السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الخميس، 27 نوفمبر 2014

تطبيق أصولي ٥: جمع المصحف بين دفتين


تطبيق أصولي: مثال المصلحة المرسلة التي لم يكن لها مقتضى على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ووجد مقتضاها في زمن الصحابة جمع المصحف بين دفتين، والله أعلم. 

جمع المصحف لم يقم المقتضي له في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ 

لأن تنزيل القرآن العظيم لم يكتمل إلى قريب وفاته -صلى الله عليه وسلم-. فلما اكتمل تنزيل القرآن قام أبو بكر بجمع المصحف،

وجمعه بين دفتين.

وفعله ليس ببدعة؛

لأن الله جل وعلا سمى القرآن العظيم كتاباً: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}. (البقرة: 2)، 

فتسميته بالكتاب تدل على أن جمعه بين الدفتين لا يخالف الشرع

فتحصل أن جمع المصحف بين دفتين مصلحة مرسلة صحيحة؛ لعدم مخالفته للكتاب والسنة، 


وتحققت فيه جميع الشروط المذكورة. والله الموفق.

تطبيق أصولي ٤: ماذا عن تلك الخشبات التي تجدها في بعض المساجد يضعها المنفرد للسترة؟


تطبيق أصولي: ماذا عن تلك الخشبات التي تجدها في بعض المساجد يضعها المنفرد للسترة؟

الجواب: هذه الخشبات التي توضع في المسجد لتكون سترة للمصلي، كان الداعي المقتضي لها موجوداً زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لم يفعلها.

ولم يأمر بها.

وإنما كان الصحابة يبتدرون السواري، 

ولم يرد أنهم كانوا يصنعون مثل هذه الخشب للسترة. 

فاتخاذها في المسجد خلاف السنة، 

ولا تدخل من أجل هذه المخالفة في المصالح المرسلة،


فإن إتباع السنة في الفعل والترك. وفق الله الجميع لطاعته.

تطبيق أصولي ٣: هل يمكن تنزيل مسألة وضع الخطوط في المساجد من أجل إستقامة الصف على المصالح المرسلة؟


تطبيق أصولي: هل يمكن تنزيل مسألة وضع الخطوط في المساجد من أجل إستقامة الصف على المصالح المرسلة؟ 

الجواب: وضع الخطوط على السجاد من أجل تسوية الصف لا تدخل في باب المصالح المرسلة؛ لأنها تخالف السنة؛ 

ووجه ذلك أن المقتضي لها كان موجوداً وميسراً زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لم يفعله، 

فاستعمالها في المسجد من أجل تسوية الصف بدعة وليس مصلحة، 

لأنه يخالف السنة التركية للرسول -صلى الله عليه وسلم-.

فيما يظهر.


ملحوظة: لا تنس أن هذه مسألة اجتهادية، فمن أهل العلم من يرى خلاف ذلك. والمقصود التطبيق الأصولي.

تطبيق أصولي ٢: لا يصح اعتبار الخروج في المظاهرات والاعتصامات من باب المصالح المرسلة


تطبيق أصولي:
استدل بعض من (يدعون) السلفية أن (المظاهرات) و(الاعتصامات) ((السلمية)) من هذا الباب؛ باب المصالح المرسلة. 

أقول: لا يصح اعتبار الخروج في المظاهرات والاعتصامات من باب المصالح المرسلة لعدة أمور:

- لأن فيها ضياعاً لتحقيق مقاصد الشرع من حفظ الأنفس، والدين، والأموال؛ لأنها في الغالب تؤدي إلى ذلك ومن خيالاتهم قولهم: مظاهرات سلمية!

- لأن في ذلك تشبهاً بالكفار؛ فهذا الأسلوب من التعبير أسلوب وافد إلى المجتمعات الإسلامية، لعله يناسبهم لكنه لا يناسبنا.

- لأن في ذلك خروجاً على ولاة الأمر في نصيحته والسمع والطاعة له، فهو يعارض الكتاب والسنة والإجماع والقياس؛ لأنها جميعها تدل على وجوب لزوم الجماعة والسمع والطاعة، وتلزم بالصبر على جور الأئمة.

- لأن الخروج في المظاهرات والاعتصامات لا يحقق مصلحة لجماعة المسلمين، بل يجعل الجماعة عرضة للفتن والكيد وتسلل أهل الباطل والأطماع والأغراض الخبيثة.

- لأن التجربة الواقعة في البلدان التي لم تخضع لحكم الشرع وحكمته دخلت في دهاليز مظلمة بسبب المظاهرات والاعتصامات لم تخلص منها إلى اليوم!


أسأل الله العافية والسلامة لي ولجميع المسلمين.

كشكول ٢٤٢: تعلموا -بارك الله فيكم- في المسائل الخلافية الاجتهادية التي لا يوجد فيها دليل يلزم اتباعه...


تعلموا -بارك الله فيكم- في المسائل الخلافية الاجتهادية التي لا يوجد فيها دليل يلزم اتباعه؛ 

سعة الصدر للمخالف.

وترك التعنيف للمخالف.

والترفق في مناصحته.


بوركتم.

كشكول ٢٤١: مع المخالف في الدين: {وجادلهم بالتي هي أحسن}؛ فكيف يكون الجدل مع الموافق في الدين في مسألة اجتهادية؟!



مع المخالف في الدين: {وجادلهم بالتي هي أحسن}؛


فكيف يكون الجدل مع الموافق في الدين في مسألة اجتهادية؟!

كشكول ٢٤٠: خيط رفيع في بعض المسائل بين الحق والباطل؛ فلننتبه له حتى لا نقع في الباطل!


خيط رفيع في بعض المسائل بين الحق والباطل؛

فلننتبه له حتى لا نقع في الباطل! 


اللهم ارنا الحق وارزقنا اتباعه، وارنا الباطل وارزقنا اجتنابه.

كشكول ٢٣٩: الاستحسان


الاستحسان.

معدود من الأدلة المختلف فيها.

وعند التحقيق ليس منها.

والمراد به ما يستحسنه المجتهد بعقله. وهذا المعنى اتفق على أنه باطل لا يجوز أن يتكلم أحد في شرع الله بالعقل المجرد. ولذا قيل: من استحسن فقد شرع. 


