السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تسُرّنا زيارتكم للمدونة، ونسأل الله أن ينفعكم بمحتواها ويزيدكم من فضله

الجمعة، 30 أكتوبر 2015

كشكول ١١٤٥: مراعاة حال النزول في فهم القرآن العظيم والسنة النبوية


مراعاة حال النزول في فهم القرآن العظيم والسنة النبوية
قال مالك بن أنس رحمه الله في الموطأ: "قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، قَالَ: فَالرَّفَثُ إِصَابَةُ النِّسَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾.
قَالَ : وَالْفُسُوقُ الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾".
أي: الذبح يهل لغير الله به.
قد يقال: لِمَ لمْ يفسر الإمام مالك رحمه الله الفسوق بمعناه العام؛ بأنه المعصية والذنب والإثم، فيدخل فيه من باب أولى: الذبح لغير الله؟
أقول: لحظ الإمام مالك رحمه الله في ذلك والله اعلم مايلي:
الأمر الأول: أنه جاء تفسير الفسوق في الآية الأخرى بهذا، سمي فسوق، أهل لغير الله به.
الأمر الثاني: أن المسلم مطلوب منه في كل وقت أن يدع المعصية، فيصير خصوص الفسوق المذكور هنا في الحج هو أمر كان يحتف بأعمال الحج عندما كان يفعله أهل الجاهلية، وهو الذبح على النصب.
الأمر الثالث: أن الجدال المراد به التفاخر بالآباء والأحساب لا مطلق جدال، لأن هذا الذي كان يختص بأهل الجاهلية، حينما كانوا يؤدون هذا النسك، ففسر الآية بمقتضى تخصيص الحج بها. إذ ما المعنى في تخصيص الحج، بأن يقال: لا فسوق في الحج، أي: لا معصية في الحج، والمسلم مطالب في كل وقت بأن لا يكون في معصية؟! ما المعنى في أن يقال في الحج: لا جدال في الحج، والمسلم مطلوب منه في كل وقت ألا يجادل ويماري؟! فلا خصوصية للحج بهذا المعنى، بينما استلمح الإمام مالك رحمه الله واقع الناس قبل الإسلام في الحج، وأن الإسلام جاء يصحح ما يفعلونه، يبين الخطأ ويذكر الصواب، فقال: لا رفث ولا فسوق و لا جدال.
ولما كان أمر الجدال انتهى بالإسلام، وانحسم بالإسلام، اقتصر الرسول ﷺ على الأمرين الأولين، فقال: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، لأي شيء ما ذكر الجدال، مع إنه مذكور في الآية؟! لأنه زال بالإسلام، معنى هذا أن تخصيص الرفث والفسق بالذكر في الحديث لأن هذين الأمرين لا يزال منهما بقية، وستحصل من بعض الناس إلا ما شاء الله؛ فقال ^: "من حج فلم يرفث، ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"، فذكر الرفث، وذكر الفسوق.
والحقيقة هذا من الإمام مالك يدل على ملكة تفسيرية قوية، وهو من تطبيقات تفسير القرآن بالقرآن هذه واحدة.
وفيه تفسير القرآن بمراعاة حال النزول؛ مثاله : لما ذكر الله الأهلة للحج: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالحَجِّ وَلَيْسَ البِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (البقرة:189)، فما علاقة السؤال عن الأهلة، بالبر في الاتيان للبيوت؟! أقول: لا تعرف الجواب إلا إذا استرجعت حال العرب في الجاهلية، كان العرب في الجاهلية إذا رجع الراجع منهم من الحج، ما يدخل البيت من الباب، إنما ينقب نقبًا في ظهر البيت، ويدخل منه، فالله جل وعلا نزل هذه الآية ليبين أن الحج مواقيت، وليس من البر في عمل هذه الأعمال بهذه المواقيت أن ترجع إلى البيت من الظهر، وتنقب نقبًا فيه كما كان يفعل أهل الجاهلية.
والبر أن تأتي البيوت من أبوابها، لماذا تأتي البيت من الخلف؟!
فالمناسبة حكاية حال الناس ومعالجته وإصلاحه، من أين لك أن تعرف هذا إذا ما اطلعت على حال الناس وقت النزول؟ إذا فهمته يزول عنك الإشكال.
مثال آخر على أهمية الوقوف على حال الناس وقت النزول: في قوله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا﴾ (النساء:3)، ما المناسبة بين قوله تبارك وتعالى في أول الآية: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى﴾ لقوله فيها عقبها مرتباً له بالفاء : ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾؟
فما علاقة القسط في اليتامى بـ الأمر بنكاح ما طاب لنا من النساء؟
أقول: يكشف ذلك الوقوف على حال الناس إبان النزول، فقد كان عند بعضهم يتيمة يربيها، فإذا رآها كبرت وبلغت، يقول: أنا أتزوجها، وأجعلها عندي بالبيت، ويعطيها ما تيسر ويتخذها زوجة له. فيقصر في مهرها وفرش بيتها و لا تأخذ مثل غيرها من النساء، بسبب أنها يتيمة؛ فالله نهاهم عن أن يتزوجوا اليتيمات ويقصروا في حقهن، لأنها ليس لها أب موجود، وما لها أقارب يطلبون حقها كمثيلاتها! فالله جل وعلا ينهى عن أن تنكح اليتيمة بطريقة فيها تقصير بحقها، فإما تأخذها وتعطيها حقها مثل غيرها التي لها أب ولها أقارب، فاعدل واقسط، أو انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع.
هذه هي المناسبة! 
وكيف عُرف هذا المعنى؟
الجواب: بمعرفة حال النزول.
الإمام مالك هو سلف أهل التفسير في مراعاة مثل هذا المعنى، راعى حال النزول في تفسير اللفظة، وليس في إزالة إشكال.
إن قيل: أليست العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟! فلم لا يقال هنا بعموم اللفظ دون مراعاة هذا المعنى؟
سبق بيان الجواب فيما تقدّم، وأزيد:
إن العربي قد يتكلم بكلام عام يلحظ فيه دلالته العامة.
وقد يتكلم بكلام عام يريد به الخصوص.
والقرآن العظيم يجري على سنن العرب في كلامها، وقد قرر هذا علماء أصول الفقه، بل هو أول موضوعات الأصول عند الشافعي رحمه الله.
وجاء هذا الأسلوب في كلام الرسول ^؛ 
من ذلك ما جاء عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ. فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: صَائِمٌ. قَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ". وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ "عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ". فلو أنك اعملت قاعدة : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لقلت: الصوم في السفر لا يجوز. وخالفت بذلك ما جاء في الأحاديث مما يدل على مشروعية الصوم في السفر لمن قدر عليه، ولم يضره.
يقول ابن دقيق العيد رحمه الله: "حَدِيثُ : "حَدِيثُ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ"، أُخِذَ مِنْ هَذَا: أَنَّ كَرَاهَةَ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ لِمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، مِمَّنْ يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ، أَوْ يُؤَدِّي بِهِ إلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْ الْقُرُبَاتِ. 
وَيَكُونُ قَوْلُهُ : "لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ" مُنَزَّلًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَالظَّاهِرِيَّةُ الْمَانِعُونَ مِنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ يَقُولُونَ: إنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ. وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ. 
وَيَجِبُ أَنْ تَتَنَبَّهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَ دَلَالَةِ السِّيَاقِ وَالْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ، وَعَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ، وَبَيْنَ مُجَرَّدِ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى سَبَبٍ، وَلَا تُجْرِيهِمَا مَجْرًى وَاحِدًا. فَإِنَّ مُجَرَّدَ وُرُودِ الْعَامِّ عَلَى السَّبَبِ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ (المائدة: 38) بِسَبَبِ سَرِقَةِ رِدَاءِ صَفْوَانَ. وَأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِهِ بِالضَّرُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ.
أَمَّا السِّيَاقُ وَالْقَرَائِنُ: فَإِنَّهَا الدَّالَّةُ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ كَلَامِهِ. وَهِيَ الْمُرْشِدَةُ إلَى بَيَانِ الْمُجْمَلَاتِ، وَتَعْيِينِ الْمُحْتَمَلَاتِ.
فَاضْبُطْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ. فَإِنَّهَا مُفِيدَةٌ فِي مَوَاضِعَ لَا تُحْصَى. وَانْظُرْ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ"، مَعَ حِكَايَةِ هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ أَيِّ الْقَبِيلَتَيْنِ هُوَ؟ فَنَزِّلْهُ عَلَيْهِ"اهـ( ).
أقول: فالحديث من باب العام الذي يراد به الخصوص، وفرق بينه وبين العام الباقي على عمومه؛ وتفهم من هذا أن موضع قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، هو في العام الباقي على عمومه، لا في العام المخصوص.
ومما يساعدك في فهم وجه رجحان تفسير الإمام مالك رحمه الله للآية، أن تسأل ما وجه تخصيص الحج بالنهي عن هذه الأمور وهي منهي عنها في عبادات أخرى، وفي أحوال أخرى؟ 
فهذا من الإمام مالك من هذا القبيل.
وشبيه بهذا الموضوع؛ قولهم : هذا الوصف لا مفهوم مخالفة له، إنما جاء حكاية للواقع، أو موافقة للسؤال، أو مرعاة لحال السائل، ونحو ذلك.
و مراعاة حال النزول، أوسع من أسباب النزول، كما هو ظاهر إن شاء الله تعالى! فإن سبب النزول الحادثة أو السؤال الذي حدث فنزلت الآية أو الآيات أو السورة بسببه، بينما حال النزول يشمل ذلك وغيره!
فمن المهمات لمفسر القرآن العظيم، وشارح حديث الرسول ^ معرفة حال الناس إبان النزول والتشريع، ومن الكتب النافعة في ذلك كتاب محمود شكري الألوسي: "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب". يعني: قبل الإسلام.
وجاء في الأثر وأظنه مروي عن عمر قاله عمر، قال: لا أخشى على الإسلام إلا ممن لا يعرف الجاهلية.
معرفتك لما كان عليه حال العرب في الجاهلية قبل الإسلام تفيدك حتى في تفسير القرآن وشرح الحديث ومعرفة معاني أمور شرعية كثيرة غائبة عن ذهنك.
حديث الرسول ﷺ في المرأة المعتدة، قَالَتْ زَيْنَبُ، وَسَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: "جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا، أَفَتَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ: «لاَ» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ".
قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الحَوْلِ؟ 
فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ المَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، دَخَلَتْ حِفْشًا، وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا، وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ، حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ، فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً، فَتَرْمِي، ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
سُئِلَ مَالِكٌ مَا تَفْتَضُّ بِهِ؟ قَالَ: تَمْسَحُ بِهِ جِلْدَهَا"( ).
فانظر كيف الرسول ﷺ قرر الشرع، وسكن النفس إليه بذكر ما كان عليه الحال في الجاهلية.
أعجب من ذلك، ما جاء عَنْ لَقِيطِ بْنِ صَبْرَةَ، قَالَ: كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - أَوْ فِي وَفْدِ بَنِي الْمُنْتَفِقِ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَأَمَرَتْ لَنَا بِخَزِيرَةٍ فَصُنِعَتْ لَنَا، قَالَ: وَأُتِينَا بِقِنَاعٍ -وَالْقِنَاعُ: الطَّبَقُ فِيهِ تَمْرٌ - ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا؟ - أَوْ أُمِرَ لَكُمْ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَيْنَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ، إِذْ دَفَعَ الرَّاعِي غَنَمَهُ إِلَى الْمُرَاحِ، وَمَعَهُ سَخْلَةٌ تَيْعَرُ، فَقَالَ: مَا وَلَّدْتَ يَا فُلَانُ؟، قَالَ: بَهْمَةً، قَالَ: فَاذْبَحْ لَنَا مَكَانَهَا شَاةً، ثُمَّ قَالَ: لَا تَحْسِبَنَّ وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً "( ) .
أراد الرسول أن لا يظن الناس أن هذا سنة، الذبح للضيف، فقال: " لَا تَحْسِبَنَّ وَلَمْ يَقُلْ: لَا تَحْسَبَنَّ أَنَّا مِنْ أَجْلِكَ ذَبَحْنَاهَا، لَنَا غَنَمٌ مِائَةٌ لَا نُرِيدُ أَنْ تَزِيدَ، فَإِذَا وَلَّدَ الرَّاعِي بَهْمَةً، ذَبَحْنَا مَكَانَهَا شَاةً"، فقال ذلك مراعاة لحال الناس!
وتجد أحاديث كثيرة تراعي أحوال الناس وأمورهم وطريقة تفكيرهم، وطريقة نظرهم في التشريع، الإمام جزاه الله خيراً وأسكنه الفردوس، هو سلف في مثل هذه الأمور.
قال الإمام مالك رحمه الله: "وَالْجِدَالُ فِي الْحَجِّ : أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِقُزَحَ وَكَانَتْ الْعَرَبُ وَغَيْرُهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ فَكَانُوا يَتَجَادَلُونَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ﴾، فَهَذَا الْجِدَالُ فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ"اهـ.

