السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

السبت، 7 مارس 2015

شبهة والرد عليها ٢٥: شبهة في التكفير ٢



شبهة في التكفير (2)
مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله هو:
- التشريع العام،
- ووضع القوانين،
- وحمل الناس عليها.
قال سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ العلامة: محمد بن إبراهيم آل الشيخ -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته-: «القوانين كفر ناقل عن الملة. اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم فهؤلاء نقضوا شهادة أن محمد رسول الله، ولا إله إلا الله أيضًا نقضوها، فإن من شهادة أن (لا إله إلا الله): لا مطاع غير الله، كما أنهم نقضوها بعبادة غير الله. 
وأما الذي قيل فيه: (كفر دون كفر)؛ إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاصٍ وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر، وإن قالوا: أخطأنا وحكم الشرع أعدل ففرق بين المقرر والمثبت والمرجح، جعلوه هو المرجع؛ فهذا كفر ناقل عن الملة»اهـ. (فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ: (12/280).).

رد الشبهة:
أقول: الذي يظهر لي -بحسب فهمي الضعيف فإن أصبت فالحمد لله، وإن أخطأت فأستغفر الله، فهذا مني ومن الشيطان أعوذ بالله منه-: 
إن كلام الشيخ: ليس فيه أن مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله هو التشريع العام، وتشريع القوانين الوضعية، بل أزعم أنه يجعل المناط في التكفير كالقول الثاني، ألا تراه يقيد فيقول: «اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم». 
فإن قيل: فما توجيه قوله: «وأما الذي قيل فيه: (كفر دون كفر)؛ إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاصٍ وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر»اهـ، فإنه فرَّق بين المرة ونحوها يحكم الحاكم بغير ما أنزل الله، وبين التشريع العام؟ 
فالجواب: بل كلامه هذا يؤكد أنه: لم يجعل مناط القضية التشريع العام، فإن الحاكم إذا وضع لنفسه قانونًا في القضايا أنه يأخذ كذا مقابل حكمه بكذا في قضية كذا، فهذا تشريع وهو يطبقه لنفسه، تشريعًا عامًّا، ولا يؤثر عندها أن يطبقه مرة أو نحوها أو يجعله قانونًا عامًّا، تشريعًا عامًّا؛ فدل على أن مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله عنده هو: ما يقترن بذلك من «اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم»، فهذا من كفر الشرك بالله، ولذلك قال الشيخ: «فهؤلاء نقضوا شهادة أن محمد رسول الله، ولا إله إلا الله أيضًا نقضوها، فإن من شهادة أن (لا إله إلا الله): لا مطاع غير الله، كما أنهم نقضوها بعبادة غير الله»اهـ.
يعني: فوقعوا في الشرك، وهو كفر أكبر، قال ابن القيم في (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: (1/ 346).): «وَأَمَّا الكُفرُ الأَكبَرُ، فَخَمسَةُ أَنوَاعٍ: كُفرُ تَكذِيبٍ، وَكُفرُ استِكبَارٍ وَإِبَاءٍ مَعَ التَّصدِيقِ، وَكُفرُ إِعرَاضٍ، وَكُفرُ شَكٍّ، وَكُفرُ نِفَاقٍ»اهـ.
فالحكم بغير ما أنزل الله، يخرج من الملة، إذا اشتمل على شيء من هذه الأنواع،
- فيدخل فيه معنى الشرك بـ «اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم». 
- ويدخل فيه معنى التولي والإعراض بالصورة التي يتحقق بها معنى التولي والإعراض، فالشيخ يعتبره كفرًا أكبر من هذه الجهة، لا لمجرد التشريع العام، وعليه فإن مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله عند الشيخ محمد بن إبراهيم هو إذا تحقق فيه الشرك بالله، ويرشحه أنه قابل هذه الصورة بقوله: «وأما الذي قيل فيه: (كفر دون كفر)؛ إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاصٍ، وأن حكم الله هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها»اهـ. 
فهو جعل الحكم بغير ما أنزل الله في المرة ونحوها لا يخرج من الملة؛ لأن المناط هو تحقق «اعتقاد أنه حاكمة وسائغة وبعضهم يراها أعظم»، يؤكد هذا ما صدَّر به مقالته المعروفة بـ(تحكيم القوانين)؛ حيث قال في أولها: «إنَّ من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرَّدِّ إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله -عز وجل-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. [النساء: 59]»اهـ. 
فانظر -يا رعاك الله-: كيف قيد محل التكفير بـ «تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين»، ويؤكد هذا تفصيله في تفسير قول ابن عباس -رضي الله عنه- بما يلتقي مع القول بأن [من حكم بغير ما أنزل وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله وأنه خالف الشرع، ولكن استباح هذا الأمر ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك، وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله؛ فهو كافر كفرًا أكبر عند جميع العلماء؛ كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم ممن زعم أنه يجوز الحكم بها.
أو: زعم أنها أفضل من حكم الله.
أو: زعم أنها تساوي حكم الله، وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة، وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية؛ من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم. 
أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوًى أو لحظٍّ عاجل وهو يعلم أنه عاصٍ لله ولرسوله، وأنه فعل منكرًا عظيمًا، وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله؛ فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر، لكنه قد أتى منكرًا عظيمًا، ومعصية كبيرة، وكفرًا أصغر، كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفرًا دون كفر، وظلمًا دون ظلم، وفسقًا دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر، وهذا قول أهل السنة والجماعة].(مجموع فتاوى ومقالات ابن باز: (5/337).).

والله الموفق.