والمعاني الأخرى المذكورة للاستحسان والمراد به تدخل في العرف والمصالح المرسلة والقياس والعمل بالكتاب والسنة، وبهذا يخرج الاستحسان إلى معاني متفق عليها غير مختلف فيها.

كشكول ٢٣٨: إجماع أهل المدينة


إجماع أهل المدينة

من الأدلة المختلف فيها

قال ابن تيمية -رحمه الله-: «وعندَ التَّحْقِيقُ هو على مراتب؛ 

مِنْهُ مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. 

وَمِنْهُ مَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ. 

وَمِنْهُ مَا لَا يَقُولُ بِهِ إلَّا بَعْضُهُمْ. 

وَذَلِكَ أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاتِبَ: 

الْأُولَى: مَا يَجْرِي مَجْرَى النَّقْلِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.  مِثْلُ نَقْلِهِمْ لِمِقْدَارِ الصَّاعِ وَالْمُدِّ؛ وَكَتَرْكِ صَدَقَةِ الْخَضْرَاوَاتِ وَالْأَحْبَاسِ فَهَذَا مِمَّا هُوَ حُجَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ؛ أَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَأَصْحَابُهُمَا فَهَذَا حُجَّةٌ عِنْدَهُمْ بِلَا نِزَاعٍ كَمَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ. وَذَلِكَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- وَهُوَ أَجَلُّ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَوَّلُ مَنْ لُقِّبَ قَاضِي الْقُضَاةِ - لَمَّا اجْتَمَعَ بِمَالِكِ وَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَأَجَابَهُ مَالِكٌ بِنَقْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُتَوَاتِرِ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ: «لَوْ رَأَى صَاحِبِي مِثْلَ مَا رَأَيْت لَرَجَعَ مِثْلَ مَا رَجَعْت». فَقَدْ نَقَلَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّقْلِ حُجَّةٌ عِنْدَ صَاحِبِهِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا هُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ غَيْرِهِ، لَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا النَّقْلُ كَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ وَلَمْ يَبْلُغْ غَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَثِيرٌ مِنْ الْحَدِيثِ، فَلَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي تَرْكِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُمْ عِلْمُهُ. وَكَانَ رُجُوعُ أَبِي يُوسُفَ إلَى هَذَا النَّقْلِ كَرُجُوعِهِ إلَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ اتَّبَعَهَا هُوَ وَصَاحِبُهُ مُحَمَّدٌ وَتَرَكَا قَوْلَ شَيْخِهِمَا؛ لِعِلْمِهِمَا بِأَنَّ شَيْخَهُمَا كَانَ يَقُولُ: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَيْضًا حُجَّةٌ إنْ صَحَّتْ لَكِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ. وَمَنْ ظَنَّ بِأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُمْ يَتَعَمَّدُونَ مُخَالَفَةَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِقِيَاسِ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ عَلَيْهِمْ وَتَكَلَّمَ إمَّا بِظَنِّ وَإِمَّا بِهَوَى. 

الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: الْعَمَلُ الْقَدِيمُ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عفان، فَهَذَا حُجَّةٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ. قَالَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى: «إذَا رَأَيْت قُدَمَاءَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى شَيْءٍ، فَلَا تَتَوَقَّفْ فِي قَلْبِك رَيْبًا أَنَّهُ الْحَقُّ». وَكَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد أَنَّ مَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَهُوَ حُجَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهَا وَقَالَ أَحْمَد: «كُلُّ بَيْعَةٍ كَانَتْ فِي الْمَدِينَةِ فَهِيَ خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ». وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَكَذَلِكَ بَيْعَةُ عَلِيٍّ كانت بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَبَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُعْقَدْ بِالْمَدِينَةِ بَيْعَةٌ. والْمَحْكِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ حُجَّةٌ وَمَا يُعْلَمُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَمَلٌ قَدِيمٌ عَلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. 

وَالْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: إذَا تَعَارَضَ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلَانِ، كَحَدِيثَيْنِ وَقِيَاسَيْنِ جُهِلَ أَيُّهُمَا أَرْجَحُ وَأَحَدُهُمَا يَعْمَلُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ؛ فَفِيهِ نِزَاعٌ. فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُرَجِّحُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُرَجِّحُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَلِأَصْحَابِ أَحْمَد وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا -وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ- أَنَّهُ لَا يُرَجِّحُ . وَالثَّانِي -وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ- أَنَّهُ يُرَجِّحُ بِهِ. قِيلَ: هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد. وَمِنْ كَلَامِهِ قَالَ: «إذَا رَأَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ الْغَايَةُ». وَكَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيُقَدِّمُهُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَقْرِيرًا كَثِيرًا، وَكَانَ يَدُلُّ الْمُسْتَفْتِي عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَيَدُلُّ الْمُسْتَفْتِي عَلَى إسْحَاقَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَنَحْوِهِمْ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَيَدُلُّهُ عَلَى حَلَقَةِ الْمَدَنِيِّينَ حَلَقَةِ أَبِي مُصْعَبٍ الزُّهْرِيِّ وَنَحْوِهِ. وَأَبُو مُصْعَبٍ هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ مَاتَ بَعْدَ أَحْمَد بِسَنَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَ أَحْمَد يَكْرَهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا يَرُدُّ عَلَى أَهْلِ الرَّأْيِ وَيَقُولُ: «إنَّهُمْ اتَّبَعُوا الْآثَارَ». فَهَذِهِ مَذَاهِبُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ تُوَافِقُ مَذْهَبَ مَالِكٍ فِي التَّرْجِيحِ لِأَقْوَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. 

وَأَمَّا الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: فَهِيَ الْعَمَلُ الْمُتَأَخِّرُ بِالْمَدِينَةِ فَهَذَا هَلْ هُوَ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ أَمْ لَا؟ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ النَّاسِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةِ شَرْعِيَّةٍ. هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْفَاضِلُ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي كِتَابِهِ (أُصُولِ الْفِقْهِ) وَغَيْرُهُ، ذَكَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ إجْمَاعًا وَلَا حُجَّةً عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَرُبَّمَا جَعَلَهُ حُجَّةً بَعْضُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ لِلْأَئِمَّةِ نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ بَلْ هُمْ أَهْلُ تَقْلِيدٍ. 