وهذا التفسير من مراعاة حال الناس حال النزول!

كشكول ١١٤٤: حيثما وجد العدل والمصلحة والرحمة والحكمة فثمت شرع الله!


حيثما وجد العدل والمصلحة والرحمة والحكمة فثمت شرع الله!
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في اعلام الموقعين (3/2) : 
"الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي عدل كلها ورحمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل".
ووجدت له كلمة في الطرق الحكمية (ص: 19) قال: "فإن الله سبحانه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه والله سبحانه أعلم وأحكم وأعدل أن يخص طرق العدل وأماراته وأعلامه بشيء ثم ينفي ما هو أظهر منها وأقوى دلالة وأبين أمارة فلا يجعله منها ولا يحكم عند وجودها وقيامها بموجبها
بل قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين وليست مخالفة له"اهـ
وذكر الشاطبي رحمه الله(الموافقات 2/17): التكاليف مشروعة لمصالح العباد، ومصالح العباد إما دنيوية وإما أخروية.

ويقول أيضًا (الموافقات 2/9): (إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا)

كشكول ١١٤٣: هل يعمل بالحديث قبل الرجوع إلى العلماء؟


هل يعمل بالحديث قبل الرجوع إلى العلماء؟
قال ابن القيم رحمه الله (إعلام الموقعين عن رب العالمين 4/ 181): "إِنْ كَانَتْ دَلَالَةُ الْحَدِيثِ ظَاهِرَةً بَيِّنَةً لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْمُرَادِ فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، وَيُفْتِيَ بِهِ، وَلَا يُطْلَبُ لَهُ التَّزْكِيَةُ مِنْ قَوْلِ فَقِيهٍ أَوْ إمَامٍ، بَلْ الْحُجَّةُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ خَالَفَهُ مَنْ خَالَفَهُ.

وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ خَفِيَّةً لَا يَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ مِنْهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ، وَلَا يُفْتِيَ بِمَا يَتَوَهَّمُهُ مُرَادًا حَتَّى يَسْأَلَ وَيَطْلُبَ بَيَانَ الْحَدِيثِ وَوَجْهَهُ .
وَإِنْ كَانَتْ دَلَالَتُهُ ظَاهِرَةً كَالْعَامِّ عَلَى أَفْرَادِهِ، وَالْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالنَّهْيِ عَلَى التَّحْرِيمِ؛ فَهَلْ لَهُ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى بِهِ؟
يَخْرُجُ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَمَلُ بِالظَّوَاهِرِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ:
الْجَوَازُ،
وَالْمَنْعُ،
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ [وَالْخَاصِّ] فَلَا يُعْمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَيُعْمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ الْمُعَارِضِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ ثَمَّ نَوْعُ أَهْلِيَّةٍ وَلَكِنَّهُ قَاصِرٌ فِي مَعْرِفَةِ الْفُرُوعِ وَقَوَاعِدِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْعَرَبِيَّةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ أَهْلِيَّةٌ قَطُّ فَفَرْضُهُ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43] وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا سَأَلُوا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا، إنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» وَإِذَا جَازَ اعْتِمَادُ الْمُسْتَفْتِي عَلَى مَا يَكْتُبُهُ الْمُفْتِي مِنْ كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِ شَيْخِهِ وَإِنْ عَلَا وَصَعِدَ فَمِنْ كَلَامِ إمَامِهِ؛ فَلَأَنْ يَجُوزَ اعْتِمَادُ الرَّجُلِ عَلَى مَا كَتَبَهُ الثِّقَاتُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى بِالْجَوَازِ، وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ الْحَدِيثَ كَمَا لَوْ لَمْ يَفْهَمْ فَتْوَى الْمُفْتِي فَيَسْأَلُ مَنْ يُعَرِّفُهُ مَعْنَاهُ، كَمَا يَسْأَلُ مَنْ يُعَرِّفُهُ مَعْنَى جَوَابِ الْمُفْتِي، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ."اهـ

كشكول ١١٤٢: إنما يشرع هجر من أظهر بدعته لا من استتر بها


إنما يشرع هجر من أظهر بدعته لا من استتر بها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى (175/24): "رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها والمظهرين للكبائر .
فأما من كان مستترا بمعصية أو مُسراً لبدعة غير مكفرة ، فإن هذا لا يُهجر وإنما يهجر الداعي إلى البدعة ; 
إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولا أو عملا.

