السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

السبت، 7 مارس 2015

شبهة والرد عليها ٢٤: شبهة في التكفير



شبهة في التكفير:
الحكم بغير ما أنزل الله كفر بالإجماع. ومناط التكفير الذي يُخرِج من الملة في الحكم بغير ما أنزل الله هو أن الشريعة إذا نُحِّيت ووضع مكانها قوانين وضعية، فهذا تبديل لشرع الله، وهو كياسق جنكيز خان. قال ابن كثير: (تفسير ابن كثير: (3/131).): «وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون}. (المائدة: 50)، ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المُحكَم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَاسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير، قال الله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ}؛ أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون}؛ أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عَقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن، وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء»اهـ. 
قال ابن كثير في (البداية والنهاية: (13/139).): «فَمَن تَرَكَ الشَّرعَ المُحكَمَ المُنَزَّلَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللَّهِ خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَتَحَاكَمَ إِلَى غَيرِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ المَنسُوخَةِ كَفَرَ، فَكَيفَ بِمَن تحاكم إلى الياسا وَقَدَّمَهَا عَلَيهِ؟! مَن فَعَلَ ذَلِكَ كَفَرَ بِإِجمَاعِ المُسلِمِينَ»اهـ.

رد الشبهة:
ليس في كلام ابن كثير أن مجرد الحكم بالقوانين الوضعية في تشريع عام هو كفر أكبر، ألا ترى أنه قيد كلامه بقيود، وهي في قوله: «وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان، الذي وضع لهم اليَاسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-»اهـ، فذكر قيدين:
- أنها صارت شرعا متبعًا؛ أي: يرون لزومها ووجوبها.
- أنهم يقدمونها على الحكم بالكتاب والسنة.
وبه يظهر أن مناط التكفير في الحكم بغير ما أنزل الله: أن [من حكم بغير ما أنزل وهو يعلم أنه يجب عليه الحكم بما أنزل الله وأنه خالف الشرع، ولكن استباح هذا الأمر ورأى أنه لا حرج عليه في ذلك، وأنه يجوز له أن يحكم بغير شريعة الله؛ فهو كافر كفرًا أكبر عند جميع العلماء؛ كالحكم بالقوانين الوضعية التي وضعها الرجال من النصارى أو اليهود أو غيرهم ممن زعم أنه يجوز الحكم بها.
أو: زعم أنها أفضل من حكم الله.
أو: زعم أنها تساوي حكم الله، وأن الإنسان مخير إن شاء حكم بالقرآن والسنة، وإن شاء حكم بالقوانين الوضعية؛ من اعتقد هذا كفر بإجماع العلماء كما تقدم. 
أما من حكم بغير ما أنزل الله لهوًى أو لحظٍّ عاجل وهو يعلم أنه عاصٍ لله ولرسوله، وأنه فعل منكرًا عظيمًا، وأن الواجب عليه الحكم بشرع الله؛ فإنه لا يكفر بذلك الكفر الأكبر، لكنه قد أتى منكرًا عظيمًا، ومعصية كبيرة، وكفرًا أصغر، كما قال ذلك ابن عباس ومجاهد وغيرهما من أهل العلم، وقد ارتكب بذلك كفرًا دون كفر، وظلمًا دون ظلم، وفسقًا دون فسق، وليس هو الكفر الأكبر، وهذا قول أهل السنة والجماعة]. (مجموع فتاوى ومقالات ابن باز: (5/337).).