قُلْت (ابن تيمية): وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ مَالِكٍ مَا يُوجِبُ جَعْلَ هَذَا حُجَّةً وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ، إنَّمَا يَذْكُرُ الْأَصْلَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ فَهُوَ يَحْكِي مَذْهَبَهُمْ. وَتَارَةً يَقُولُ: الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يَصِيرُ إلَى الْإِجْمَاعِ الْقَدِيمِ وَتَارَةً لَا يَذْكُرُ. 

وَلَوْ كَانَ مَالِكٌ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَأَخِّرَ حُجَّةٌ يَجِبُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ اتِّبَاعُهَا وَإِنْ خَالَفَتْ النُّصُوصَ، لَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُلْزِمَ النَّاسَ بِذَلِكَ حَدَّ الْإِمْكَانِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُلْزِمَهُمْ اتِّبَاعَ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الَّتِي لَا تَعَارُضَ فِيهَا وَبِالْإِجْمَاعِ. وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْهِ الرَّشِيدُ أَوْ غَيْرُهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مُوَطَّئِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: «إنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَفَرَّقُوا فِي الْأَمْصَارِ وَإِنَّمَا جَمَعْت عِلْمَ أَهْلِ بَلَدِي» أَوْ كَمَا قَالَ. 

وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَفَاوَتَ فِيهِ مَذَاهِبُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُمْ: أَصَحُّ أَقْوَالِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ رِوَايَةً وَرَأْيًا. 

وَأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ حُجَّةً قَاطِعَةً.

وَتَارَةً حُجَّةً قَوِيَّةً. 

وَتَارَةً مُرَجِّحًا لِلدَّلِيلِ إذْ لَيْسَتْ هَذِهِ الْخَاصِّيَّةُ لِشَيْءِ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ. 

وَكَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيمَا يَعْمَلُونَ: 

إمَّا أَنْ يَكُونَ سُنَّةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛


وَإِمَّا أَنْ يَرْجِعُوا إلَى قَضَايَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَيُقَالُ: إنَّ مَالِكًا أَخَذَ جُلَّ الْمُوَطَّأِ عَنْ رَبِيعَةَ وَرَبِيعَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ؛ وَعُمَرُ مُحَدَّثٌ. وَكَانَ عُمَرُ يُشَاوِرُ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ: كَعُثْمَانِ وَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ؛ وَسَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ وَهُمْ أَهْلُ الشُّورَى؛ وَلِهَذَا قَالَ الشَّعْبِيُّ: «اُنْظُرُوا مَا قَضَى بِهِ عُمَرُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُشَاوَرُ».»اهـ(مجموع الفتاوى (20/303 - 311)، باختصار وتصرف).

كشكول ٢٣٧: إجماع أهل الكوفة، من الأدلة المختلف فيها



إجماع أهل الكوفة.

من الأدلة المختلف فيها.

وذلك؛ لأن علياً -رضي الله عنه- وجَمْعاً كثيراً من الصحابة والعلماء كانوا بها؛ فكان ذلك دليلاً على أن الحق لا يفوتهم. وفيه نظر؛ لأن هؤلاء بعض الأمة، 


والحديث : «لا تجتمع أمتي على ضلالة». ولا فرق بين:
إجماع أهل الكوفة،
وإجماع أهل البصرة،
وإجماع أهل الفسطاط في هذا؛

لأنها كلها بلاد نزلها جماعات من الصحابة. فيتحرر أنه ليس بدليل ولا حجة.

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

كشكول ٢٣٦: يتورعون عن تكفير من كفره أهل العلم، ولا يتورعون عن تهييج الناس على الخروج على ولاة الأمر!


يتورعون عن تكفير من كفره أهل العلم.

ولا يتورعون عن تهييج الناس على الخروج على ولاة الأمر. 


ورع بارد يا اخي.

كشكول ٢٣٥: إما أن نكون مسلمين أو لا نكون


إما أن نكون مسلمين أو لا نكون؛

فإن كنا مسلمين؛ فلماذا يتكلم هؤلاء كأنهم يخاطبون كافرين؟!


وإن كنا كافرين؛ فهم تكفيريون؛ لأننا مسلمون وإن رغمت أنوف.

كشكول ٢٣٤: السلفيون مستهدفون؛ فانتبه واحذر


السلفيون مستهدفون؛ فانتبه واحذر هذه غابة لا يدخل إليها الضوء، مليئة بالمفترسين. 

انتبه لما حولك. 

اعرف موطيء قدمك.


واستعن بالله و لا تعجز.

كشكول ٢٣٣: إيذاء النفس والانتحار، أسبابه وعلاجه ومسائله


فائدة من الأخ مرعي بن رجب -جزاه الله خيرًا-.

ـــــــــ|[صوتيَّة مفرَّغة]|ـــــــــ

[(:::إيذاء النفس والانتحار، أسبابه وعلاجه ومسائله:::)]

للشيخ الدكتور:
مُحَمَّد بن عُمَر بن ساِلم بَازمُول
عُضو هَيئَةِ التَّدرِيس بِجَامِعَةِ أمَّ القُرَى
كُليَّة الدَّعُوَة وأصُوُلِ الدينِ-قِسمِ الكِتَاِبّ وَالسُّنَّة

وتشتمل المحاضرة على النقاط التالية:

●تمهيد في أوّلها عن معنى الانتحار. 
●قتل النفس في الأمم السابقة. 
●قتل النفس في الإسلام. 
●قتل النفس من الكبائر. 
●أسباب الانتحار ودوافعه. 
●ما علاج الانتحار وموانعه؟
●أحكام ومسائل. 
●والخاتمة، وفيها خلاصة ما جاء في البحث المبارك -إن شاء الله تعالى-.
ثم ألحقت بالبحث ملحقًا أورت فيه جملة من الأحاديث في الترهيب من قتل النفس، مما ذكره الحافظ المنذري-رحمه الله- في كتابه الترغيب والترهيب مع أحكام الألباني -رحمة الله عليه-.