وأما من أظهر لنا خيرا فإنا نقبل علانيته ونكل سريرته إلى الله تعالى فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون.
ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة : كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعة ولا يجالسونه بخلاف الساكت .
وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رمي ببدعة من الساكتين ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع"اهـ

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ٢٠


محاضرة: كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟
للشيخ أ. د. محمد بن عمر بازمول -حفظه الله-

mp3:



ملخص المحاضرة (ملفات مكتوبة):
كتبه: الشيخ أ. د. محمد بن عمر بازمول -حفظه الله-


كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١٩


كيف تختار موضوعك؟
وتضع له خطة؟
19 – الخاتمة ... 

خاتمة الدراسة يذكر فيها الباحث أهم النتائج التي انتهى إليها والتوصيات العلمية، والتي عادة يذكر فيها الجوانب الجديدة التي تحتاج إلى البحث فيها، إرشادا للباحثين بعده .

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١٨


كيف تختار موضوعك ؟
وتضع له خطة؟
18 – عناصر المقدمة ...

مقدمة البحث تشتمل على العناصر التالية:
- الحمد والثناء والصلاة على النبي .
- تقديم مختصر فيه اسم الموضوع .
- أسباب اختيار الموضوع .
- الدراسات السابقة إن وجدت، وبيان الجديد في الدراسة.
- خطة الموضوع.
- منهج البحث.
- طريقة الباحث في الكتابة.
- الحمد والثناء.

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١٧


كيف تختار موضوعك؟
وتضع له خطة؟
17 – الخطوة الرابعة : يضيف إلى ما تشكل إليه، الأمور المساعدة والمكملة، فإن كل موضوع يحتاج إلى؛

ممهدات——◄ عرض الفكرة ——◄ بحثها ——◄ النتيجة.
فتترتب لديه الأبواب والفصول على هذا الأساس .

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١٦


كيف تختار موضوعك؟
وتضع له خطة؟

16 – الخطوة الثالثة : ترتيب العناصر ترتيبا متسلسلاً منطقياً. وتقسيمها إلى مجموعات، فما يصلح أن يشكل بابا جعله كذلك، وما يصلح أن يشكل فصلاً جعله كذلك، وأدرج تحت كل ذلك ما يناسبه من العناصر.

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١٥


كيف تختار موضوعك ؟
وتضع له خطة؟
15 – الخطوة الثانية : حصر عناصر الموضوع؛

إذا كان الموضوع قد سبقت دراسته، فإنه يبدأ النظر في الدراسات السابقة، ليبرز الباحث العناصر الجديدة في دراسته، ويحدد محل الإضافة عنده والزيادة لديه في دراسته، ورؤيته الجديدة. ويضع عناصر الموضوع على هذا الأساس .
أما إذا كان الموضوع لم تسبق دراسته فعليه أن يضع العناصر التي في ذهنه عن الموضوع، ثم يمر على كتب الفن ليقتنص كل عنصر يمكن أن يساعده في بحثه.
ويمكنه أن يستعين في هذه الخطوة بعدة أمور:
- جرد كتب التخصص المتعلقة بالموضوع.
- الرجوع إلى أهل الاختصاص.
- المذاكرة مع زملائه طلاب العلم تساعده المختصين في ذلك.
ومن النصائح الهامة هنا: أن يقيد ويسجل كل شيء ، ولو استطاع توثيق المعلومات باسم الكتاب والجزء والصفحة فهذا هام جداً.

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١٤


كيف تختار موضوعك؟
وتضع له خطة؟
14 – الخطوة الأولى لوضع الخطة : وضع عنوان الموضوع . الركيزة الأولى في وضع خطة الموضوع هي عنوانه، وينبغي عدم الاستعجال فيها، وتأمل كل عنوان تريد وضعه للموضوع، فإن لكل عنوان للموضوع الواحد خطة تختلف!

فمثلاً : حينما تكون فكرتي هي دراسة منهج ابن كثير في تفسيره، فإن أمامي عدة خيارات في اختيار العنوان :
الخيار الأول : (ابن كثير ومنهجه في التفسير) .
الخيار الثاني : (منهج ابن كثير في التفسير) .
الخيار الثالث : (التفسير بالرأي تفسير ابن كثير أنموذجا) .
في العنوان الأول ترجمة ابن كثير ركن أساس في البحث فتكون في باب إذا كانت الرسالة مقسمة على أبواب ، أو في فصل إذا كانت الرسالة مقسمة على فصول، ويكون الكلام عن أنواع التفسير في مدخل أو تمهيد.
في العنوان الثاني ترجمة ابن كثير خارج البحث، فهي في تمهيد أو مدخل موجز، وكذا الكلام عن أنواع التفسير.
في العنوان الثالث : التفسير بالرأي يشكل محوراً أساس في الموضوع، فيأخذ باباً أو قسماً أو فصلاً من الرسالة بحسب تقسيمات الخطة، ويكون التمهيد له بالكلام عن أنواع التفسير.
المهم اختيار العنوان المطابق للفكرة البحثية بالطريقة المناسبة لتناولها! (يستعين بالمشايخ وأهل الخبرة في التخصص والبحث لاختيار العنوان المناسب).

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١٣


13 – الاستعداد لكتابة خطة الموضوع !
هذا المحور الثاني في هذه اللقاء ؛ والمفترض أنه قد تم اختيار الموضوع، ونريد أن ننتقل إلى وضع خطة للموضوع!
ويتلخص وضع الخطة في أربع خطوات :
الخطوة الأولى : وضع العنوان.
الخطوة الثانية : حصر عناصر الموضوع.
الخطوة الثالثة : ترتيب العناصر ترتيبا متسلسلا منطقيا.
الخطوة الثالثة : تقسيمها إلى مجموعات ، وإعطاء كل مجموعة ما يناسبها من باب أخو فصل أو مبحث!
الخطوة الرابعة : تتميم ما يحتاجه الموضوع من فصول أو مباحث تكتمل بها هيئة الموضوع!

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١٢


كيف تختار موضوعك؟
وتضع له خطة؟
12 – الضلع الثالث : الجهة التي تريد التقدم إليها بالبحث. 
تؤثر الجهة التي تريد التقدم إليها بالبحث في اختيار الموضوع؛
فالبحث التكميلي يختلف عن البحث الأصلي.
بحث الماجستير يختلف عن بحث الدكتوراه.
والبحث تريد تقديمه لمجلة محكمة يختلف عن بحث الماجستير والدكتوراه.

فلكل جهة مواصفات وشروط، كتحديد الفترة الزمنية للبحث، وعدد الصفحات، وطريقة التناول ، وهذا جميعه مما يحدد حجم فكرة البحث.

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١١


كيف تختار موضوعك؟
وتضع له خطة؟

11 – المقدرة العلمية تعين الباحث على اختيار الموضوع، فلابد أن يهتم الباحث بتكوينه العلمي، ليسهل عليه اختيار الموضوع الذي يناسبه. وتتفاوت الموضوعات في جودتها بحسب تفاوت أصحابها في مقدراتهم العلمية. وعلى الباحث أن يختار الموضوع المناسب لمقدرته ولما يتقنه حتى يمكنه أن يبرز فيه، ويأتي بجديد فيه. ومعنى ذلك أن الباحث لابد أن يكون مواصلاً القراءة والاطلاع في مجال التخصص، ومتابعة آخر الأبحاث والدراسات، والندوات والمحاضرات، بل والمطبوعات والبحوث الصغيرة في مجال التخصص، إذا كانت من باحثين معتمدين، فإن ذلك مما يعين في اختيار الموضوع. (شعار الباحث دائماً: العلم من المهد إلى اللحد، مع المحبرة إلى المقبرة، يعني يستمر في الاطلاع على كل جديد).

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١٠


كيف تختار موضوعك؟
وتضع له خطة؟

10 – المهارة البحثية تعين على اختيار الموضوع. لأنها تتيح تصور أبعاده، وتقسيماته. والمهارة القدرة على إتقان العمل، وهي ملكة تراكمية تتكون لدى الباحث من كثرة قيامه بكتابة البحوث وإعدادها، يعرف بها أساليب البحث وأنواعه وما يمكن أن يحتاجه فيه. بحيث يستطيع تصور الموضوع، ومدى إمكانية البحث فيه من جهة مصادره ومواضع البحث فيه.

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ٩


كيف تختار موضوعك ؟
وتضع له خطة؟
9 – الضلع الثاني : الباحث نفسه .

