصرى، ويقال معاوية بن يزيد، مولى بنى فهم من تجيب، قال الذهبي: «وثق». وقال ابن حجر: «مقبول».
أبو قبيل، هو حيى بن هانىء بن ناضر بن يمنع المصرى، أبو قبيل المعافرى (ثم من بني سريع)، توفي 128 هـ بـ البرلس بمصر، قال الذهبي: «وثقه جماعة، وقال أبو حاتم: «صالح الحديث».». قال ابن حجر: «صدوق يهم».
تحقق الاتصال:
السند مصرح فيه بصيغة صريحة بالتحديث بين جميع رواته، فأمن تدليس بقية.
مرتبة الإسناد:
الحديث بهذا الإسناد حسن لغيره. لحاجة معاوية بن سعد للمتابعة؛ ليتقوى حاله في الضبط، وقد توبع متابعة قاصرة بالسند الأول، حيث التقى الإسنادان في عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-، فيرتقي بها الحديث إلى درجة الحسن لغيره.
وأخرجه عبدالرزاق في المصنف تحت رقم: (5595) بسند ضعيف مرسل، عن ابن جريج عن رجل عن ابن شهاب مرفوعاً.
وأخرجه أبو يعلى في مسنده تحت رقم: (4002) من طريق عبدالله بن جعفر عن واقد بن سلامة، عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعاً، وعبدالله بن جعفر وشيخه واقد، وشيخه يزيد كلهم ضعفاء، فهو أشد ضعفاً، لكن يصلح للتقوي.
وقد جاءت طرق أخرى للحديث لا تصلح للتقوي والانجبار:
عن زيد بن أسلم مرفوعاً، أخرجة الدارقطني في الغرائب والأفراد انظر (أطراف الغرائب والأفراد 3/ 357، تحت رقم: 2899، وقال: «غَرِيب من حَدِيث زيد عَنهُ، تفرد بِهِ أَبُو نعيم عَن خَارِجَة بن مُصعب عَنهُ، وَلم يروه عَنهُ غير بشر بن قافي»، ومن طريقه ابن عساكر في تعزية المسلم (ص: 80)، تحت رقم: 110، قال: «أَخْبَرَنَا أَبِي -رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنا أَبُو طَالِبِ بْنُ الْبَنَّاءِ أَنْبَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْأَبَنُوسِيِّ أَنْبَا أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ نَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ بِشْرِ بْنِ فَافٍ نَا أَبُو نَعِيمٍ نَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنِ مَاتَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ».
وهذا سند شديد الضعف جداً، ففيه خارجة بن مصعب متروك، كان يدلس عن الكذابين، ويقال: «إن ابن معين كذبه». 
وعن جابر أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (3/ 155)، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَبَّاسِ الْوَرَّاقُ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو الْعَلَاءِ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْوَجِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أُجِيرَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ». غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَمُحَمَّدٍ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ مُوسَى، وَهُوَ مَدَنِيٌّ فِيهِ لِينٌ»اهـ.
وهذا السند فيه عمر بن موسى، نسب إلى وضع الحديث. فلا يصلح للتقوي والاعتبار.