📥للتحميل المُباشر ملف بصيغة «PDF»:

كشكول ٢٣٢: لا أستطيع متابعة كل التعليقات على صفحتي


لا أستطيع متابعة كل التعليقات على صفحتي؛ وبالتالي لا أتحمل مسؤولية ما فيها. 


الذي يخصني هو:
- المنشور،
- وما أعلق به فقط.

كشكول ٢٣١: تطبيق الشيخ د. محمد بن عمر بازمول في متجر جوجل


إذا عندك حساب في جوجل تستطيع تنزيل هذا التطبيق الذي صنعه أبو مالك محمود الأثري -جزاه الله خيرًا- صاحب الأيادي البيضاء علي في هذه الصفحة -جزاه الله خيرًا-.


علمني ديني ٧٦: أن لا أداهن ولا أجامل في بيان ديني


علمني ديني: 

أن لا أداهن ولا أجامل في بيان ديني، فلا أترك ذكر الحق الواضح الصريح، مداهنة للكفار، أو للفساق حتى يرضوا عني، ويسمحوا لي بقيام حكومة ودولة؛ 

فلا يصح حتى ولو كانت نيتي السعي إلى إقامة الدين أن أقول: أنا لا أدعوا إلى تطبيق الشريعة ولا إلى قيام دولة إسلامية، 

أنا أدعوا إلى احترام الحرية. 

والحرية قبل تطبيق الشريعة. 

هذا الكلام مداهنة محرمة.

قال تبارك وتعالى: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}. (القلم:9). 

عَنْ رَجُلٍ، مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ قَالَ: «كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنِ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ، وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ، فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: «سَلَامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ التَمَسَ رِضَاءَ اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنِ التَمَسَ رِضَاءَ النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ».». (أخرجه الترمذي (2414) ، وابن حبان (276)، وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت رقم: (2311).). 


فانظر إلى عائشة -رضي الله عنها-، ونصيحتها التي تقدمها إلى أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- الحاكم الشرعي في عصره! والله الموفق.

كشكول ٢٣٠: طرق تنصيب الإمام في الإسلام



طرق تنصيب الإمام في الإسلام 

لم يحدد الإسلام طريقًا معينة لتنصيب الإمام لا يصح بدونها تولية؛ 

بل أجمعوا على أن كل من تغلب على ناحية أو جهة وحكم فيهم بشرع الله أنه ولي أمر أهل تلك الناحية والجهة، وأن له عليهم السمع والطاعة، ولهم عليه القيام بالجمعة والأعياد، والإعداد للجهاد، وغير ذلك من واجبات الإمام. 

والناظر في سيرة الأمة بعد رسول الله يجد أن تنصيب الإمام تم بأكثر من طريقة، وهي التالية: 

– الطريقة الأولى: الاجتماع والبيعة، مثل ما حصل من الصحابة في سقيفة بني سعد لمّا اجتمعوا على تولية أبي بكر الصديق بعد رسول الله. 

– الطريقة الثانية: العهد والاستخلاف، كما حصل لمّا استخلف أبو بكر الصديق من بعده عمرَ بن الخطاب.

– الطريقة الثالثة: جعل الأمر بين عدة رجال يختار من بينهم، وجعل أحدهم ينظر فيمن يختاره منهم، كما فعل عمر بن الخطاب لمّا جعل الأمر من بعده في ستة من الصحابة وهم: عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة، والزبير”.

– الطريقة الرابعة: ولاية العهد للأبناء، كما حصل في ولاية بني أمية وولاية بني العباس بدون نكير من أهل العلم. 

– الطريقة الخامسة: ولاية العهد للأخ بعد أخيه، كما حصل في بني العباس بدون نكير من أهل العلم. ]

فهذه طرق لتنصيب الإمام، 

تنعقد له بها الولاية. 

ولو تغلب رجل بالسيف صحت ولايته ما أقام فيهم شرع الله. قال أحمد بن حنبل (ت241هـ) -رحمه الله-: «والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر، ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين. ولا يشترط فيه أن يكون إمامًا عامًا لجميع المسلمين في الدنيا».

وقال ابن تيمية الحراني (ت728هـ) -رحمه الله-: «والسُّنّة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوّابه، فإذا فُرِضَ أنّ الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق». 


وفيه أنه لا يشترط في المتولي أن يكون حاكمًا لجميع أرض الإسلام، يعني لا يشترط أن يكون خليفة من المسلمين!

الجمعة، 21 نوفمبر 2014

سؤال وجواب ٥٣: ما معنى حديث: «من باع دارًا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له»؟


سؤال: «ما معنى حديث: «من باع دارًا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له»؟».

يجيبك فضيلة الشيخ محمد بازمول -حفظه الله-:

السؤال: «ما معنى حديث: «من باع دارًا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له»؟». 

الجواب: هذا الحديث ورد عن حذيفة عند ابن ماجة والبيهقي وعن سعيد بن حريث عند أحمد وهو حديث ثابت. وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة تحت رقم (2327). 

ومعناه: يرشد النبي -عليه الصلاة والسلام- المسلم أنه إذا باع عقارًا أن يضع قيمته في عقار مثله؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك قد يضيع عليه، كأن يضعه في تجارة فتخسر، أو يصرف منه حتى يفنى فلا يستفيد. 

وهو مثل قول الناس اليوم: ضع نقودك في عقار ما تخسر. 

وليس هذا حكم تكليفي، ولا دعاء، بل هو إرشاد إلى الأفضل. 

والمسلم ينبغي أن يحرص أن لا يضيع عليه ماله فيما لا ينفعه. 

والمقرر عند أهل العلم: أن الأمر والنهي إن تعلقا بتحصيل مصلحة دنيوية، لا تعلق لهما بعبادة؛ فهذا الأمر إرشادي، لا تكليف فيه؛ فلا ثواب ولا عقاب عليه، ويمثلون له بالأمر بكتابة الدّين في المداينة. 

وهذا كذلك فهو إرشاد. 


وجعل ابن عبدالبر الضابط أن يتعلق الأمر أو النهي بما هو ملكك، فهذا أمر إرشادي، والله أعلم.

كشكول ٢٢٩: الترهيب من قتل الإنسان نفسه (الانتحار)



الترهيب من قتل الإنسان نفسه (الانتحار). 