يؤثر الباحث في اختيار الموضوع من جهات متعددة، تنبغي ملاحظتها؛
أ . هاجس الموضوع والفكرة. لابد أن تكون قضية اختيار الموضوع لدى الباحث من قبل قضية البحث نفسه، بمعنى أن يكون في ذهنه من وقت، ما الموضوع الذي يصلح للبحث؟ وبعض الناس قد يجتاز هذا إلى مرحلة وجود فكرة تشكل هاجساً في تفكيره، تشغله طول الوقت.
ب . الميل العاطفي . الموضوع يشكل علاقة عاطفية وميولاً نفسية معه وإلا لا يكون اختياره سهلاً عليه. بمعنى أن يشكل الموضوع مواصفات تعجبه ويميل إليها، كأن يحب مثلاً البحث في التخريج، أو البحث في التفسير، أو البحث في معاني الأحاديث وفقهها. (الميول تتحدد عادة عند قيامك بأبحاث صغيرة، وهنا تظهر أهمية السنة المنهجية في تحديد ميول الباحث داخل التخصص).
ج. القدرة البحثية . وهذه تتشكل من أمرين اثنين :
- المهارة البحثية.
- المقدرة العلمية.
هذه كلها أمور يتحدد بها اختيار الموضوع للبحث!

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ٨


كيف تختار موضوعك ؟
وتضع له خطة؟
8 - مقاصد التأليف :

قال علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم البغدادي الشهير بالخازن (ت725هـ) رحمه الله: "وينبغي لكل مؤلف في فن قد سبق إليه أن لا يخلو كتابه من خمس فوائد:
استنباط شيء كان معضلا.
أو جمعه إن كان متفرقاً.
أو شرحه إن كان غامضاً.
أو حسن تنظيم وتأليف.
أو إسقاط حشو وتطويل"اهـ( ).
قال شمس الدين البابلي (ت1077هـ) رحمه الله: "لا يؤلف أحد كتاباً إلا في أحد أقسام سبعة، و لا يمكن التأليف في غيرها، وهي:
إمّا أن يؤلف من شيء لم يسبق إليه فيخترعه.
أو شيء ناقص يتممه.
أو شيء مستغلق يشرحه.
أو طويل يختصره، دون أن يخل بشيء من معانيه.
أو شيء مختلط يرتبه.
أو شيء أخطأ فيه مصنف يبينه.
أو شيء مفرق يجمعه"اهـ( ).
ورأيت في مجاميع شيخي بالإجازة أبي جميل أحمد بن حسنين بن حجّ سيد بن أحمد بن خاطر بن أحمد نجار المكي المالكي، مجموعاً له، وسمه بـ (الحث على طلب العلم)( ) قوله رحمه الله: "ويشترط لدخول التصنيف والتدريس فيه اشتمالهما على فوائد جديدة، كما قال ابن عرفة المالكي:
إذا لم يكن في مجلس التدريس نكتة وتقرير إيضاح لمشكل صورةٍ
وعزو غريب النقل أو حل مقفل أو إشكال أبدته نتيجة فكرةٍ
فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد و لا تتركن فالترك أقبح خلة" اهـ

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ٧


كيف تختار موضوعك؟
وتضع له خطة؟
7 – كيف تتوصل إلى الابتكار والجدة؟

أمامك لتتوصل إلى الابتكار المسارات التالية:
- الرجوع إلى أهل الاختصاص وسؤالهم، فإنهم من أعرف الناس عادة بالجوانب البحثية في التخصص التي تحتاج إلى بحث، وصاحب الدار أدرى بما فيها!
- الرجوع إلى الأقسام البحثية، فإنه في العادة يكون هناك مشاريع بحثية مفتوحة.
- القراءة المكثفة في التخصص الذي يريد الباحث أن يختار فيه موضوعاً، فإنه سيجد إشارات إلى جوانب عديدة تحتاج إلى بحث، في توصيات الباحثين، وأثناء بحثهم! (أهمية كتابة التوصيات آخر البحث).
- المسح البيلوغرافي للأبحاث والكتب والمصنفات في الفن الذي يراد الكتابة فيه. (مثلاً في علوم القرآن و علم الحديث الأنواع التي لم يصنف فيها، يحتمل أن تكون موضوع بحث لدراسة في الماجستير أو الدكتوراه).
- الخروج عن النمطية في التفكير والتناول. كل الكتب التي تميزت في تخصصاتها كان سبب ذلك إما خروجها عن النمطية في التناول وطريقة البحث. أو ما عرف به مؤلفوها من مكانة علمية. ومن وسائل الوصول إلى الخروج عن النمطية: توليد الأفكار بتلقيح العلوم، فمثلاً في الفقه والأصول يبحثون مسائل (الفروق الفقهية والأصولية)؛ ألا يمكن أن نكتب في علوم القرآن وعلم الحديث أبحاثاً قائمة على هذه الفكرة؟ (أقترح عناوين: 1) التداخل بين أنواع علوم القرآن. 2) التداخل بين أنواع علوم الحديث. 3) الفروق في أنواع علوم القرآن. 4) الفروق في أنواع علم الحديث).

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ٦


كيف تختار موضوعك؟
وتضع له خطة؟
6 – الموضوع المبحوث يصبح جديداً إذا ...

بل حتى الموضوعات المبحوثة والمدروسة يمكن إعادة بحثها والكتابة فيها إذا توفرت لها الأمور التي تسوغ ذلك فيها، من ذلك :
- بروز أو ظهور جوانب تستوجب إعادة البحث، مثل ظهور أدلة بحثية لم تكن موجودة في الدراسة السابقة، وهذه الأدلة تؤثر على نتائج البحث، والرؤية العلمية للموضوع! أو ظهور جوانب في الموضوع كانت غائبة في الدراسة السابقة.
- مرور فترة زمنية، كعشرين سنة مثلاً على البحث، فإنها كافية لتسويغ إعادة بحثه، فإن مثل هذه المدة يظهر فيها العديد من المخطوطات والأبحاث والدراسات التي لها تأثير قوي الاحتمال في نتائج الدراسة السابقة. (نظرية النسبية لاينشتاين أصبحت اليوم تراثاً فيزيائيا) .
- حدوث رؤية جديدة للموضوع ، تسوغ إعادة بحثه!

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ٥


كيف تختار موضوعك ؟
وتضع له خطة؟
5 – جدة الموضوع . كم ترك الأول للآخر!
بعض الناس يستروح في ترك البحث ، أو القبول بعدم التجديد بأن يقول: لم يترك الأول للآخر شيئا! 

وهذا إجحاف في توصيف الحقيقة الواقعة، لأنك بقليل من التأمل تجد أفكاراً جديدة، ومباحث متنوعة صالحة للبحث، تحقق فيها وصف الجدة والجدارة، مما يجعلنا نقول بكل ثقة: كم ترك الأول للآخر!

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ٤


كيف تختار موضوعك؟ 
وتضع له خطة؟
4 – الضلع الأول : مواصفات الموضوع نفسه!

يقصد بالموضوع الفكرة التي يبني عليها الباحث بحثة، والمشكلة التي يعالجها ليصل إلى تحقيق الحل المناسب لها!
هذه المشكلة أو الفكرة التي يريد أن تكون موضوع بحثه لابد فيها من توفر مواصفات هامة وهي :
- الجدة .
- الجدارة.
- الأصالة.

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ٣


كيف تختار موضوعك ؟
وتضع له خطة
3 – مثلث الاختيار 
عند اختيار موضوع للبحث فإنك أمام مشكلة ذات أضلاع ثلاثة، وهي :

الضلع الأول : مواصفات الموضوع نفسه!
الضلع الثاني : الباحث.
الضلع الثالث : الجهة التي تريد التقدّم إليها بالبحث!

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ٢



كيف تختار موضوعك ؟
وتضع له خطة
2 – أخطر ما في البحث هو موضوعه!

لعل قضية اختيار موضوع البحث هي أخطر مرحلة في إعداد البحث، بل كل البحث يعتمد عليها!
فإن جودة البحث ، وحسن منهجه ، وسلامة نتائجه، جميعها تتوقف على تحديد مشكلة البحث، والهدف المنشود تحقيقه من ورائه!

كيف تختار موضوعك وتضع له خطة؟ ١


كيف تختار موضوعك ؟
وتضع له خطة؟
1 – علمني كيف اصطاد السمك و لا تعطني كل يوم سمكة!

ليس مقصود هذه المحاضرة ، إرشاد الباحث إلى مواضيع أو عناوين للبحث! إنما مقصودها إرشاد الباحث كيف يستطيع أن يختار موضوعا للبحث ، وتوضيح المواصفات والآلية التي تعينه في ذلك. وما جاء في ثناياها من عناوين فهي مجرد اقتراح لتوضيح فكرة وتوصيلها إلى الذهن!