قال المنذري -رحمه الله- في كتابه (الترغيب والترهيب)، والأحاديث منقولة من (صحيح الترغيب والترهيب وأحكام الأحاديث) للألباني -رحمه الله-.

(باب الترهيب من قتل الإنسان نفسه) 

2454 - (صحيح) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدًا مخلدًا فيها أبدا. ومن تحسى سمًا فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدا. ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدا». (رواه البخاري ومسلم والترمذي بتقديم وتأخير، والنسائي). 

(صحيح) ولأبي داود: «ومن حسا سما، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم». 

2455 - (صحيح) وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار. والذي يطعن نفسه، يطعن نفسه النار. والذي يقتحم، يقتحم في النار». رواه البخاري. 

2456 - (صحيح) وعن الحسن البصري قال: حدثنا جندب بن عبد الله في هذا المسجد، فما نسينا منه حديثًا، وما نخاف أن يكون جندب كذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «كان برجل جراح، فقتل نفسه؛ فقال الله: «بدرني عبدي بنفسه؛ فحرمت عليه الجنة».».

(صحيح) وفي رواية قال: «كان فيمن قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينًا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات؛ فقال الله: «بادرني عبدي بنفسه... الحديث».

(صحيح) رواه البخاري ومسلم ولفظه قال: «إن رجلاً كان ممن كان قبلكم، خرجت بوجهه قرحة، فلما آذته انتزع سهمًا من كنانته، فنكأها فلم يرقأ الدم حتى مات. قال ربكم: «قد حرمت عليه الجنة».».

2457 - (ضعيف) وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: «أن رجلاً كانت به جراحة، فأتى قرنًا له، فأخذ مشقصًا فذبح به نفسه، فلم يصل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-». رواه ابن حبان في صحيحه. 

2458 - (صحيح) وعن أبي قلابة -رضي الله عنه- أن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أخبره: بأنه بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت الشجرة، وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا فهو كما قال. ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة. وليس على رجل نذر فيما لا يملك. ولعن المؤمن كقتله. ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله. ومن ذبح نفسه بشيء عذب به يوم القيامة». رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي باختصار، والترمذي، وصححه ولفظه إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ليس على المرء نذر فيما لا يملك. ولاعن المؤمن كقاتله. ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقاتله. ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله بما قتل به نفسه يوم القيامة».


2459 - (صحيح) وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: «ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان». فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما إنه من أهل النار». وفي رواية: «فقالوا: «أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار». فقال رجل من القوم: «أنا صاحبه أبدا». قال: «فخرج معه، كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه». قال: «فجرح الرجل جرحًا شديدًا فاستعجل الموت، فوضع سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أشهد أنك رسول الله». قال: «وما ذاك». قال: «الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار». فأعظم الناس ذلك، فقلت: «أنا لكم به»، فخرجت في طلبه حتى جرح جرحًا شديدًا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة». (رواه البخاري ومسلم). من صحيح الترغيب والترهيب للألباني.

سؤال وجواب ٥٢: هل يصح قول القائل: «الدين المعاملة»؟


سؤال: «هل يصح قول القائل: «الدين المعاملة»؟». 

الجواب: قول القائل: «الدين المعاملة»، إذا كان يريد بها أن أخلاقك وطريقة تعاملك تكشف عن دينك، فالعبارة نحو قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «إنما بعثت؛ لأتمم مكارم الأخلاق»، أو كما قال. وقوله: «المؤمن من سلم الناس لسانه ويده». وقوله: «آية المنافق ثلاث» ونحو ذلك من الأحاديث، وتكون هذه العبارة كقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «الحج عرفة» يعني من باب ذكر أن أهم ما يميز المسلم معاملته. 

وأمّا إذا أراد القائل لهذه العبارة: أن كل من كانت معاملته سيئة فهو لا دين عنده، أو دينه باطل، والعكس بأن يريد أن من يعامل الناس معاملة حسنة فهو صاحب دين صحيح، فهذه العبارة بهذا المعنى باطلة غير صحيحة؛ لأنه قد يوجد في المسلمين من هو سيء الخلق، ولا يكفر بذلك، ولا يخرج من الدين. وقد يوجد في أهل البدع والأهواء بل والكفار من هو حسن الخلق، لكنه كافر؛ لأن الدين عند الله الإسلام، فلا يقبل منه حسن خلقه. والله أعلم. 

وجاء في كتاب الحوادث والبدع للطرطوشي (ص: 149): 
«قال الأوزاعي: «بلغني أن من ابتدع بدعة؛ خلاه الشيطان والعبادة، وألقى عليه الخشوع والبكاء؛ لكي يصطاد به».

وقال بعض الصحابة: «أشد الناس عبادة مفتون». واحتج بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في الخوارج: «يحقر أحدكم صلاته في صلاته، وصيامه في صيامه، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرَّميَّةِ».»اهـ.

كشكول ٢٢٨: اشتراط التوبة لدخول الجنة، لم يقل به أحد من الأئمة



اشتراط التوبة؛ لدخول الجنة، لم يقل به أحد من الأئمة.

قال ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (7/501): 
«فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ: قَوْلُ الْخَوَارِجِ، الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ بِمُطْلَقِ الذُّنُوبِ وَيُخَلِّدُونَ فِي النَّارِ. وَقَوْلُ مَنْ يُخَلِّدُهُمْ فِي النَّارِ، وَيَجْزِمُ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ إلَّا بِالتَّوْبَةِ، وَيَقُولُ: «لَيْسَ مَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ»؛ 

لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ.

بَلْ هُمَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمَشْهُورَةِ عَنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. 

وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَنْ وَقَفَ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ، وَقَالَ: «لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَدْخُلُ النَّارَ» هُوَ أَيْضًا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ.

بَلْ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ النُّصُوصُ، مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا. 

وَأَمَّا مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فَهَذَا لَا نَعْرِفُهُ قَوْلًا لِأَحَدِ. 


وَبَعْدَهُ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: «مَا ثَمَّ عَذَابٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْوِيفٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ» وَهَذَا مِنْ أَقْوَالِ الْمَلَاحِدَةِ وَالْكُفَّ وَالْكُفَّارِ»اهـ.