كشكول ١١٤١: ليست المشكلة في العزو إلى كتب المخالفين أو أصحاب البدع، إنما المشكلة في اعتمادها ودلالة الناس لها


ليست المشكلة في العزو إلى كتب المخالفين أو أصحاب البدع، إنما المشكلة في اعتمادها ودلالة الناس لها، وإيهامهم أنها كتب معتمدة موثوقة يرجع إليها.
وإلا فإننا ننقل عن كتابات بعض الكفار ونعزو إليهم و لا ضير في ذلك معهم، فإن كونهم كفاراً يميز أننا لا نعتمدهم، وإنما المشكلة في أهل البدع وما يخشى من توهم العامي والمبتدي أن الباحث بعزوه إليهم يعتمدهم ويقبلهم!
ولذلك على طالب العلم أن ينتبه لهذه القضية ، واقترح أن يجعل له طريقة تميز ذلك!

والله المستعان

كشكول ١١٤٠: لابد للناس من أمارة


لابد للناس من أمارة
لما حكمت الحرورية قال علي : ما يقولون ؟ قيل : يقولون : لا حكم إلا لله ، قال : الحكم لله ، وفي الارض حكام ، ولكنهم يقولون : لا إمارة ، ولا بد للناس من إمارة يعمل فيها المؤمن ، ويستمتع فيها الفاجر والكافر ، ويبلغ الله فيها الاجل.

مصنف عبدالرزاق (10/150).

كشكول ١١٣٩: أنواع إعجاز القرآن


أنواع إعجاز القرآن
قال ابن تيمية رحمه الله: "والقرآن مما يعلم الناس عربهم وعجمهم أنه لم يوجد له نظير مع حرص العرب وغير العرب على معارضته:
فلفظه آية ونظمه آية.

وإخباره بالغيوب آية.
وأمره ونهيه آية ووعده ووعيده آية.
وجلالته وعظمته وسلطانه على القلوب آية.
واذا ترجم بغير العربي كانت معانيه آية كل ذلك لا يوجد له نظير في العالم"اهـ( ).
قلت: اشتمل كلامه على أنواع الآيات في القرآن الكريم:
الأول : في النظم. (إعجاز النظم واللفظ والمعنى).
الثاني : في إخباره بالغيبيات.
الثالث : إعجازه في التشريع.
الرابع : إعجازه بما يحدثه من أثر في النفوس .

كشكول ١١٣٨: الكفر بعضه أغلظ من بعض


الكفر بعضه أغلظ من بعض
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - مجموع الفتاوى ( 20 / 87 ): ( اعلم أن الكفر بعضه أغلظ من بعض ؛ فالكافر المكذب أعظم جرما من الكافر غير المكذب ، فإنه جمع بين ترك الإيمان المأمور به وبين التكذيب المنهي عنه ، ومن كفر وكذب وحارب الله ورسوله والمؤمنين بيده أو لسانه أعظم جرما ممن اقتصر على مجرد الكفر والتكذيب ، ومن كفر وقتل وزنى وسرق وصد وحارب كان أعظم جرما )

كشكول ١١٣٧: التشديد يحسنه كل أحد!


التشديد يحسنه كل أحد!
عن معمر: قال إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل واحد"

التمهيد (8/147)

كشكول ١١٣٦: ضابط الخلاف الذي لا يفسد للود قضية!


ضابط الخلاف الذي لا يفسد للود قضية !
قال الإمام السمعاني -رحمه الله-:
"الاختلاف لا يزيل الألفة,
ولا يوجب الوحشة,
ولا يوجب البراءة,
ولا يقطع موافقة الإسلام؛

وهو الاختلاف الواقع في النوازل التي عدمت فيها النصوص في الفروع, وغمضت فيها الأدلة؛ فيرجع في معرفة أحكامها إلى الاجتهاد"."قواطع الأدلة في الأصول" (2 / 308).

كشكول ١١٣٥: محل قولهم: قول الصحابي حجة!


محل قولهم: قول الصحابي حجة!
قال ابن تيمية رحمه الله: "من قال من العلماء : إن قول الصحابي حجة؛
فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة.

ولا عرف نص يخالفه .
ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقرارا على القول فقد يقال: هذا إجماع إقراري، إذا عرف أنهم أقروه ولم ينكره أحد منهم وهم لا يقرون على باطل.
وأما إذا لم يشتهر ؛
فهذا إن عرف أن غيره لم يخالفه فقد يقال: هو حجة.
وأما إذا عرف أنه خالفه فليس بحجة بالاتفاق.
وأما إذا لم يعرف هل وافقه غيره أو خالفه لم يجزم بأحدهما( ).
ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في سنة رسول الله لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم"اهـ( ) .

كشكول ١١٣٤: إذا انفرد الراوي بسند مشهور ولم يوجد عند أهل الكتب المعتمدة


إذا انفرد الراوي بسند مشهور ولم يوجد عند أهل الكتب المعتمدة
قال ابن القيم : "ومما يدل على أن هذا الحديث من مناكيره أنه لم يروه أحد من أهل الكتب المعتمدة لا أصحاب الصحيح ولا أحد من أهل السنن مع شهرة إسناده وكونه في الظاهر على شرط البخاري"اهـ

حاشية ابن القيم على سنن أبي داود (6/362).

كشكول ١١٣٣: الاستدلال بأصحاب العالم على صحة الرواية عنه


الاستدلال بأصحاب العالم على صحة الرواية عنه
قال ابن كثير في تفسيره /ط العلمية (2/ 199): "وَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَذَهَبَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ الْأَخِصَّاءُ بِهِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْهُمْ خِلَافُهُ"اهـ،

كشكول ١١٣٢: كتاب مسلم ليس لبيان العلل


كتاب مسلم ليس لبيان العلل
قال الحافظ أبو مسعود الدمشقي عن أحاديث أخرجها مسلم: "إن مسلما رحمه الله لم يخرجها محتجا بها، وإنما ذكرها على هذا الوجه ليبين شذوذها ومخالفة [الراوي] لبقية الرواة".
فتعقبه الحافظ العلائي بقوله: "وفي هذا الجواب نظر، لأن كتاب مسلم ليس موضوعا لبيان العلل"اهـ

نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد ص219.

كشكول ١١٣١: ضابط القول الشاذ


ضابط القول الشاذ
جاء في كتاب الفروسية (ص: 300): "أهل الْعلم الَّذين هم أَهله الشذوذ عِنْدهم والمخالفة القبيحة هِيَ الشذوذ عَن الْكتاب وَالسّنة وأقوال الصَّحَابَة ومخالفتها وَلَا اعْتِبَار عِنْدهم بِغَيْر ذَلِك مَا لم يجمع الْمُسلمُونَ على قَول وَاحِد وَيعلم إِجْمَاعهم يَقِينا فَهَذَا الَّذِي لَا تحل مُخَالفَته"اهـ

كشكول ١١٣٠: لا حجة في قول الجمهور إذا خالف الدليل


لا حجة في قول الجمهور إذا خالف الدليل
جاء في كتاب الفروسية (ص: 297- 298)

"إِن كَانَ قَول الْجُمْهُور فِي كل مَسْأَلَة تنَازع فِيهَا الْعلمَاء هُوَ الصَّوَاب وَجب بطلَان كل قَول انْفَرد بِهِ أحد الْأَئِمَّة عَن الْجُمْهُور، وَيذكر لكل طَائِفَة من الطوائف مَا انْفَرد بِهِ من قلدوه عَن الْجُمْهُور وَلَا يُمكنهُم إِنْكَار ذَلِك وَلَا الْإِقْرَار بِبُطْلَان قَوْله، وَلَا ملْجأ لَهُم إِلَّا التَّنَاقُض وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق"اهـ

كشكول ١١٢٩: إذا اختلف كلام أحمد في التصحيح والتضعيف مع كلام غيره


إذا اختلف كلام أحمد في التصحيح والتضعيف مع كلام غيره فالحجة في ...
جاء في كتاب الفروسية (ص: 247)

"وَإِذا اخْتلف أَحْمد وَغَيره من أَئِمَّة الحَدِيث فِي حَدِيث فالدليل يحكم بَينهم وَلَيْسَ قَوْله حجَّة عَلَيْهِم كَمَا إِذا خَالفه غَيره فِي مَسْأَلَة من الْفِقْه لم يكن قَوْله حجَّة على من خَالفه بل الْحجَّة الفاصلة هِيَ الدَّلِيل"اهـ