كشكول ٢٢٧: هم لا زالوا يغالبون ولم يتغلبوا



هم لا زالوا يغالبون ولم يتغلبوا.

أما المتغلب فهذا حكم ولايته؛

صحة ولاية المتغلب بالسيف:

قال أبو الحسن الأشعري / فِي رسالة إلى أهل الثغر (ص: 296): «وأجمعوا عَلَى السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وعلى أن كل من ولي شيئًا من أمورهم عن رضىً أو غلبة، وامتدت طاعته من بَرٍّ وفاجر لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جار أو عدل، وعلى أن يغزوا معهم العدو، ويُحج معهم البيت، وتدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها، ويصلى خلفهم الجمع والأعياد» اهـ.

قَالَ ابن قُدامة فِي المغني (9/5): «وجُملة الأمر أن من اتفق المسلمون عَلَى إمامته، وبيعته، ثبتت إمامته، ووجبت معونته؛ لمَا ذكرنا من الحديث والإجماع، وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد النَّبِي د أو بعده إمام قبله إليه، فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة عَلَى بيعته، وعمر ثبتت إمامته بعهد أبي بكر إليه، وأجمعَ الصحابة عَلَى قبوله، 

ولو خرج رجل عَلَى الإمام فقهره وغلب الناس بسيفه، حتَّى أقروا له، وأذعنوا بطاعته، وتابعوه؛ صار إمامًا يَحرم قتاله، والخروج عليه، 

فإن عبد الملك بن مروان خرج عَلَى ابن الزبير، فقتله واستولى عَلَى البلاد وأهلها حتَّى بايعوه طوعًا وكرهًا، فصار إمامًا يَحرم الخروج عليه، وذلك لِمَا فِي الخروج عليه من شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وذهاب أموالِهم... 

فمن خرج عَلَى من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغيًا وجب قتاله»اهـ.


وقال الحافظ ابن حجر فِي الفتح (13/7): «وقد أجمع الفقهاء عَلَى وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لِما فِي ذَلِكَ من حقن الدماء، وتسكين الدهماء»اهـ.

كشكول ٢٢٦: التشبه بالبهائم فيما ذمه الشرع مذموم



التشبه بالبهائم فيما ذمه الشرع مذموم.

وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- مجموع الفتاوى (33/256): 
«التَّشَبُّهُ بِالْبَهَائِمِ فِي الْأُمُورِ الْمَذْمُومَةِ فِي الشَّرْعِ مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ: فِي أَصْوَاتِهَا وَأَفْعَالِهَا؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ 

مِثْلُ: أَنْ يَنْبَحَ نَبِيحَ الْكِلَابِ؛ 

أَوْ يَنْهَقَ نَهِيقَ الْحَمِيرِ. وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَذَلِكَ لِوُجُوهِ: 

(أَحَدُهَا): أَنَّا قَرَّرْنَا فِي (اقْتِضَاءِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ) نَهْيَ الشَّارِعِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْآدَمِيِّينَ الَّذِينَ جِنْسُهُمْ نَاقِصٌ. كَالتَّشَبُّهِ بِالْأَعْرَابِ، وَبِالْأَعَاجِمِ، وَبِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي أُمُورٍ مِنْ خَصَائِصِهِمْ. وَبَيَّنَّا أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ؛ أَنَّ الْمُشَابِهَةَ تُورِثُ مُشَابَهَةَ الْأَخْلَاقِ. وَذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ أَكْثَرَ عِشْرَةَ بَعْضِ الدَّوَابِّ اكْتَسَبَ مِنْ أَخْلَاقِهَا: كَالْكَلَّابِينَ، وَالْجَمَّالِينَ. وَذَكَرْنَا مَا فِي النُّصُوصِ مِنْ ذَمِّ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ: أَهْلَ الْإِبِلِ، وَمِنْ مَدْحِ أَهْلِ الْغَنَمِ؛ فَكَيْفَ يَكُونُ التَّشَبُّهُ بِنَفْسِ الْبَهَائِمِ فِيمَا هِيَ مَذْمُومَةٌ بَلْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَقْتَضِي بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ النَّهْيَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْبَهَائِمِ مُطْلَقًا فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْمُومًا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْعُو إلَى فِعْلِ مَا هُوَ مَذْمُومٌ بِعَيْنِهِ؛ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَوْنَ الشَّخْصِ أَعْرَابِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا خَيْرٌ مِنْ كَوْنِهِ كَلْبًا أَوْ حِمَارًا أَوْ خِنْزِيرًا، فَإِذَا وَقَعَ النَّهْيُ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهَذَا الصِّنْفِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ فِي خَصَائِصِهِ؛ لِكَوْنِ ذَلِكَ تَشَبُّهًا فِيمَا يَسْتَلْزِمُ النَّقْصَ وَيَدْعُو إلَيْهِ، فَالتَّشَبُّهُ بِالْبَهَائِمِ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا وَمَنْهِيًّا عَنْهُ. 

(الْوَجْهُ الثَّانِي): أَنَّ كَوْنَ الْإِنْسَانِ مِثْلَ الْبَهَائِمِ مَذْمُومٌ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.

(الْوَجْهُ الثَّالِثُ): أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إنَّمَا شَبَّهَ الْإِنْسَانَ بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ وَنَحْوِهِمَا فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ لَهُ كَقَوْلِهِ: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} {سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا...} الْآيَةَ. وَإِذَا كَانَ التَّشَبُّهُ بِهَا إنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الذَّمِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ الْمَذْمُومُ التَّشَبُّهَ بِهَا؛ فَالْقَاصِدُ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِهَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا، لَكِنْ إنْ كَانَ تَشَبَّهَ بِهَا فِي عَيْنِ مَا ذَمَّهُ الشَّارِعُ، صَارَ مَذْمُومًا مِنْ وَجْهَيْنِ. وَإِنْ كَانَ فِيمَا لَمْ يَذُمُّهُ بِعَيْنِهِ، صَارَ مَذْمُومًا مِنْ جِهَةِ التَّشَبُّهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْوُقُوعِ فِي الْمَذْمُومِ بِعَيْنِهِ. يُؤَيِّدُ هَذَا: 