كشكول ١١٢٨: مقدمة صحيح مسلم لم يشترط فيها مسلم ما اشترطه في كتابه


مقدمة صحيح مسلم لم يشترط فيها مسلم ما اشترطه في كتابه
جاء في كتاب الفروسية (ص: 242) : "وَمُسلم لم يشْتَرط فِيهَا (يعني: مقدمة صحيحه) مَا شَرطه فِي الْكتاب من الصِّحَّة فلهَا شَأْن ولسائر كِتَابه شَأْن آخر وَلَا يشك أهل الحَدِيث فِي ذَلِك"اهـ

كشكول ١١٢٧: نوعان من الغلط قد يحدثان لمن قصر عن فهم تصرفات الأئمة


نوعان من الغلط قد يحدثان لمن قصر عن فهم تصرفات الأئمة
جاء في كتاب الفروسية (ص: 240 - 241) بتصرف يسير: "يعرض لمن قصر نَقده وذوقه عَن نقد الْأَئِمَّة وذوقهم فِي هَذَا الشَّأْن نَوْعَانِ من الْغَلَط ننبه عَلَيْهِمَا لعَظيم فَائِدَة الِاحْتِرَاز مِنْهُمَا؛
[الأول فِي شَرط الصَّحِيح]

أَحدهمَا : أَن يرى الرجل قد وثق وَشهد لَهُ بِالصّدقِ وَالْعَدَالَة أَو خرج حَدِيثه فِي الصَّحِيح فَيجْعَل كل مَا رَوَاهُ على شَرط الصَّحِيح وَهَذَا غلط ظَاهر فَإِنَّهُ إِنَّمَا يكون على شَرط الصَّحِيح إِذا انْتَفَت عَنهُ الْعِلَل والشذوذ والنكارة وتوبع عَلَيْهِ فَأَما مَعَ وجود ذَلِك أَو بعضه فَإِنَّهُ لَا يكون صَحِيحا وَلَا على شَرط الصَّحِيح.
وَمن تَأمل كَلَام البُخَارِيّ ونظرائه فِي تَعْلِيله أَحَادِيث جمَاعَة أخرج حَدِيثهمْ فِي صَحِيحه علم إِمَامَته وموقعه من هَذَا الشَّأْن وَتبين بِهِ حَقِيقَة مَا ذكرنَا.
[الثَّانِي التَّفْصِيل والنقد فِي اعْتِبَار حَدِيث الرَّاوِي]
النَّوْع الثَّانِي من الْغَلَط : أَن يرى الرجل قد تكلم فِي بعض حَدِيثه وَضعف فِي شيخ أَو فِي حَدِيث فَيجْعَل ذَلِك سَببا لتعليل حَدِيثه وتضعيفه أَيْن وجد كَمَا يَفْعَله بعض الْمُتَأَخِّرين من اهل الظَّاهِر وَغَيرهم.
وَهَذَا أيضا غلط فان تَضْعِيفه فِي رجل أَو فِي حَدِيث ظهر فِيهِ غلط لَا يُوجب تَضْعِيف حَدِيثه مُطلقًا وأئمة الحَدِيث على التَّفْصِيل والنقد وَاعْتِبَار حَدِيث الرجل بِغَيْرِهِ وَالْفرق بَين مَا انْفَرد بِهِ أَو وَافق فِيهِ الثِّقَات"اهـ

كشكول ١١٢٦: معرفة علل الحديث


معرفة علل الحديث
جاء في كتاب الفروسية (ص: 235): "وَمَعْرِفَة هَذَا الشَّأْن (يعني: الحديث) وَعلله ذوق وَنور يقذفه الله فِي الْقلب يقطع بِهِ من ذاقه وَلَا يشك فِيهِ وَمن لَيْسَ لَهُ هَذَا الذَّوْق لَا شُعُور لَهُ بِهِ وَهَذَا كنقد الدَّرَاهِم لأربابه فِيهِ ذوق وَمَعْرِفَة ليستا لكبار الْعلمَاء.
قَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير : قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي: إِن معرفَة الحَدِيث الْهَام.

قَالَ ابْن نمير : صدق لَو قلت لَهُ من أَيْن قلت لم يكن لَهُ جَوَاب!
وَقَالَ ابو حَاتِم الرَّازِيّ : قَالَ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي : إنكارنا للْحَدِيث عِنْد الْجُهَّال كهَانَة"اهـ.

كشكول ١١٢٥: تخريج حديث


تخريج حديث ...
قال البخاري في كتاب الجهاد والسير بَابُ مَا قِيلَ فِي الرِّمَاحِ. "وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي"؛
قلت: أخرجه أحمد (9/ 126، تحت رقم 5115) ، قال احمد: "حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي مُنِيبٍ الْجُرَشِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"،
وأخرجه أبوداود من طريق أبي النضر به، مقتصراً على الجملة الأخيرة، في كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة حديث رقم (4031)، والحديث ضعفه محققو المسند، ومحقق سنن أبي داود، مسند أحمد ط الرسالة (9/ 124)،
قال محققو المسند: " إسناده ضعيف على نكارة في بعض ألفاظه. ابن ثوبان - وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان - اختلفت فيه أقوالُ المجرحين والمعدلين، فمنهم من قوى أمره، ومنهم من ضعفه، وقد تغير بأخرة، وخلاصة القول فيه أنه حسنُ الحديث إذا لم يتفرد بما ينكر، فقد أشار الإمام أحمد إلى أن له أحاديث منكرة، وهذا منها"اهـ.
قلت: أحمد يطلق النكارة ويريد بها التفرد، لا يريد أنه منكر اصطلاحاً. ففي هُدى الساري ص437: "محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي من صغار التابعين مدني مشهور وثقه بن معين والجمهور وذكره العقيلي في الضعفاء وروى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: وذكره في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير قلت (ابن حجر): المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له فيحمل هذا على ذلك"اهـ،
وقد قال ابن تيمية رحمه الله (اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم 1/ 268- 270): "روى أبو داود في سننه حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو النضر يعني هاشم بن القاسم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت حدثنا حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم". وهذا إسناد جيد ؛ فإن ابن أبي شيبة وأبا النضر وحسان بن عطية ثقات مشاهير أجلاء من رجال الصحيحين وهم أجل من أن يحتاجوا إلى أن يقال: هم من رجال الصحيحين. وأما عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، فقال يحيى بن معين وأبو زرعة وأحمد بن عبد الله : "ليس به بأس". وقال عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم: "هو ثقة"، وقال أبو حاتم : "هو مستقيم الحديث". وأما أبو منيب الجرشي فقال فيه أحمد بن عبد الله العجلي : "هو ثقة، وما علمت أحدا ذكره بسوء"، وقد سمع منه حسان بن عطية، وقد احتج الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث"اهـ.

وقال ابن حجر في تغليق التعليق (3/ 446): "وَله شَاهد بِإِسْنَاد حسن لكنه مُرْسل رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن عِيسَى ابْن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن سعيد بن جبلة عَن طَاوس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل حَدِيث ابْن عمر"اهـ.

كشكول ١١٢٤: أحاديث الأحكام وأحاديث الفضائل


أحاديث الأحكام وأحاديث الفضائل
جاء في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (8/ 520): 
"وَقَالَ يَحْيَى بنُ المُغِيْرَةِ الرَّازِيُّ: عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: لاَ تَسْمَعُوا مِنْ بَقِيَّةَ مَا كَانَ فِي سُنَّةٍ، وَاسْمَعُوا مِنْهُ مَا كَانَ فِي ثَوَابٍ وَغَيْرِه.

قُلْتُ (الذهبي) : لِهَذَا أَكْثَرَ الأَئِمَّةُ عَلَى التَّشَدِيْدِ فِي أَحَادِيْثِ الأَحكَامِ، وَالتَّرخِيصِ قَلِيْلاً، لاَ كُلَّ التَّرَخُّصِ فِي الفَضَائِلِ وَالرَّقَائِقِ، فَيَقْبَلُوْنَ فِي ذَلِكَ مَا ضَعُفَ إِسْنَادُهُ، لاَ مَا اتُّهِم رُوَاتُهُ، فَإِنَّ الأَحَادِيْثَ المَوْضُوْعَةَ، وَالأَحَادِيْثَ الشَّدِيْدَةَ الوَهنِ، لاَ يَلْتَفِتُوْنَ إِلَيْهَا، بَلْ يَرْوُونَهَا لِلتَّحذِيرِ مِنْهَا، وَالهَتْكِ لِحَالِهَا، فَمَنْ دَلَّسَهَا، أَوْ غَطَّى تِبْيَانَهَا، فَهُوَ جَانٍ عَلَى السُّنَّةِ، خَائِنٌ للهِ وَرَسُوْلِه، فَإِنْ كَانَ يَجْهَلُ ذَلِكَ، فَقَدْ يُعْذَرُ بِالجَهْلِ، وَلَكِنْ سَلُوا أَهْلَ الذِّكرِ إِنْ كُنْتُم لاَ تَعْلَمُوْنَ"اهـ .

كشكول ١١٢٣: أكثروا من ذكر الله


أكثروا من ذكر الله !
ألا تريد أن تذكر حول عرش ربك!
أخرج ابن ماجه (3809) بإسناد صححه الأرنؤوط في تحقيقه 

عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ، التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ، يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ، تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ -أَوْ لَا يَزَالَ لَهُ- مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟ "

كشكول ١١٢٢: أخبرنا بما يكون في أمته إلى يوم القيامة


أخرج أحمد في المسند (30/163، تحت رقم 18224) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ قَالَ: " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا، فَأَخْبَرَنَا بِمَا يَكُونُ فِي أُمَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ "، وَعَاهُ مَنْ وَعَاهُ،
وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ"
قال محققو المسند : "حديث صحيح لغيره"اهـ
قلت : وأخرج مسلم تحت رقم (2892) عن غير المغيرة بن شعبة رضي الله عنه؛

قال مسلم : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، قَالَ حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، أَخْبَرَنَا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ، قَالَ: «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ» فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا"ا

كشكول ١١٢١: خبر الكتاب



خبر الكتاب ... من 1 - 100

خبر الكتاب pdf

أو من هنا



كيف يؤصل طالب العلم نفسه ٩


محاضرة: كيف يؤصل طالب العلم نفسه؟
للشيخ أ. د. محمد بن عمر بازمول -حفظه الله-
mp3:

ملخص المحاضرة (ملفات مكتوبة):
كتبه: الشيخ أ. د. محمد بن عمر بازمول -حفظه الله-
pdf: 
doc: 