(الْوَجْهُ الرَّابِعُ): وَهُوَ قَوْلُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الصَّحِيحِ: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ؛ لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ». وَلِهَذَا يُذْكَرُ: أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَد تَنَاظَرَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ: «الْكَلْبُ لَيْسَ بِمُكَلَّفِ». فَقَالَ لَهُ أَحْمَد: «لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ». وَهَذِهِ الْحُجَّةُ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْمَثَلَ؛ إلَّا لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا شَابَهَ الْكَلْبَ كَانَ مَذْمُومًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَلْبُ مَذْمُومًا فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ التَّكْلِيفِ؛ وَلِهَذَا لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ بَيَّنَ بِقَوْلِهِ: {سَاءَ مَثَلًا} أَنَّ التَّمْثِيلَ بِالْكَلْبِ مَثَلُ سَوْءٍ، وَالْمُؤْمِنُ مُنَزَّهٌ عَنْ مَثَلِ السَّوْءِ. فَإِذَا كَانَ لَهُ مَثَلُ سَوْءٍ مِنْ الْكَلْبِ، كَانَ مَذْمُومًا بِقَدْرِ ذَلِكَ الْمَثَلِ السَّوْءِ. 

(الْوَجْهُ الْخَامِسُ): أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ». وَقَالَ: «إذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مَنْ فَضْلِهِ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ نَهِيقَ الْحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهَا رَأَتْ شَيْطَانًا» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَصْوَاتَهَا مُقَارِنَةٌ لِلشَّيَاطِينِ، وَأَنَّهَا مُنَفِّرَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشَابِهَ لِلشَّيْءِ لَا بُدَّ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ مِنْ أَحْكَامِهِ بِقَدْرِ الْمُشَابَهَةِ. فَإِذَا نَبَحَ نِبَاحَهَا كَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ مُقَارَنَةِ الشَّيَاطِينِ، وَتَنْفِيرُ الْمَلَائِكَةِ بِحَسَبِهِ. وَمَا يَسْتَدْعِي الشَّيَاطِينَ وَيُنَفِّرُ الْمَلَائِكَةَ لَا يُبَاحُ إلَّا لِضَرُورَةِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُبَحْ اقْتِنَاءُ الْكَلْبِ إلَّا لِضَرُورَةِ؛ لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ: كَالصَّيْدِ، أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ عَنْ الْمَاشِيَةِ وَالْحَرْثِ حَتَّى قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ، أَوْ حَرْثٍ، أَوْ صَيْدٍ، نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». (وَبِالْجُمْلَةِ) فالتَّشَبُّهُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي مِنْ الْحَمْدِ وَالذَّمِّ بِحَسَبِ الشَّبَهِ؛ لَكِنَّ كَوْنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَا يَنْفِي التَّكْلِيفَ عَنْ الْمُتَشَبِّهِ، كَمَا لَوْ تَشَبَّهَ بِالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِين. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(الْوَجْهُ السَّادِسُ): أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَعَنَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، والمتشبهات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَجَعَلَ صَلَاحَهُ وَكَمَالَهُ فِي أَمْرٍ مُشْتَرِكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَبَيْنَ أَمْرٍ مُخْتَصٍّ بِهِ. فَأَمَّا الْأُمُورُ الْمُشْتَرِكَةُ فَلَيْسَتْ مِنْ خَصَائِصِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَوَاقِعِ النَّهْيِ، وَإِنَّمَا مَوَاقِعُ النَّهْيِ الْأُمُورُ الْمُخْتَصَّةُ. فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُورُ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ النِّسَاءِ لَيْسَ لِلرِّجَالِ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ فِيهَا، وَالْأُمُورُ الَّتِي مِنْ خَصَائِصِ الرِّجَالِ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ التَّشَبُّهُ بِهِمْ فِيهَا،


فَالْأُمُورُ الَّتِي هِيَ مِنْ خَصَائِصِ الْبَهَائِم لَا يَجُوزُ لِلْآدَمِيِّ التَّشَبُّهُ بِالْبَهَائِمِ فِيهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَوَانِ قَدْرٌ جَامِعٌ مُشْتَرِكٌ، وَقَدْرٌ فَارِقٌ مُخْتَصٌّ. ثُمَّ الْأَمْرُ الْمُشْتَرِكُ: كَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْأَصْوَاتِ، وَالْحَرَكَاتِ لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِالْوَصْفِ الْمُخْتَصِّ كَانَ لِلْإِنْسَانِ فِيهَا أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِمَا يَفْعَلُهُ الْحَيَوَانُ فِيهَا. فَالْأُمُورُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ أَوْلَى، مَعَ أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مُشْتَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَكِنْ فِيهِ أَوْصَافٌ تُشْبِهُ أَوْصَافَهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرِكُ إنَّمَا وُجُودُهُ فِي الذِّهْنِ لَا فِي الْخَارِجِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ الْإِنْسَانَ مُخَالِفًا بِالْحَقِيقَةِ لِلْحَيَوَانِ، وَجَعَلَ كَمَالِهِ وَصَلَاحَهُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تُنَاسِبُهُ، وَهِيَ جَمِيعُهَا لَا يُمَاثِلُ فَهَا الْحَيَوَانَ. فَإِذَا تَعَمَّدَ مُمَاثَلَةَ الْحَيَوَانِ، وَتَغْيِيرَ خَلْقِ اللَّهِ؛ فَقَدْ دَخَلَ فِي فَسَادِ الْفِطْرَةِ وَالشِّرْعَةِ، وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ»اهـ.

كشكول ٢٢٥: لا يقلد إلا جاهل أو غبي!



لا يقلد إلا جاهل أو غبي!

جاء في رفع الأصر عن قضاة مصر (1/120 الشاملة).: 

«قال الطحاوي: كَانَ أبو عبيد (هو علي بن الحسين بن حرب، ويقال حَرْبُويَه بن عيسى البغدادي، الفقيه الشافعي من أهل المائة الرابعة يكنى أبا عبيد، ويقال لَهُ ابن حربويه، وهو بِهَا أشهر توفي سنة 319هـ)، يذاكرني بالمسائل، فأجبته يوماً فِي مسألة، 

فقال لي: «مَا هَذَا قول أبي حنيفة؟!». 