كيف يؤصل طالب العلم نفسه؟ ٨


كيف يؤصل طالب العلم نفسه (المنشورات جميعها في سياق واحد)...
1 - من حرم الأصول حرم الوصول
يورد بعض أهل العلم هذه العبارة، للدلالة على أهمية أن يهتم طالب العلم بمعرفة أصول العلم، في كل باب؛ 
أصل الدين (العقيدة)
أصول التفسير.
أصول الفقه. 
أصول علم الحديث.
أصول البلاغة.
أصول النحو.
أصول الصرف.
وكذا أصول الأبواب .
فإذا تعلم الطالب أصول الأبواب والعلم وصل إلى أن يكون عالماً بها !
ويبدو لي - والله اعلم - أن الأهم من ذلك أن يتعلم طالب العلم ما يحفظ له دينه وعلمه من الخسران والهلاك.
والعبرة بعلماء بني إسرائيل!
فقد تجد من يحسن الكلام في أصول العلوم والأبواب، وهو معدود من أهل الضلال والفسق!
فليس المقصود أن يتعلم طالب العلم أصول الأبواب والعلوم؛ لأن المفترض أن الكلام مع طالب علم يطلب هذه العلوم ويتعلمها.
إنما المقصود : أن يؤصل طالب العلم نفسه بأصول الدين التي تسلمه من الهلاك والضلال، وتحفظ له دينه وعلمه. وهذا المعنى هو الجدير بقولهم : (من حرم الأصول حرم الوصول)!
2 - طالب العلم معرض في طريقه للمكاره والغواية؛
أ. المكاره !
لمّا كان طريق العلم هو الصراط المستقيم المؤدي إلى الجنة، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (يونس2:5).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"( ).
ولما كانت الجنة محفوفة بالمكاره، لما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ"( ).
والمكاره التي حجبت الجنة مقابل الشهوات التي حجبت النار. فالمكاره ما تركه النفس من ترك شهواتها!
فلما كان العلم طريقاً يلتمس به سالكه الجنة.
ولما كانت الجنة محفوفة بالمكاره.
فإن طريق العلم محفوف بالمكاره.
وهذا أول أمر يتعرض له طالب العلم؛
يتعرض لأمور تشق على نفسه ؛
كالاستيقاظ والمتابعة وترك راحة الجسد، فإن العلم لا ينال براحة الجسد.
وتحمل مشقة الرحلة لطلب العلم إذا احتاج إلى ذلك وتمكن منه.
وتحمل مشقة الفهم لما قد يعسر فهمه عليه.
وصرف المال في شراء الكتب، وصنع المكتبة العلمية التي يحتاجها.
والأخذ عن من هو دونه في السيادة، ولذلك في الأثر : "تعلموا قبل أن تسودوا".
إلى غير ذلك من المشاق .
ب. الغواية .
تعهد الشيطان أعوذ بالله منه، بغواية بني آدم عن الصراط المستقيم؛
قال تبارك وتعالى: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (الأعراف:16).
﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الحجر:39).
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (سورة ص:82-83).
والعلم الشرعي هو طريق اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام:153) .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - خَطًّا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ مُتَفَرِّقَةٌ، عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾"( ).
فبما أن طريق العلم الشرعي اتباع ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الصراط المستقيم.
وبما أن الشيطان تعهد ليقعدن لهم على الصراط المستقيم 
فإذا طالب العلم معرض لغواية الشيطان له لقطع طريقه على الصراط المستقيم، فلا يمكنه الوصول إلى الجنة.
وطرق غواية الشيطان لطالب العلم عجيبة!
فإنه يعلم أن طالب العلم لا ينفع معه فتح باب الشهوات، فلا يستطيع بإذن الله إغوائه بالنساء أو بالمأكولات أو بالمال أو بغيرها، فيفتح له أبواباً من الخير ليوقعه في باب من الشر!
قال ابن قيم الجوزية (ت749هـ) رحمه الله: "أن الشيطان يأمر بسبعين بابا من أبواب الخير إما ليتوصل بها إلى باب واحد من الشر وإما ليفوت بها خيرا أعظم من تلك السبعين بابا وأجل وأفضل!"اهـ( ).
فإذا اشغل طالب العلم عمره كله في علوم الآلة دون علم الغاية فقد غوى!
إذا اشغل طالب العلم نفسه بتحصيل المستحبات وترك الواجبات فقد غوى!
إذا اشتغل طالب العلم بتحصيل الأقوال الشاذة والمخالفة وغرائب العلم دون ما عليه العامة وأهل العلم فقد غوى!
إذا اشتغل طالب العلم بالتنقل من علم إلى علم دون أن يتم العلم فقد غوى!
إذا اعتد طالب العلم بنفسه ورأى نفسه على أهل العلم الذين هم فوقه فقد غوى!
إذا صار هم طالب العلم الاشتغال بباب من العلم لا يعود بالنفع عليه في طريق توصله إلى الجنة، فقد غوى!
وهكذا تتعدد أسباب الغواية!
3 - من الذي ينجو من الغواية والمكاره ويصل إلى دار السلام؟
والبشرى هنا؛ أن الذي ينجو من ذلك عباد الله المخلصين؛
قال تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الحجر : 39-43).
وقال تعالى: ﴿قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا* وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا* إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ (الإسراء:63-65).
وقال تعالى: ﴿قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ* قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ* قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (سورة ص: 77 - 83). 
فعباد الله (المخلصين) هم الذين ينجون من غواية الشيطان، ويسلكون طريق العلم فيصلون إلى دار السلام
قال تعالى: ﴿وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (يونس:25) .
فهؤلاء نجو من الخسران والهلاك ووصلوا إلى دار السلام!
4 - ما أوصافهم التي نجو بها من الهلاك والخسران؟
بين الله سبحانه وتعالى ذلك فقال تبارك وتعالى: 
﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ (سورة العصر:1-3) .
هذه السورة بينت أن الإنسان في خسران وهلاك، ولن ينجو من ذلك أحد إلا من كان موصوفاً بهذه الصفات، وهي التالية:
الصفة الأولى : تحقيق الإيمان، ﴿الذين آمنوا﴾ .
الصفة الثانية : القيام بالعمل الصالح، ﴿وعملوا الصالحات﴾.
الصفة الثالثة : الدعوة إلى الحق والتعليم، ﴿وتواصوا بالحق﴾.
الصفة الرابعة : الصبر ، ﴿وتواصوا بالصبر﴾!
فمن حقق هذه الأوصاف فإنه ينجو من الهلاك والخسران ، ويهديه الله إلى الصراط المستقيم، ويصل دار السلام .
5 - الصفة الأولى لتأصيل طالب العلم نفسه .
مذكورة في قوله تعالى: ﴿الذين آمنوا﴾، ومعناها : الذين حققوا الإيمان، وإنما يكون ذلك بأصلين وهما:
الأصل الأول : تحقيق الإخلاص .
الأصل الثاني : تحقيق المتابعة.
وهما في شهادة التوحيد؛
أشهد أن لا إله إلا الله (هذا الإخلاص) .
وأشهد أن محمداً رسول الله (هذا المتابعة).
أمّا الإخلاص فإن طالب العلم لا بد له من أن يتابع نفسه في الإخلاص، حتى لا يقع في براثن سوء النية؛
فهو يحتاجه في أول الطلب .
ويحتاجه في أثنائه.
ويحتاجه في آخر حاله.
والمهم هنا أن تنتبه يا طالب العلم إلى أن الإخلاص شرط تتابعي ، تحتاج أن تتابع نفسك فيه كل وقت.
ولابد أن تنتبه إلى أن لا تترك طلب العلم بحجة أنك لم تحقق الإخلاص فيه؛ لأنك مطالب بأمرين :
- طلب العلم الشرعي .
- وتصحيح النية فيه لتحقق الإخلاص!
وعدم تصحيح النية لا يلزم منه ترك طلب العلم، إنما أطلب العلم، واستمر في محاولة تصحيح النية. وإلا تكون قد وقعت في غواية الشيطان بصرفك عن طلب العلم!
قَالَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ: لَقَدْ طَلَبْنَا الْعِلْمَ وَمَا لَنَا فِيهِ تِلْكَ النِّيَّةُ ثُمَّ رَزَقَ اللَّهُ فِيهِ بَعْدُ قَالَ مِنْدَلٌ: يَقُولُ: رَزَقَ اللَّهُ بَعْدُ الْبَصَرَ، يَقُولُ: كُنَّا أَحْدَاثًا"( ).
وقَالَ عَوْنُ بنُ عُمَارَةَ: سَمِعْتُ هِشَاماً الدَّسْتُوَائِيَّ يَقُوْلُ: وَاللهِ مَا أَسْتَطِيْعُ أَنْ أَقُوْلَ: إِنِّي ذَهَبتُ يَوْماً قَطُّ أَطْلُبُ الحَدِيْثَ, أُرِيْدُ بِهِ وَجْهَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ"( ).
فاستمر في طلبك للعلم، وتابع تصحيح النية، و لا تترك الطلب!
قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (البينة: 5).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى". والله الموفق.
وأما المتابعة ، فالمقصود بها اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والعمل بما جاء به على الوجه الذي عمله به صلى الله عليه وسلم!
ولا تتحقق متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بثلاثة أمور :
الأمر الأول : اتباع الدليل.
الأمر الثاني : الأخذ عن العلماء المعتبرين.
الأمر الثالث : الحذر من البدع وأهلها .
أما اتباع الدليل ؛ فإن الأدلة الشرعية المتفق عليها هي :
القرآن العظيم .
والسنة النبوية .
والإجماع الصحيح .
والقياس الصحيح.
وجاء عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه : "العلم آية محكمة أو سنة متبعة، أو فريضة عادلة".
وتعبيره بـ (آية محكمة) ينبه به على أنه ليس كل من استدل بآية صح استدلاله حتى تكون الآية محكمة، فقد ذكر الله الذين في قلوبهم زيغ يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
فالآيات المتشابهات لا دليل فيها عند الراسخين في العلم، لأن العمل إنما يكون بردها على الآيات المحكمات التي هي أم الكتاب!
وتعبيره بـ (سنة متبعة) فيه تنبيه إلى أن الأحاديث التي لم يجر عليها العمل فليست بسنة متبعة! ومن ذلك المنسوخ والعام المخصوص في محل التخصيص، والمطلق المقيد في محل التقييد، فإنه لا ينبغي العمل بالسنة المنسوخة، و لا بالسنة العامة في محل التخصيص، ولا في محل التقييد!
وطالب العلم عليه أن يتحرى العمل بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه ويسلم على الوجه الذي عمل به الرسول عليه الصلاة والسلام.
وبدون ذلك لا يحقق طالب العلم المتابعة ، في اتباع الدليل!
أما الرجوع إلى أهل العلم المعتبرين؛ فالمراد الرجوع إلى الصحابة ومن سار على نهجهم من بعدهم : أئمة السنة.
وهذا يدل عليه ما جاء في حديث الافتراق فان الرسول صلى الله عليه وسلم فسر الفرقة الناجية والطائفة المنصورة بأنها الجماعة وفي رواية بأنها التي على مثل ما هو عليه وأصحابه.
عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام [خطيبا] فقال: ألا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا [خطيبا] فقال: "ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة, وإن هذه الملة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين ثنتان وسبعون فِي النار وواحدة فِي الجنة, وهي الجماعة"( ).
وأخرج الترمذي( ) عن عبد الله بن عمر قال صلى الله عليه وسلم : "ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم فِي النار إلا واحدة -إلا ملة واحدة- قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي".
وفي حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا علبها بالنواجذ"( ).
وجاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: "اتَّبِعُوا وَلا تَبْتَدِعُوا فَقَدْ كُفِيتُمْ"( ).
قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " إِيَّاكُمْ وَالْبِدَعَ وَالتَّبَدُّعَ وَالتَّنَطُّعَ وَعَلَيْكُمْ بِالأَمْرِ الْعَتِيقِ"( ).
ولا يحقق المسلم المتابعة الا بلزوم ما كان عليه السلف الصالح وهذا هو سبيل المؤمنين.قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (النساء: 115).
أما الحذر من البدع وأهلها؛ فان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"( ).
فلا يحقق طالب العلم المتابعة إلا بترك البدع وأهلها والحذر منهم .
وبهذه الأمور :
- اتباع الدليل.
- الرجوع للعلماء المعتبرين.
- الحذر من البدعة وأهلها؛
يحقق طالب العلم المتابعة .
وبالمتابعة مع الإخلاص يحقق وصف الإيمان، وهي الصفة الأولة من صفات عباد الله المخلصين، وبالله الموفق
6 - الصفة الثانية ليؤصل طالب العلم نفسه ، مذكورة في قوله تعالى: ﴿وعملوا الصالحات﴾، وهي إقامة العمل الصالح!
والعمل الصالح ركن في الإيمان وهو ثمرته. 
وطالب العلم لابد أن يعمل بما عمل .
وجاء في الأثر : " هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل".
وفي الأثر: "من علم بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم".
فالعمل الصالح ينجي صاحبه من صفة الخسران والهلاك .
وطالب العلم يعلم أن العلم الذي يتعلمه هو أولى الناس بتطبيقه والقيام به.
أيها الرجل المعلم غيره * هلا لنفسك كان ذا التعليم.
وليس المراد أي عمل وإنما المراد العمل الصالح وهو الذي اخلص فيه صاحبه وتابع فيه رسوله صلى الله عليه وسلم.
7 - الصفة الثالثة التي يؤصل بها طالب العام نفسه ، مذكورة في قوله تعالى: ﴿وتواصوا بالحق﴾.
التواصي بالحق بالدعوة والتعليم ؛
فيعلم الناس ويدعوهم إلى العمل الصالح واتباع السنة ومنهج السلف الصالح .
وتعليم العلم والدعوة إليه من انفع الطرق في تثبيته في النفس مع العمل به.
ومقتضى هذه الصفة القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي صفة خيرية هذه الأمة.
قال تبارك وتعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (آل عمران:110).
ولا يزال الناس بخير ما دام فيهم من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر!
8 - الصفة الرابعة التي يؤصل بها طالب العلم نفسه، مذكورى في قوله تعالى: ﴿وتواصوا بالصبر﴾.
والصبر حبس النفس على طاعة الله أمام داعي الهوى والشهوة.
والصبر عبادة تكفل الله بالأجر فيها على غير حساب سائر الأعمال؛ فحساب الأجر في الأعمال الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، أما الصبر فالأجر فيه بغير هذا الحساب، قال الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (الزمر:10) .
ومن قام بالنصيحة والعمل الصالح فانه سيتعرض لأذى الناس.
وفي وصايا لقمان لابنه، لما أوصاه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أوصاه بالصبر، لأن من يتصدى لذلك سيتعرض لأذى الناس، وعلاج ذلك بالصبر؛ قال تبارك وتعالى: ﴿ يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (لقمان:17) .
وفي الحديث قال أحمد ابن حنبل "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَحَجَّاجٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشَ وَقَالَ حَجَّاجٌ: عَنِ الْأَعْمَشِ يُحَدِّثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَأُرَاهُ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: حَجَّاجٌ قَالَ شُعْبَةُ: قَالَ سُلَيْمَانُ: وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " قَالَ: حَجَّاجٌ: "خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ"( ).
9 – الختام :
بهذه الصفات الأربع يؤصل طالب العلم نفسه بإذن الله.
وإنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه.
جعلنا الله واياكم هداة مهتدين .
ولا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.