فقلت لَهُ: «أَيُّها القاضي، أوَ كل مَا قاله أبو حنيفة أقول بِهِ». 

قال: «مَا ظننتك إِلاَّ مقلِّداً». 

فقلت لَهُ: «وهل يقلد إِلاَّ عَصَبِي». فقال لي: «أَوْ غبي»"اهـ.

قلت (محمد بازمول): المقصود الحث على التعلم وطلب العلم، وإلا فإن فرض الجاهل أن يسأل أهل العلم، ويتبع كلامهم، كما تعبده الله تعالى بذلك، قال تبارك وتعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. (النحل: 43).


والله المستعان وعليه التكلان.

كشكول ٢٢٤: تعلموا -بارك الله فيكم- أن لا تتكلموا فيما شجر بين الصحابة؛ لأن هذا يفتح باب فتنة... وتعلم أن لا تفتح بابا للشر بسؤال لا تؤمن عواقبه



تعلموا -بارك الله فيكم- أن لا تتكلموا فيما شجر بين الصحابة؛ لأن هذا يفتح باب فتنة؛ ولهذا حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الكلام في ذلك

قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا». انظر تخريجه في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم: (34).

وتعلم أن لا تفتح بابا للشر بسؤال لا تؤمن عواقبه!


وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه.

كشكول ٢٢٣: الأسباب الموجبة لزوال عقوبة الذنوب



الأسباب الموجبة لزوال عقوبة الذنوب.

قال ابن تيمية -رحمه الله- في مجموع الفتاوى (7/487-500): 

«قَدْ دَلَّتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ الذُّنُوبِ تَزُولُ عَنْ الْعَبْدِ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَسْبَابٍ:

(أَحَدُهَا): التَّوْبَةُ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

(السَّبَبُ الثَّانِي): الِاسْتِغْفَارُ. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ: «أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا فَاغْفِرْ لِي». فَقَالَ: «عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ؛ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي». ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ، فَقَالَ: «أَيْ رَبِّ أَذْنَبْت ذَنْبًا آخَرَ. فَاغْفِرْهُ لِي». فَقَالَ رَبُّهُ: «عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِهِ؛ قَدْ غَفَرْت لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ». قَالَ ذَلِكَ: فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ»، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا، لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمِ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ؛ فَيَغْفِرُ لَهُمْ». وَقَدْ يُقَالُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: الِاسْتِغْفَارُ هُوَ مَعَ التَّوْبَةِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ: «مَا أَصَرَّ مَنْ اسْتَغْفَرَ، وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»، وَقَدْ يُقَالُ: بَلْ الِاسْتِغْفَارُ بِدُونِ التَّوْبَةِ مُمْكِنٌ وَاقِعٌ وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ، فَإِنَّ هَذَا الِاسْتِغْفَارَ إذَا كَانَ مَعَ التَّوْبَةِ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ عَامٌّ فِي كُلِّ تَائِبٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ التَّوْبَةِ فَيَكُونُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُسْتَغْفِرِينَ الَّذِينَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ الْخَشْيَةِ وَالْإِنَابَةِ مَا يَمْحُو الذُّنُوبَ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ بِأَنَّ قَوْلَ: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ثَقُلَتْ بِتِلْكَ السَّيِّئَاتِ؛ لَمَّا قَالَهَا بِنَوْعِ مِنْ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ الَّذِي يَمْحُو السَّيِّئَاتِ. وَكَمَا غَفَرَ لِلْبَغِيِّ بِسَقْيِ الْكَلْبِ؛ لِمَا حَصَلَ فِي قَلْبِهَا، إذْ ذَاكَ مِنْ الْإِيمَانِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.

(السَّبَبُ الثَّالِثُ): الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ»، وَقَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وَقَالَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»، وَقَالَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»، وَقَالَ: «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ»، وَقَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ»، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَمْثَالُهَا فِي الصِّحَاحِ. وَقَالَ: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ،وَالْحَسَدُ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ».

(السَّبَبُ الرَّابِعُ الدَّافِعُ لِلْعِقَابِ): دُعَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لِلْمُؤْمِنِ، مِثْلُ: صَلَاتِهِمْ عَلَى جِنَازَتِهِ. فَعَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ». (رواه مسلم)، وَهَذَا دُعَاءٌ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْمَلَ الْمَغْفِرَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِ التَّقِيِّ الَّذِي اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَكُفِّرَتْ عَنْهُ الصَّغَائِرُ وَحْدَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مَغْفُورٌ لَهُ عِنْدَ الْمُتَنَازِعِينَ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ أَسْبَابِ الْمَغْفِرَةِ لِلْمَيِّتِ.

(السَّبَبُ الْخَامِسُ): مَا يُعْمَلُ لِلْمَيِّتِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ. كَالصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا؛ فَإِنَّ هَذَا يَنْتَفِعُ بِهِ بِنُصُوصِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، وَاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَالْحَجُّ. بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ».

(السَّبَبُ السَّادِسُ): شَفَاعَةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَغَيْرُهُ فِي أَهْلِ الذُّنُوبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ، مِثْلَ: قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي».

(السَّبَبُ السَّابِعُ): الْمَصَائِبُ الَّتِي يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا فِي الدُّنْيَا. كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حَزَنٍ، وَلَا غَمٍّ، وَلَا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةُ يَشَاكُهَا، إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ». 

(السَّبَبُ الثَّامِنُ): مَا يَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ مِنْ الْفِتْنَةِ، وَالضَّغْطَةِ، وَالرَّوْعَةِ؛ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا.

(السَّبَبُ التَّاسِعُ): أَهْوَالُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَكَرْبُهَا، وَشَدَائِدُهَا. 


(السَّبَبُ الْعَاشِرُ): رَحْمَةُ اللَّهِ، وَعَفْوُهُ، وَمَغْفِرَتُهُ  بِلَا سَبَبٍ مِنْ الْعِبَادِ. فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ قَدْ يُدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْعَشَرَةِ، كَانَ دَعْوَاهُمْ أَنَّ عُقُوبَاتِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ»اهـ باختصار.